أقلام وأراء

علي حمادة يكتب – أقل من شهر على تسلّم بايدن : تخبّط في الشّرق الأوسط

علي حمادة   *- 19/2/2021

منذ أن تسلم الرئيس جو بايدن سلطاته الرئاسية في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) الفائت، لم تقلع ماكينة السياسة الخارجية الأميركية كما يجب، لا سيما السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، إذ يبدو يوماً بعد يوم أن الإدارة الأميركية الجديدة تتخبط في خطواتها، وتظهر أكثر بمظهر الإدارة المرتبكة في خياراتها، فضلاً عن أنها من خلال مقاربتها الملف الإيراني في أقل من شهر، لم تعكس ثقة بالنفس، ولا شعوراً بالأمن في المنطقة، ولا حتى عكس الرئيس بايدن صورة رئيس أقوى دولة في العالم.

لقد بدا في الأسابيع الماضية أن وصول بايدن أراح القيادة الإيرانية في شقيها، المحافظ والإصلاحي، كل لأهدافه الخاصة، فالمحافظون يرون أن الفرصة صارت سانحة لكي تبدأ إيران التشدد مرة جديدة على الأرض في مواجهة التراخي الأميركي بعد الرئيس دونالد ترامب. كما أنهم يرفعون سقف الشروط للعودة الى الاتفاق النووي بلا أي تعديل، من قبيل اشتراط رفع فوري للعقوبات الأميركية عن إيران، وفترة انتظار للتأكد من أن العقوبات رفعت، وأن أميركا وأوروبا تنفذان مضامين الاتفاق لجهة رفع العقوبات، وإلغاء الضغوط الاقتصادية والمالية كاملة.

ويستغل المحافظون مرحلة التخبط الأميركي لاختبار بايدن على الأرض في الشرق الأوسط من خلال تصعيد متزامن للاستفزازات الإيرانية الإمرة في العراق وسوريا واليمن، فضلاً عن مواصلة استغلال الفترة الانتقالية الأميركية الراهنة لتحقيق اختراق في البرنامج السري النووي، من خلال رفع منسوب تخصيب اليورانيوم، والانسحاب من بروتوكول التفتيش المباغت على المنشآت النووية، والحد من عدد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية.

وبالتزامن مع ذلك، يكثّف الإيرانيون من عمليات تهريب مكوّنات الصواريخ البالستية الدقيقة عبر الحدود العراقية السورية، في اتجاه لبنان (“حزب الله”)، والجنوب السوري المحاذي لخطوط التماس مع الإسرائيليين، إضافة الى تكثيف الاستهداف اليومي للممكلة العربية السعودية من اليمن بواسطة المسيّرات المفخخة الموجهة نحو المدن المطارات والمنشآت الاقتصادية الاستراتيجية. كل هذا في الوقت الذي يقرأ المحافظون في قرار الرئيس الأميركي المتسرع في رفع قيادات الحوثيين عن قوائم الإرهاب، كمقدمة للعودة الى سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما الحاضر بقوة في الإدارة الجديدة من خلال عشرات الموظفين الجدد الذين جاؤوا مع بايدن.

بالنسبة الى الإصلاحيين، فإنهم يرون أن مجيء بايدن الى الرئاسة، ومعه مجموعة أصدقاء وزير الخارجية محمد جواد ظريف من عهد إدارة أوباما، ومعهم شحصيات كبيرة من اللوبي الإيراني المتسلل الى قلب الكونغرس الأميركي، سيفتح عاجلاً أم آجلاً طريق العودة الى الاتفاق النووي والى رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن إيران، ما يساعدهم على ترسيخ وجودهم في تركيبة الحكم، من دون أن يغير ذلك في البعد الاستراتيجي لأهداف النظام الذي كان ولا يزال يسعى الى السلاح النووي، ولو بعد حين. لكن نقطة ضعف الإصلاحيين الذين يختلفون عن المحافظين بالأسلوب، لا بالمضمون، هي أن الانتخابات المتشابكة التي ستجرى في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ستخاض على أكثر من صعيد: الرئاسية، البرلمانية الفرعية، البلدية، ولمجلس الخبراء، قد تطيحهم لمصلحة المحافظين الذين قد يكونون اتخذوا قرار المضي بقوة وسرعة نحو  امتلاك القنبلة النووية خلال أشهر، بما يتيح لإيران الجلوس لاحقاً الى طاولة مفاوضات لصوغ اتفاق على أساس أن إيران صارت دولة نووية، وبات اتفاق 2015 لاغياً، والحاجة الدولية الى التفاهم مع إيران نووية حول مسألة العقوبات تغيّر تماماً من المعطى الراهن المطروح على الطاولة.

في مطلق الأحوال، يبدو أن ضعف الإدارة الراهنة وتخبطها في مقاربتها سياستها في الشرق الأوسط يشجعان الإيرانيين على مواصلة سياستهم التوسعية من دون ضوابط، ويزيدانهم تصميماً على التمسك بكل المكتسبات السابقة في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن. كل ذلك مع تهاوي هيبة الولايات المتحدة التي تتعرض بعض مصالحها ومواقعها في العراق لاستفزازات متكررة من الميليشيات الشيعية التابعة لـ”الحرس الثوري”، مكتفية باستخدام ورقة الدبلوماسية التي تستخف بها طهران، فيما دلت تجربة ترامب على أن استخدام القوة مع الإيرانيين أو التلويح الجدي بها، شكلا بالتعاون مع الإسرائيليين والحلفاء العرب أداة ردع فاعلة.

خلاصة القول أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لا يسعهم سوى أن يروا في سلوك إدارة بايدن في الأسابيع الأولى ضعفاً وتخبطاً كبيرين. اللهم إلا إذا صحت التقديرات في أن الجالس في “المكتب البيضاوي” ليس بايدن، بل أوباما!  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى