اللاجئين

علي فيصل يكتب – الأزمات الاقتصادية في لبنان وأثرها على اللاجئين الفلسطينيين

علي فيصل *- 20/10/2020

داهمت الفلسطينيين في لبنان، كما داهمت باقي السكان، أحداث الرابع من آب (أغسطس) 2020 وتداعياتها المدمرة، التي أتت على الجزء الأكبر من مرفأ بيروت، وألحقت الدمار والخراب بالعديد من الأحياء والمباني، وأوقعت قتلى وجرحى، وعكست نفسها على المسار الإقتصادي الضعيف في البلاد، والذي بدأ ينؤ  بأثقال أزمة المصارف، ومصير أموال المودعين، وهبوط مريع لسعر الليرة اللبنانية، وتراجع حاد في مستوى المعيشة بفعل الإرتفاع الجنوني للأسعار. واكب ذلك جوسياسي محلي، أسهم في تعقيد الأوضاع وزادها سوءاً، وحل النزاع بين الفرقاء السياسيين بدلاً من ضرورات التفاهم لإخراج البلاد من أزماتها.

زاد الأمور سوءاً جائحة كورونا وما فرضته على السكان من إجراءات وقاية، وتباعد، وحجر منزلي، والإغلاقات امتدت أحياناً لأسبوعين، ألحقت الأذى، بل وأحياناً الدمار بقطاعات واسعة من السكان، خاصة منهم أصحاب الدخل المحدود، والعمال المياومين والباعة  وأصحاب الدكاكين والمحال التجارية والحرفيين الصغار وغيرهم.

فضلاً عن ذلك شهدت عمليات الدعم الخارجي للعائلات والأفراد ارتباكاً ملحوظاً يسبب الفوضى في صرف سعر الدولار وباقي العملات الأجنبية، وانتعشت السوق السوداء القائمة على النهب والتلاعب بالأسعار، وإلحاق الضرر الحاد بما تبقى من الإقتصاد الوطني اللبناني.

هذا كله داهم الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، كما داهم إخوانهم اللبنانيين وباقي السكان. دون تجاهل خصوصية الحالة الفلسطينية التي تعتمد، في مجالات عدة، على خدمات وكالة الغوث (الأونروا) في قضايا الصحة والتعليم والإغاثة والبيئة والتشغيل. فلم تنجُ الأونروا هي الأخرى من تداعيات الحدث، خاصة وأن ارتفاع معدل البطالة في المخيمات، والتي لامست حدود الـ 75% من اليد العاملة، واتساع صف الحالات المعوزة في ظل خطر كورونا وضع الأونروا أمام واجبات إضافية نحو اللاجئين، تقاعس المجتمع الدولي إزاءها عن الوفاء بواجباته السياسية والقانونية والأخلاقية لتوفير الأموال اللازمة لبرامج ومشاريع الطوارئ الصحية والإغاثية، وبما يرفع عن كاهل اللاجئين الفلسطينيين بعضاً من الأثقال المرهقة.

ما يجب تأكيده هنا، كخلاصة أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للاجئين في لبنان انحدرت نحو مستويات خطيرة، ما يضع عموم الحالة الفلسطينية بجميع مكوناتها السياسية والإجتماعية والتربوية وغيرها أمام تحديات كبرى تشكل امتحاناً لقدرتها على التفاعل  مع الحدث، الأمر الذي يضعنا أمام ثلاث مهام مباشرة:

• الأول: توحيد الرؤية لما حلّ باللاجئين الفلسطينيين في لبنان بإعتباره حدثاً اجتماعياً واسع الميدان، ناتج عن حالة سياسية مرشقة لأن تدوم طويلاً، وفي السياق توحيد الموقف في إدارة الشأن العام، على الصعيد الوطني والإجتماعي، في ظل مخاطر السياسية والاجتماعية، لم يعد فيها مجال للترف في الإختلاف على ضرورة مواجهتها، وبما يصون الكتلة الشعبية الفلسطينية في لبنان، ويصون وحدتها وتماسكها وثباتها في مواجهة المخاطر المتعددة.

الثاني: الإرتقاء إلى مستوى التحدي المفروض على اللاجئين الفلسطينيين، لمواصلة الضغط على وكالة الغوث لإطلاق خطة طوارئ كاملة وطويلة المدى لإغاثة أبناء المخيمات والتجمعات السكانية الفلسطينية في مجالات الصحة والبيئة والغذاء والإستشفاء ومساعدات البطالة والحالات المعوزة. كل هذا في إطار تحرك وطني يجمع بين الدور المحلي، ودور دائرة شؤون اللاجئين في اللجنة التنفيذية والدول المضيفة للاجئين ووزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية، بعلاقاتها مع الجهات المانحة.

الثالث: شمول الدولة اللبنانية للاجئين الفلسطينينيين باستراتيجيتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية على طريق اقرار الحقوق الانسانية والاجتماعية، وتطوير آلية عمل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بما يمكنها من ترجمة توجهاتها وتحويلها الى مشاريع قوانين تقدم للبرلمان اللبناني.

لقد بدا واضحاً، عبر التجارب المرة مع الحكومات المتعاقبة، أن الملف الفلسطيني لم يكن من ضمن أولوياتها. وهو ما عكسه، على سبيل المثال، البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة حالياً والمكلفة بتسيير الأعمال، الذي حصر التعامل مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بإعتبارها مجرد حالة أمنية. ونعتقد أن ما يشهده لبنان من تطورات بات يملي على الحكومة اللبنانية أن تعيد النظر في رؤيتها للمخيمات، وأن تعيد الملف الإقتصادي والإجتماعي للاجئين الفلسطينيين إلى أجندة المتابعة اليومية للوزارات والدوائر اللبنانية المعنية.

أن الحديث عن تحصين الحالة الوطنية والمجتمعية للاجئين في لبنان، سيبقى منقوصاً ما لم يقرن بسياسات إقتصادية، واجتماعية توفر شبكة أمان اجتماعي للاجئين الفلسطينيين، وتعزز موقعهم النضالي ضد صفقة القرن التي تستهدف، من ضمن ما تستهدفه، حقهم المشروع في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم  التي هجروا منها منذ العام 1948.

إن استعادة هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك لدورها خطوة يجب صونها وتعزيزها، بما يضمن توحيد الموقف الفلسطيني في لبنان من القضايا المطروحة على طاولة البحث والمتابعة، وصون الموقف الوطني الفلسطيني الموحد بالنأي بالنفس بعيداً عن أية إنشغالات سياسية محلية.

ورغم التوافق على دورية التئام الهيئة بشكل شهري، او دوري، للوقوف امام القضايا التي تهدد المجتمع الفلسطيني في لبنان خاصة الازمة الاقتصادية ومعالجة بعض التفلتات الامنية ومحاربة الآفات الاجتماعية اضافة الى الحفاظ على حالة الاستقرار في المخيمات وجوارها وتطوير عمل جميع اطر العمل المشترك، كاللجان الشعبية والاتحادات وغيرها، بما يحافظ على المخيمات واستقرارها ويوفر مظلة وحماية لشعبنا ومخيماته في مواجهة ما يتهددها من مخاطر سواء سياسية واقتصادية وامنية او استهدافها بالآفات الاجتماعية التي تتطلب توافقا على مواجهتها واستئصالها من جميع مخيماتنا..

*علي فيصل / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – بيروت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى