أقلام وأراء

علي حمادة: شوط أخير في فيينا والشيطان في التفاصيل!

علي حمادة 10-08-2022 

بعد ظهر يوم الاثنين الماضي أعلن المفاوضون الأوروبيون أن جولة المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا انتهت، وأنه جرى وضع النص النهائي وتعميمه على الوفود المفاوضة. مسؤول أوروبي رفيع قال في نهاية النهار: “انتهت المفاوضات وهذا هو النص النهائي، ولن يعاد التفاوض عليه”. كان هذا مؤشراً الى أن التفاوض وصل الى مراحل نهائية، وأن التقدم الذي أشير اليه قبلاً كان واقعياً بدليل أن جميع المندوبين، وفي مقدمهم المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، تحدثوا طوال يوم الأحد الذي سبق عن أن المفاوضات “تسير في الاتجاه الصحيح” وأن النص النهائي ليس أوروبياً فحسب، بل إن الأوروبيين يقومون بتنسيق الأفكار التي يقدمها كل الأطراف.

على المستوى الأميركي كان موقف لمتحدث باسم وزارة الخارجية يشير الى “أن النص الأوروبي هو السبيل الوحيد لإحياء الاتفاق النووي مع إيران”. لكن الإيرانيين كانوا أقل اندفاعاً في الاتجاه المتفائل، ربما لأن المندوبين ما كانوا مفوضين البت بموضوع الخطة الأوروبية التي احتاجت الى أربعة أيام من التفاوض التقني المضني من أجل وضعها بصيغة النص النهائي غير القابل للتفاوض.

من هنا كان لافتاً موقف مسؤول في الخارجية الإيرانية من أنه “لم يتم الوصول الى مرحلة يمكن الحديث فيها عن الانتهاء من نص الاتفاق النووي”. وهذا مؤشر الى أن الإيرانيين لا يزالون في طور الأخذ والرد، فيما الأميركيون والأوروبيون يقولون إن التفاوض انتهى. لكن الموقف الروسي ملتبس الى حد بعيد. فالمندوب الروسي الذي يعتبر أن النص النهائي ليس أوروبياً، وأن المفاوضات هي في الطريق الصحيح، يترك المجال واسعاً أمام مناورة إيرانية جديدة، من أجل التسلل الى تفاصيل خلافية مفتعلة لتأجيل التوقيع على الاتفاق. ربما يتلاقى هذا الأمر في مكان ما مع الشكوك الكبيرة التي تثار حول موقف موسكو، حيث ثمة جهات غربية، وحتى إيرانية (كلام سابق مسجل لوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف اتهم فيه موسكو بمحاولة عرقلة مفاوضات 2015) تعتبر أن الموقف الروسي الضمني يهدف الى عرقلة المفاوضات، تارة كما حصل قبل ثلاثة أشهر عندما طالبت موسكو بضمانات واستثناءات على مبادلاتها التجارية مع طهران، وطوراً من خلال دعم مطالب إيرانية تتعلق برفع “الحرس الثوري” عن لوائح الإرهاب، أو دفع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لصرف النظر عن المواقع المشبوهة التي لم تقدم إيران توضيحات فنية واقعية بشأن العثور في ثلاث منها على آثار لمواد نووية لم تصرح أنها شهدت أنشطة نووية. هذه عينة من التفاصيل، على الرغم من أن المعلومات تشير في معظمها الى أن إيران تنازلت عن مطالبها برفع “الحرس الثوري” عن لوائح الإرهاب والعقوبات الأميركية.

مع ذلك فإن الشيطان لا يزال يسكن في التفاصيل. ومن يراقب التقاطع الروسي الإيراني في مكان ما، قد يرى أن طهران التي بدأت توسع دائرة اختراقاتها للعقوبات الأميركية على قطاع النفط ، وقد رفعت من نسبة صادراتها النفطية الى مستويات ما قبل انسحاب أميركا من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، قد لا تهتم كثيراً بالعودة السريعة الى الاتفاق، وهي قادرة على الصمود اقتصادياً الى حين بلوغها مرحلة انتاج القنبلة النووية الأولى التي ستغير وجه إيران، والمنطقة والعالم، فتفرض معادلة جديدة مختلفة عما سبق. وإذا كان الهدف الأسمى لدى القيادة الإيرانية هو أن تصبح إيران دولة نووية تمتلك القنبلة، فمعنى هذا أن احتمالات العودة الى الاتفاق ليست كبيرة.

أما روسيا فلديها مصلحة أكيدة بعدم إحياء الاتفاق النووي وفي بقاء إيران في دائرة العقوبات الأميركية، ما يخدم أجندتها، ويبقي طهران أسيرة علاقات الضرورة مع موسكو. وتخشى الأخيرة من أنه في حال التوصل الى اتفاق، ورفع العقوبات عن القطاع النفطي، إما تجارياً أو استثمارياً، فإن موقع روسيا في الأسواق النفطية يصبح أضعف، لا سيما في ظل الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على قطاع النفط الروسي.

بناء على تقدم لن نتفاجأ اذا ما سمعنا في الأيام القليلة المقبلة مواقف من طهران وموسكو تدعو الى مزيد من التفاوض حول نص يقول الغربيون إنه صار نهائياً و”لن يعاد التفاوض عليه”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى