أقلام وأراء

علي حمادة: بريطانيا: بوريس جونسون العائد هل ينقذ حزب المحافظين من الكارثة؟

علي حمادة 21-10-2022 :حزب المحافظين 

بعد أقل من خمسة وأربعين يوماً من وصولها إلى سدة رئاسة الحكومة البريطانية، استسلمت رئيسة الوزراء ليز تراس أمام تراكم الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والحزبية (حزب المحافظين)، وأعلنت استقالتها من منصبها لكي تفتح على الفور أبواب العودة إلى “10دوانينغ ستريت” (مقر رئاسة الوزراء) أمام رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الذي اضطر إلى الاستقالة في منتصف الصيف الماضي، نتيجة الضغوط التي تعرض لها من الرأي العام البريطاني على خلفية سلوكياته وسلوكيات عدد من وزرائه والمحيطين به، خلال أزمة جائحة كورونا التي ضربت بريطانيا عامي 2020 و2021.
والحقيقة أن جونسون الذي كان طوال فترة توليه منصبه شخصية مثيرة للجدل، برز كرجل سياسة مستعد للقتال وتحمل ضغوط الحملات الواسعة النطاق التي تعرض لها طوال مرحلة حكمه التي انتهت مع تخلي معظم وزرائه عنه بالاستقالة من الحكومة، فضلاً عن تخلي غالبية أعضاء حزب المحافظين في مجلس العموم عن دعمه، ما أدى إلى انهيار حكومته بفعل توالي الاستقالات التي أتت في أعقاب اشتعال الحملات ضده وضد عدد من المقربين منه الذين ارتبطت أسماؤهم بفضائح شخصية. وقد نال رئيس الوزراء السابق نصيبه من الانتقادات العنيفة التي تسبب بها فتحه أبواب مقر رئاسة الوزراء، خلال مرحلة الحجر الصحي إبان جائحة كورونا، أمام العديد من معاونيه الذين نظموا حفلات وسهرات، في وقت كان ملايين البريطانيين محتجزين في منازلهم، ومعهم مئات آلاف المتاجر والمؤسسات التي اضطرت إلى الإقفال تنفيذاً لتعليمات الحكومة التي كان يرأسها آنذاك بوريس جونسون، وفي وقت مات آلاف البريطانيين جراء الجائحة. 
تعرض جونسون لحملات من داخل حزبه ومن خارجه، وانتقد بسبب شخصيته الفاقعة المثيرة للجدل، رغم أن المجتمع البريطاني يعتبر من الأكثر انفتاحاً في أوروبا وتقبلاً لهذا النوع من الشخصيات. ومع ذلك حاول جونسون طوال عام 2021 أن يقاوم هذه الحملات والانتقادات الحادة، مستنداً إلى زخم انتصاره في الانتخابات التشريعية البريطانية سنة 2019، إثر أزمة “بريكست” التي أضعفت حكومات حزب المحافظين. لكن تخلي الحزب عن جونسون أفقده هوامش الحركة وانقلب عليه معظم حلفائه، فاضطر إلى الاستقالة في الثامن من تموز (يوليو) الماضي، ليفتح باب التنافس على زعامة حزب المحافظين الذي بدوره يمثل المعبر لتبوّء منصب رئيس الوزراء بفعل استحواذ الحزب على الأكثرية في مجلس العموم البريطاني.
بعد أقل من شهرين على استقالة جونسون من منصبه، فازت وزيرة الخارجية في حكومته ليز تراس بزعامة الحزب، وبالتالي بمنصب رئاسة الوزراء في السادس من أيلول ( سبتمبر) الفائت، في وقت تعرضت بريطانيا كسائر الدول الأوروبية إلى أزمة أسعار الطاقة وزيادة كلفة المعيشة وارتفاع الفوائد على العملة.
وكانت تراس قد بدأت سريعاً في الانحدار مع تفاقم أزمة “الموازنة المصغرة” التي أعلنتها في نهاية شهر أيلول الفائت، عبر وزير المالية آنذاك كوازي كوارتنغ التي قامت على مبدأ خفض كبير للضرائب، لا سيما للشركات الكبيرة ودعم واسع لفواتير الكهرباء المنزلية، ما أدى إلى انفلات الأسواق المالية انفلاتاً جنونياً، ومعه انخفاض سعر الجنيه إلى أدنى مستوياته التاريخية، مترافقاً مع ارتفاع مستوى الإنفاق والاقتراض الحكومي. ولم تستقر الأسواق المالية في لندن إلا بعد تدخل بنك إنكلترا لتهدئتها، لتعود تراس عن خطتها الاقتصادية بالتزامن مع طلبها من وزير ماليتها أن يقدم استقالته لطمأنة الأسواق.
هكذا خسرت ليز تراس جولتها الأولى والأهم والأخطر، وبدت منذ تراجعها عن خطتها أكثر هشاشة في منصبها، لكي تتوالى منذ يوم الأربعاء الماضي استقالات حكومية من صفوفها، فضلاً عن قيام عشرات من أعضاء حزبها في مجلس العموم بمطالبتها بالاستقالة. ومن المعلوم أن هذا الطلب أتى أساساً لتدارك انهيار الحزب في الانتخابات المقبلة المقررة لعام 2024. والأهم أن غالبية من قادة حزب المحافظين باتوا على قناعة بأن ليز تراس لن تكون قادرة على قيادة المحافظين لخوض انتخابات 2024. 
الآن، وبصرف النظر عن التفاصيل المملة للأزمة التي أدت إلى انهيار رئيسة الوزراء المستقيلة، لا بد من انتظار خطوة سريعة سيقوم بها بوريس جونسون لخوض المنافسة لتولي زعامة الحزب، وبالتالي تبوّء منصب رئيس الوزراء مجدداً. لا شك في أن جونسون سيعلن بسرعة نيته خوض المنافسة، وتوقعاتنا أن يفوز لأن حالة الحزب المزرية بعد مشاهد الفوضى البرلمانية في حزب المحافظين في “وستمينستر” (مقر مجلسي العموم واللوردات) التي حصلت ليل الأربعاء حملت الجميع على الاعتقاد أن ليز تراس انتهت، وأن حزب المحافظين يحتاج، شاء أم أبى، إلى شخصية بوريس جونسون رغم كل الجدل والإثارة اللذين يتسبب بهما، ليقود الحزب أولاً في موقع رئاسة الوزراء، وثانياً في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد عامين. 
نحن إذاً أمام مرحلة جديدة: تخرج ليز تراس من “10 داونينغ ستريت” ليعود إليه بوريس جونسون وكأنه لم يغادره يوماً. لكن أمام جونسون العائد تحديات قد لا ينجح في التصدي لها، رغم أنه بات أمل حزب المحافظين الأخير لتجنب كارثة انتخابية بعد عامين، إن لم يكن قبل ذلك عبر انتخابات مبكرة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى