أقلام وأراء

علي قباجه يكتب – الإرهاب في الشرق

علي قباجه  17/1/2020

عقب إعلان «داعش» خلافته المزعومة في سوريا والعراق عام 2014، بدأت أذرع التنظيم الأخطبوطية، التي اكتسبت زخماً مادياً وبشرياً، تمتد في مناطق مختلفة من العالم، ضمن استراتيجية محكمة، تهدف إلى إيجاد بؤر لها في حال تم إنهاء «دولتها» بعدما حشد العالم قوته لاجتثاثها في الدولتين العربيتين. ونجح التنظيم جزئياً في بناء خلايا في سيناء، والسيطرة على مناطق في ليبيا، والصومال وكينيا وتنزانيا ودول إفريقية أخرى، وفي ذات الوقت اتجه إلى دول جنوب شرق آسيا التي هي في غالبها دول مسلمة، وأنشأ فيها خلايا عدة، مستغلاً المد البشري الهائل في تلك المناطق، لعله يستفيد منه في استقطاب المزيد من العناصر في تنفيذ مخططاته الإجرامية.

وكانت دول الشرق الأقصى وخصوصاً ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة والفلبين محصنة لعقود طويلة من درن الإرهاب، وعصية على الاختراق إلا في حالات استثنائية، عبر تشكيلات ضعيفة، أو عمليات لم تأخذ شكل التنظيم، بل كانت فردية، لأن وعي المجتمعات ويقظة السلطات وأد محاولات التنظيمات الإرهابية ترتيب صفوفها في مهدها. ولكن نجاح الإرهاب في الاستقرار لبرهة من الزمن في أراض شاسعة في سوريا والعراق، مترافقاً مع إمكانيات جبارة، من إعلام ومال وسلاح وأرض، واكتسابه زخماً دولياً، دفع الكثير من المتطرفين لتشكيل جماعات حول العالم، ومبايعتها للخليفة المزعوم، حيث ظهرت مبايعات كثيرة في قارة آسيا، وتحديداً في دول الجنوب الشرقي، ما أهلها لأن تصبح، لاحقاً، بنظر التنظيم «دولة بديلة» لخلافة «الدواعش».

وتمكنت هذه الجماعات من رفد التنظيم في بلاد الشام والرافدين بمئات المقاتلين، ليعودوا بعد انهياره إلى بلدانهم، ويشكلوا صداعاً مزمناً، إذ عاثوا فساداً في البلاد، ونشروا الموت والتخريب. فجماعتا «أبو سياف» و«أنصار الخلافة» نشطتا في الفلبين ونفذتا عمليات أودت بحياة المئات، كما سعت الأولى لإقامة دويلة في جزيرة ميندانا، إلا أن السلطات كانت لها بالمرصاد، أما جماعة «مجاهدي تيمور» التي نشطت في جزيرة سولويزي بإندونيسيا فتلطخت بالعديد من الأفعال الدموية، فضلاً عن «جماعة تحريك الخلافة» في باكستان، و«مجاهدي ماليزيا» و«ولاية الصباح» بماليزيا.

هذه التنظيمات تفرخت في سنوات قليلة، ولا تزال الخشية من نموها وازديادها، فماليزيا ألقت القبض على 72 شخصاً خلال العام الماضي ينتمون ل«داعش» و«القاعدة»، وأحبطت العديد من الهجمات، كانت كفيلة بإحداث تخريب كبير، وحذت حذوها دول تلك المنطقة وفككت الكثير من بؤر الإرهاب. ولكن يبقى من المهم إلى جانب الإنجازات الأمنية، العمل على زيادة التحصين الفكري للشعوب، والسعي حثيثاً لاستئصال أي فكر دخيل قد يودي بالبلاد والعباد إلى غياهب المجهول.

«داعش» وإخوانه، يحاولون تفتيت تلك المجتمعات ونشر الفوضى التي هي بيئة مناسبة له للتوسع، ولن يفتر عن إذكاء الفتن والقلاقل، لذا فإنه في المقابل يتحتم على الدول العمل حثيثاً على إفشال تلك المخططات باستخدام الأساليب كافة، كما يقع على عاتق علماء الشريعة نشر صحيح الإسلام، وكشف المغالطات التي يستخدمها الإرهاب لنشر شذوذه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى