أقلام وأراء

علي حمادة يكتب – الصراع في فلسطين : تغيير في القواعد

علي حمادة *- 14/5/2021

حتى الساعة لا يمكن التكهن بالتاريخ الذي ستنتهي فيه الجولة الحالية بين إسرائيل، و”حماس” ومعها بقية الفصائل الفلسطينية في غزة. فالجولة الحالية مختلفة تماما عن الجولة السابقة في العام 2014، والتي دامت اكثر من خمسين يوماً، وانتهت الى اتفاق عته مصر بالتهدئة لفترة طويلة. هذه المرة اختلفت المسألة على اكثر من صعيد:

 أولاً، لناحية أن يتطور القمع الإسرائيلي في القدس العربية، والمسجد الأقصى، ليفسح في المجال أمام حركة “حماس” لكي تتدخل في الضفة الغربية، والقدس، عبر اطلاق تحذيرات، وتهديدات، ومن ثم لتطلق رشقات صاروخية بإتجاه مناطق متاخمة لمدينة القدس في الناحية الغربية.

ثانياً، أن يتطور الاشتباك اثر قصف إسرائيلي على غزة، وتدمير سلاح الطيران أبراجاً في قلب المدينة، فترد “حماس” والفصائل برشقات كثيفة من الصواريخ ليس على محيط قطاع غزة، وإنما الى قلب إسرائيل حيث التجمع السكاني الأكبر فيها الذي يضم تل ابيب والمدن المحيطة بها، ويصل عدد سكانها الى ثلاثة ملايين شخص، ثم تصل رشقات صاروخية الى نقاط قريبة من مدينة حيفا شمالاً، والى محيط مدينة ديمونا في النقب جنوباً.

 ثالثاً، أن يصل عدد الصواريخ التي أطلقت من غزة إلى ما يزيد عن ألف و ثمانمئة في الأيام الثلاثة الأولى من الجولة الحالية.

 ورابعاً، وهنا الأهم أن يشتعل الداخل الفلسطيني ليس في الضفة الغربية، وانما في أراضي 1948، حيث التداخل السكاني بين العرب واليهود، و المدن والقوى المختلطة.

وأخيراً أن يشعر الإسرائيليون انهم غير قادرين على تحقيق انتصار واضح المعالم، وغير قادرين على الاعتماد على دعم أميركي مطلق، ولا سيما في ظل الاختلاف الكبير في مقاربة إدارة الرئيس جو بايدن لملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

كل هذه العوامل  وغيرها من العوامل الميدانية المتلاحقة ساعة بساعة، غيرت من قواعد الاشتباك بين الفلسطينيين  والإسرائيليين. فالتطورات التي حصلت أدت الى احداث صدمة كبيرة للمستوى السياسي الشعبي الإسرائيلي في ما يختص بالقدرة على مواصلة الاستيلاء على الأراضي والاحياء العربية في القدس، والضفة الغربية، من دون أي وازع. وقد اثبتت هذه الجولة أن قضية حي الشيخ جراح في القدس العربية التي كاد المستوطنون أن يستولوا عليها متسلحين بحكم قضائي إسرائيلي، صارت قضية مستحيلة مع تغير قواعد الاشتباك، وقواعد اللعبة، ولا سيما ان إسرائيل تواجه اليوم تحدياً في تطور القدرات الصاروخية التي تبدد الشعور بالأمان لدى المواطن الإسرائيلي أينما وجد، كما أنها تواجه تحدي نشوب حرب “أهلية ” في أراضي الـ48 بين العرب واليهود دون أن ننسى أهمية العامل الديموغرافي العربي في الداخل الذي لا يستهان به في هذه المرحلة. أكثر من ذلك يواجه الإسرائيليون تحدياً في التعامل مع قطاع غزة، و تنامي القدرات العسكرية لدى الفصائل، التي تمكنت منذ الجولة السابقة عام 2014 من تطويرها، وتعزيزها بشكل كبير، ظهر جلياً في الأيام الأخيرة من المواجهة. صحيح أن لدى إسرائيل إمكانيات عسكرية هائلة، لا قدرة للفصائل في القطاع على مجاراتها. و لكن الصحيح أيضاً ان “بروڤا” القصف الصاروخي الذي طال مجمل مساحة إسرائيل، يمثل خطراً كبيراً في حال استمر تطوير القدرات العسكرية في القطاع. و هذه أيضاً “بروڤا” لاي مواجهة محتملة مع “حزب الله” الذي يمتلك إمكانات اكبر بكثير من فصائل غزة. ولا يغيب عن البال احتمال نشوب مواجهة إسرائيلية – إيرانية تفتح جبهات لبنان وغزة وسوريا دفعة واحدة، وبمئات آلاف الصواريخ. 

بناء على ما تقدم، واذا كانت جولة العنف الدائرة اليوم، تصب في صالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قد يتمكن من تعطيل تشكيل حكومة تغيير تخرجه من الحكم، فإن التحدي الإسرائيلي الأهم يكمن بعد أن نتهي الجولة الحالية،  في استخلاص الدروس، لا سيما ان قدرات الايلام متوافرة ضد غزة، ولكن الحسم غير ممكن، والأهم ان انفجار الغضب الفلسطيني في الداخل، وفي القدس،    وفي الضفة، لا يعود الى  النزاع الأخير، بل بسبب الظلم اللاحق بالفلسطينيين منذ اكثر من سبعة عقود، كان ينتظر عود ثقاب ليشعل الأرض. 

ان الحلول لن تكون عسكرية، ويستحيل أن يصنع التفوق العسكري الإسرائيلي حلولاً دائمة. قد يفرض بعد جولة تدمير وقتل كبيرة متوقعة في الأيام المقبلة تهدئة لبضعة أشهر، او لسنوات. لكن النار ستعود لتشتعل مرة جديدة ليس مع قطاع غزة، بل في كل مكان. ففي عصر طغيان وسائل التواصل الاجتماعي سيكون من الصعب جداً ان تربح إسرائيل الجولة في  الرأي العام الدولي. تبقى إشكالية لا بد من التوقف عندها: الدور الإيراني في الجولة الحالية. لكن هذا امر آخر سنتحدث عنه لاحقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى