أقلام وأراء

علي حمادة: هل يحقّق بوتين إنجازاً كبيراً مع اقتراب عام على بدء الحرب؟

علي حمادة 15-2-2023: هل يحقّق بوتين إنجازاً كبيراً مع اقتراب عام على بدء الحرب؟

هل ينجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق انجاز عسكري كبير لمناسبة انقضاء العام الأول للحرب الروسية على أوكرانيا؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرحه المراقبون لمسار الحرب في أوكرانيا وعملياتها العسكرية. لماذا السؤال مهم الآن؟

ببساطة لأن روسيا التي شنت حربها على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر شباط-فبراير 2022، أي قبل سنة ناقصاً تسعة أيام، لم تحقق الكثير من الإنجازات سوى أنها نجحت في تدمير جانب كبير من البنى التحتية للدولة الأوكرانية، لكن بكلفة كبيرة جداً على الجيش الروسي وهو المصنف ثاني أقوى جيوش العالم، إذ تكبد خسائر فاقت كل التوقعات الغربية مع مقتل ما يزيد على مئة ألف جندي وتدمير آلاف الدبابات والعربات المصفحة، ومعها عشرات الطائرات من كل الطرازات. كل ذلك من دون أن يحقق تقدماً استراتيجياً “يليق” بسمعته وبموقعه المعنوي بين الجيوش الكبرى في العالم.

فالواقع أن خطة إسقاط العاصمة كييف ثم ثاني المدن الأوكرانية من حيث الحجم خاركيف فشلت فشلاً ذريعاً، وتبعتها هزائم عدة في شمال شرقي أوكرانيا ووسطها في منطقة الدونباس وفي الجنوب مع تحرير الأوكران مدينة رئيسية في الصيف الماضي هي خيرسون. ولعل أهم الإخفاقات الروسية خلال عام من الحرب أن موسكو فشلت في منع قيام توازن بينها وبين أوكرانيا على المستوى العسكري، حيث تدور مواجهات على جميع الجبهات من دون أن يحقق الجيش النظامي ومعه مرتزقة “فاغنر” إنجازات مهمة.

إذاً، التوازن قائم رغم كل التدمير الذي يلحقه الروس بمدن أوكرانيا وقراها، وارتفاع الفاتورة على مستوى الخسائر البشرية الهائلة بين المدنيين الأوكرانيين. لكن أهمية طرح السؤال المتعلق بـ”نافذة” العام الأول للحرب عسكرياً تكمن في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحتاج أكثر ما يحتاج إلى تحقيق إنجاز كبير يتصادف تماماً مع تاريخ شنه الحرب على أوكرانيا، أي في الفترة الممتدة من اليوم ولغاية نهاية الأسبوع المقبل. ومن هنا ربما إشارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ، يوم الاثنين الماضي، إلى أن تكثيف هجمات القوات الروسية المنسقة على جبهة باخموت ومحيطها معناه أن “الهجوم الروسي الكبير” المنتظر قد بدأ بالفعل بعد عام تقريباً من بدء الغزو. وكان ستولتنبرغ يتحدث في مؤتمر صحافي قبيل اجتماعات “مجموعة دعم أوكرانيا” التي تقودها الولايات المتحدة، فضلاً عن اجتماعات وزراء دفاع دول “الناتو”. ومهم جداً أن يكون ستولتنبرغ في هذه المناسبة قد أعاد تحريك ملف تزويد الدول الداعمة لكييف طائرات مقاتلة، معتبراً أن ذلك لا يعني أن دول الحلف طرف في الصراع، بل إنها تدعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها.

بهذا المعنى صار موضوع الخطوط الحمر التي تساقطت الواحد تلو الآخر منذ عام إلى الآن أكثر مطاطية على صعيد دول الغرب التي ترى يوماً بعد يوم أن الحل الوحيد المتاح لإنهاء الحرب هو منع روسيا من الانتصار لا الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتذهب بعض الدول الأكثر تصلباً حيال روسيا مثل جمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا والدول الإسكندينافية الثلاث إلى اعتبار أن إنهاء الحرب يمر إما بوقف موسكو الحرب والانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة إلى خلف الحدود الدولية المعترف بها، أو بهزيمة موسكو على الأرض في أوكرانيا. هذه الدول هي الأكثر معرفة وخبرة بالعقل الروسي (السوفياتي سابقاً) وتدرك أنه عقل لا يعمل إلا وفق موازين القوى لا وفق القواعد القانونية أو السياسية في حل النزاعات. لكن هذه الدول مختلفة عن مجموعة دول غرب أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا التي لا تزال، رغم أهوال الحرب التي شنتها روسيا، مترددة في ما يتعلق بتصليب مواقفها أكثر. مع أن لب الموضوع يقوم على معادلة تقول إن الدفاع عن أوكرانيا هو عملياً دفاع عن أوروبا نفسها، لأنها معركة وجودية بالنسبة إلى أوروبا الغربية وقيمها ونمط عيشها. من هنا فإن الحرب ستطول وتصبح أكثر دموية مع مرور الوقت.

إذاً، تقترب مناسبة مرور عام على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا والرئيس الروسي يحتاج إلى إنجاز يبيعه للرأي العام الروسي. والإنجاز يجب أن يكون على الأرض ومصحوباً بحملات دعائية كبيرة وواسعة في الداخل الروسي. فهل يكون بوتين نهاية الأسبوع المقبل على موعد مع نصر وإن رمزياً على جبهه الدونباس التي صنفها أرضاً روسية؟

لغاية الآن من الصعب التكهن بمآل المعركة على الأرض، وما إذا كانت موسكو ستكمل بسرعة حشد مئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين جرى استدعاؤهم قبل أشهر، ثم مواصلة الحرب مهما كانت الكلفة البشرية التي سيدفعها الجيش الروسي على الأرض. ما من شك في أن الرئيس الروسي يولي التواريخ والمناسبات ذات الرمزية أهمية كبرى، لذلك نرجح أن تشهد الأيام العشرة المقبلة حوادث كبيرة على أرض المعركة في أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى