أقلام وأراء

علي حمادة: حرب السّودان ستنتهي بولادة أقاليم متناحرة

علي حمادة 4-09-2023

عندما خرج رئيس المجلس السيادي السوداني وقائد الجيش النّظامي الجنرال عبد الفتاح البرهان قبل أسبوع من العاصمة الخرطوم متوجهاً إلى مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، ومنها إلى القاهرة ليلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان المنتظر منه أن يحمل معه تصوراً لمسار آخر مختلف عما سبق أن طرحه منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان (أبريل) الماضي. بمعنى آخر، كان المنتظر أن يكون قد بلور حلاً لوقف الحرب لا يستند إلى إعلان متابعتها بهدف الحسم.

في طريقه إلى القاهرة رفع السقوف بين جنوده، ثم عاد وخفضها في القاهرة حيث تحدث للمرة الأولى عن حلول سياسية. لكن الطرح السياسي بقي مجرد عناوين عامة، ثم عاد عند عودته إلى بورتسوادن للتصعيد حيث أعلن: “لا اتفاق مع الخونة والمرتزقة” رداً على مسارعة غريمه قائد “قوات الدعم السريع” الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يوم خروج الأول من الخرطوم، إلى تقديم طرح سياسي قام على نقطتين: الأولى طرح الفيدرالية، والثانية إعادة بناء جيش سوداني جديد. وبالطبع ظلت لازمة تسليم السلطة إلى المدنيين جزءاً من خطاب الرجلين الرسمي من دون أن تظهر عليهما علامات الاستعجال لوضع هذا الشعار الفضفاض موضع تنفيذ. 

في الأثناء، تفاقمت المعارك في العاصمة وعدد من المناطق الأخرى، حيث تداخلت حرب الجنرالين مع حروب قبلية إثنية، وإجرامية جهوية. كل ذلك على حساب الدولة السودانية التي تتحلل يوماً بعد يوم، إلى حد دفع البرهان خلال الأسبوع الماضي إلى التحذير من تفكك السودان. ولعل استمرار الحرب يعود إلى جملة عوامل أهمها عجز كل من الطرفين عن الحسم، ثم بدء تدخل الأطراف الإقليمية والدولية في الصراع بأشكال عدة، ما يشي بأن الحرب التي لم تتوقف جرت تغذيتها بشكل أو بآخر بالمال والعتاد والذخيرة. ومنطقي أن يرتفع منسوب التدخلات الخارجية متى تحللت مؤسسات الدولة وزادت الفوضى، وتلاشى إمكان وقف إطلاق النار. من هنا ظل طرح “حميدتي” حبراً على ورق. لكن النقطتين الرئيسيتين المتعلقتين بالفيدرالية وإنشاء جيش جديد ستظلان على الطاولة لأمد طويل في بلد متنوع ومركب ويواجه أزمة حكم العسكر الدائمة ونمو صراع الهويات المتنوعة في جميع أرجائه. 

لكن لا بد هنا من القول إن عجز الطرفين عن الحسم، يجب من الناحية المنطقية أن يدفعهما إلى طلب الحوار والتفاوض، لولا أن الحسابات الإقليمية والدولية تسللت إلى الأزمة، إلى حد أن “منصة جدة” لم تفلح، من بين منصات أخرى، في تأمين هدن قصيرة. والأخطر أن الحدود السودانية مع دول الجوار ستكون تحت الخطر الشديد، نظراً إلى تراجع سلطة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والإدارية، ما سيزيد من “شهية” دول الجوار الأقرب.

في هذه الأثناء، وفيما يُشاع أن الجنرال البرهان يهيئ لجولة خارجية تعقب زيارة مصر، تُطرح تساؤلات عن صحة “حميدتي”. لكن خروج الأول من الخرطوم بغرض القيام بجولة خارجية مفهوم، بيد أنه يستدرج سؤالاً: هل سيعود إليها؟ وإذا لم يعد إليها واختار أن يتحصن في مدينة بورتسودان، فكيف سيكون أداء الجيش على الأرض؟ هذا سؤال مشروع وسط مشاهدات تفيد بأن الجيش بقي باستمرار في وضعية الدفاع، فيما “قوات الدعم السريع” في وضع الهجوم والمبادرة. 

ختاماً نقول إنه كان من المهم بمكان أن يختار الطرفان مساراً آخر، لأنه باستمرار الحرب يكون الجميع قد خسروا السودان الذي نعرف. والخشية أن تنتهي الحرب بموت السودان المبتور أساساً، بولادة  أربعة إقاليم متناحرة مستتبعة للخارج!

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى