أقلام وأراء

علي قباجه يكتب – أوروبا تواجه الضمّ

علي قباجه – 29/5/2020

على الرغم من التماهي بين سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في مواقف عدة، فإن الأخير يتبنى مواقف مبدئية، يعارض فيها واشنطن؛ بل إنه يقف على الجهة المقابلة لها تماماً، فبينما تنساق الولايات المتحدة خلف سياسات المحتل «الإسرائيلي»، وتؤيده في كل ما توجهاته، ولو كان ذلك على حساب حياة الفلسطينيين ومقدساتهم وأراضيهم، فإن الاتحاد الأوروبي يؤيد سياسات ويعارض أخرى وأحياناً يهدد الكيان ويتوعده، ولو كان صورياً في الغالب، في حال إقدامه على مزيد من التغول على الأراضي الفلسطينية، هذا التباين بين الموقفين الظاهرين لهما بدا جلياً تجاه خطة ضم أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن، فبينما عارض الأوروبيون ذلك بقوة مهددين بفرض عقوبات وإجراءات رادعة تجاه «إسرائيل» في حال مضيها بخططها التوسعية، فإننا نرى في المقابل واشنطن تؤيد موقف المحتل؛ بل إنها هي من أطرت له عدوانه حينما زعمت زوراً بأنها أوجدت حلاً للصراع العربي «الإسرائيلي» عبر ما يعرف ب«صفقة القرن».

يرى الاتحاد الأوروبي أن خطة الضم «الإسرائيلية» مخالفة للجهود السياسية الرامية إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية عبر «حل الدولتين»، وموقف الاتحاد هذا ليس جديداً؛ إذ لطالما عارضت معظم دوله سياسات المحتل «الإسرائيلي» في حال رأت أنها تشكل تقويضاً لفرص السلام، ومن ذلك أن المحكمة في لوكسمبورج قضت العام الماضي في بيان لها أنه ينبغي على «إسرائيل» وضع علامة بلد المنشأ على المواد الغذائية، في حال أنّ هذه البضائع تم إنتاجها في أراضٍ لها وضع دولي خاص ومميزة عن تلك الدولة التي تحتلها وتخضع لولايتها القضائية المحدودة، كقوة محتلة بالمعنى المقصود في القانون الإنساني الدولي؛ لأن العمل خلاف ذلك سيكون ذا طبيعة مضللة بالنسبة للمستهلكين.

الرعونة «الإسرائيلية» في الاستهتار بالقرارات الدولية؛ دفعت دول الاتحاد الأوروبي إلى تصعيد لهجتها ضد الكيان ودعمه الولايات المتحدة؛ حيث قال مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل إن «صفقة القرن» حادت عن «المعايير المتفق عليها دولياً»، وأن ضم الأراضي الفلسطينية، إذا تم، «لا يمكن أن يمر من دون اعتراض»، والموقف هذا لم يكن يتيماً؛ إذ إن بريطانيا رغم دعمها اللامتناهي للاحتلال عبرت عن امتعاضها من القرار وصرح وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، أن بلاده لن تعترف بضم «إسرائيل» لأجزاء من الضفة الغربية، هذه المواقف تضع «إسرائيل» في موقف لا تحسد عليه ومن المؤكد أنها تحتاج إلى دعم الأوروبيين كحاجتها لدعم واشنطن.

ما يميز أوروبا أنها تتخذ قرارات فاعلة ومؤثرة تجاه «إسرائيل» في حال تعنتها، ربما تلجأ كما لجأت قبل ست سنوات إلى إجبار الاحتلال بالقبول بتمييز حدود «الخط الأخضر» وإخراج المستوطنات من دائرة التعامل مع مشروع «هورايزن 2020»، وربما -رغم ضعف الاحتمال- أن تتأزم العلاقات بين الطرفين أكثر وقد تؤدي إلى فرض عقوبات وإيقاف التعامل التجاري والاقتصادي وهو ما هدد به بالفعل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد، وعلى الرغم من أنه استخدم عبارات أقل صرامة، فإن عباراته لم تخلُ من التهديد والوعيد، وهو ما سيضر بمصلحة «إسرائيل»، لكن العبرة في النهاية هل سيدفعها ذلك للعدول عن قرارها أم أنها ستضرب بالعلاقات الأوروبية عرض الحائط؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى