أقلام وأراء

علي حمادة يكتب –  إسرائيل – غزّة : معركة معقدة بوجوه عدة

علي حمادة *- 17/5/2021

مر أسبوع على اشتعال المعركة بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد بدأت المعركة تشبه المعركة المفتوحة على كل الاحتمالات ومنها الحرب، لا سيما أنها معركة متعددة الوجه، وهي عملياً عدة معارك في معركة واحدة، وهي متشابكة في ما بينها البعض، مما يجعلها هذه المرة أكثر تعقيداً من المرات السابقة التي حصلت فيها معارك بين إسرائيل وقطاع غزة. فأزمة حي الشيخ جراح حيث يعتزم المستوطنون اليهود متسلحين بقرار من القضاء الإسرائيلي طرد السكان الفلسطينيين. والقضاء الإسرائيلي ينظر هنا في قضية عقارية تاريخية معقدة لا تقتصر جذورها على مرحلة السيطرة العثمانية على القدس، بل تتداخل معها مرحلة السيطرة الأردنية على القدس الشرقية، وصولاً الى مرحلة السيطرة الإسرائيلية بعد حرب 1967.

 ولكن القضية لا تقتصر أيضاً على الجانب القضائي حيث كان يتوقع أن يصدر حكم بطرد سكان الحي الفلسطينيين، بل يتجاوزها إلى القضية الأم، أي الى السلوك المنهجي الذي مارسته إسرائيل منذ احتلالها للقدس الشرقية بتغيير معالم هذا الجزء المحتل من القدس، ومحاولة طرد ما أمكن من السكان العرب، وصولاً الى تهديد أماكن العبادة، وأهمها المسجد الأقصى الذي لم تتوقف أعمال الحفر المهددة لبنيانه على مدى خمسة عقود متتالية، تحت شعار التنقيب عن “المعبد الكبير”!

 وما يزيد من تعقيد المسألة أن قضية حي الشيخ جراح، لم تكن حادثة معزولة، بل تزامنت مع التضييق على المصلين الفلسطينيين خلال شهر رمضان، لا سيما في ليلة القدر التي صادف موعدها هذا العام مع إحياء الإسرائيليين ليوم “توحيد القدس ” (أي احتلال الشطر الشرقي سنة 1967) ومحاولة مستوطنين متطرفين الزحف إلى المسجد الأقصى والاشتباك مع المصلين الفلسطينيين. كل ذلك تحت أعين الشرطة والأمن الإسرائيليين المساندين لهم كما جرت العادة على مر العقود. لكن الجديد في المعركة الدائرة اليوم هو التدخل المباشرة للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وتوجيه حركة “حماس” إنذاراً للسلطات الإسرائيلية تحت عنوان حي الشيخ جراح، والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى. وبالفعل نفذت “حماس” تهديداتها بالتدخل بإطلاق صواريخ من القطاع على مدن وبلدات إسرائيلية، وصلت الى وسط إسرائيل المكتظ بالسكان.

هنا عامل إضافي دخل إلى الأزمة، خصوصاً مع الرد الإسرائيلي الذي افسح في المجال أمام حركة “حماس” لتوجه مع الفصيل الرئيسي الآخر في قطاع غزة “الجهاد الإسلامي” ضربة صاروخية لا سابق لها نحو مدن وبلدات إسرائيلية وصلت الى تل أبيب نفسها، وتخطتها لتصل إلى حدود مدينة حيفا مشعلة ناراً سيكون من الصعب إطفاؤها من دون كلفة باهظة على أكثر من مستوى، وخصوصاً أنها قوضت في مكان ما قدرة الردع الإسرائيلية، وشكلت سابقة لناحية القدرات العسكرية التي تمكنت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة من تجميعها منذ الحرب الأخيرة عام 2014. فعندما تتمكن “حماس” والفصائل الأخرى من اطلاق ألف صاروخ متنوع في مختلف الاتجاهات خلال ليلة واحدة (حتى اليوم أطلق أكثر من 3000 صاروخ من طرازات مختلفة غطت معظم مساحة إسرائيل من الجنوب الى الشمال) معنى هذا أن ثمة معطى جديداً فوجئ الإسرائيليون به الى درجة أنهم ارتبكوا في الأيام الأولى، ولا يزالون مربكين إزاء ما يحصل، لا سيما أن هذه القدرات العسكرية التي نمت تحت أعينهم، وبالرغم من الحصار، وضعت جميع الاسرائيليين تحت ضغط كبير لناحية تبديد شعورهم بالأمان اكان على مستوى الدفاعات (القبة الحديدية)، أو لناحية التفوق الساحق للآلة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تشكل الرادع الأساسي لأي هجوم من هذا النوع نحو التجمعات السكنية الكبرى، وأهمها تل أبيب الكبرى! 

وسط هذه المعمعة لا يمكن إغفال عاملين سياسيين أساسيين دخلا على خط الازمة التي تحولت الى معركة، وتكاد تتحول الى حرب. فقد شكل قيام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإلغاء الانتخابات التشريعية بذريعة أحداث حي الشيخ جراح، ورفض إسرائيل السماح لفلسطينيي القدس الشرقية المشاركة في الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة هذا الشهر، وسيلة للهروب من هزيمة كبيرة في الانتخابات، سرعان ما عادت “حماس” فسحبت البساط من تحت قرار “أبو مازن ” بالانخراط عبر “الرشقات الصاروخية” في قضيتي حي الشيخ جراح، المسجد الأقصى. فوق هذا كله كان لا بد من تعيين دور أساسي لأزمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية الشخصية، بسبب عجزه عن تشكيل حكومة بعد فشله في تحقيق غالبية كافية في الانتخابات الرابعة للكنيست الإسرائيلية في خلال عام واحد، سحب التكليف منه لصالح زعيم حزب “هناك مستقبل” يائير لابيد ليعمل على تشكيل ما سمي “حكومة التغيير” التي لو تشكلت كانت ستنهي حياة نتنياهو السياسية. وقد أسهم نتنياهو بتصعيده في قضية حي الشيخ جراح، والمسجد الأقصى في إضافة حلقة أخرى الى حلقات تلك الازمة المركبة.

 وأدت هذه الأخيرة الى إسقاط مهمة يائير لابيد بعدما انسحب من مشروع “حكومة التغيير” زعيم حزب “يمينا” اليميني نفتالي بينيت وعاد الى صفوف الائتلاف مع الليكود. أما الطامة الكبرى فقد كانت في اشتعال الداخل الإسرائيلي مع احتجاجات “عرب الداخل” أي الفلسطينيين الذين بقوا في أراضي 1948، واعتداء متطرفين يهود عليهم، مما صب في صالح نتنياهو، ولكنه في الوقت عينه طرح قضية التمييز العنصري في إسرائيل بين اليهود والعرب، وسوء أحوال العرب مقارنة بأوضاع اليهود، وهي قضية كبيرة سيصعب تجاوزها مستقبلاً، من دون قيام إسرائيل بإصلاحات جذرية في ما يتعلق باوضاع تلك الاقلية الكبيرة التي تمثل حوالي 20 في المئة من مجموع سكان إسرائيل.

 ما تقدم يرسم صورة شديدة التعقيد. وما يزيدها تعقيداً دخول العنصر الإقليمي المتمثل بالدور الإيراني في تسليح فصائل غزة، وربما في التأثير على قرار “حماس” في توجيه الضربات الصاروخية التي غيرت المشهد برمته. وما من شك في أن الاتصال الذي جرى قبل يومين بين قائد “فيلق القدس” إسماعيل قآني ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية المقيم في قطر، ثم إعلان “حماس” عن امتلاكها لصاروخ جديد بعيد المدى باسم “القاسم” تيمناً بقائد “فيلق القدس” السابق الذي قتل مطلع العام الماضي بغارة أميركية قرب مطار بغداد، يثيران تساؤلات حول دور إيران في مرحلة التفاوض على الاتفاق النووي في فيينا! 

 كل هذا وقد قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر مواصلة العملية العسكرية ضد غزة. في الوقت الذي تبدو الولايات المتحدة التي أوفدت هادي عمرو مبعوثاً رئاسياً الى المنطقة بلا سياسة شرق أوسطية، وبعيدة عن الصورة لغاية اليوم. وتستمر المعركة بكل تعقيداتها، ووجوهها من دون استبعاد إحتمالات الانزلاق نحو معركة أكبر  وأوسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى