أقلام وأراء

علي حمادة: الصين بدايات مضطربة لولاية شي جينبينغ الثالثة؟

علي حمادة 28-11-202: الصين بدايات مضطربة لولاية شي جينبينغ الثالثة؟

غزت في الأيام القليلة الأخيرة مشاهد الاحتجاجات المتنقلة في المدن الصينية ضد سياسة “صفر-كوفيد” التي تطبقها السلطات منذ أكثر من عامين، وأهم معالمها الإغلاقات الطويلة والقاسية لعشرات المدن في مختلف أنحاء البلاد ومن بينها مدن كبرى مثل شنغهاي التي تضم أكثر من خمسة وعشرين مليون نسمة. وتشكل موجة الاحتجاجات المشار اليها سابقة في الصين منذ تظاهرات ساحة تيان أن مين التي سحقها الجيش الصيني يوم الخامس من حزيران (يونيو) 1989. فللمرة الأولى تتحرك جموع مواطنين صينيين من دون أي رابط يجمع بينهم في أكثر من مدينة تعرضت لإغلاقات قاسية من السلطات في إطار تطبيق سياسية “صفر-كوفيد” التي تعتبر من أسس سلطة الرجل القوي في الصين شي جينبينغ. وجددت ولاية الأخير أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني في سابقة تاريخية منذ عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونغ للمرة الثالثة على التوالي خلال المؤتمر العشرين للحزب الذي انعقد في السادس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومعلوم أن سياسة شي جينبينغ لمكافحة وباء كورونا تحت شعار “صفر-كوفيد” شكلت أحد ركائز حكمه وسلطته التي تعززت بقوة في المؤتمر.

إنها سابقة في الصين أن يخرج مواطنون غير مسيّسين في المبدأ، لدواعٍ تتعلق بنتائج سياسية مكافحة الوباء انطلاقاً من إغلاق عشرات المدن، واحتجاز عشرات الملايين من المواطنين في منازلهم لفترات طويلة، واجهوا خلالها مصاعب جمة أهمها على مستوى العمل، والأهم على مستوى التغذية. وقد لفت انتباه المراقبين ان يشاهدوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي كيف نفذت قرارات الإغلاق، وكيف جرت مراقبة حركة ملايين المواطنين والتزامهم عبر عشرات آلاف الكاميرات المراقبة، وصولاً الى استخدام الطائرات المسيّرة للتحليق الدائم في الأحياء وبين المنازل. وقد كان طول مدة الإغلاقات أهم العناصر التي راكمت مشاعر الغضب بين المواطنين الذين لم تترك لهم القدرة على الاعتراض. بالطبع كانت للسلطات مبرراتها من الناحية الصحية اعتبرت فيها أن تفشي وباء كورونا في المدن الكبرى لا بد أن يصيب عشرات ملايين المواطنين، ويشكل ضغطاً هائلاً على المستشفيات متسبباً بانهيار القطاع الصحي، ووفاة ملايين الناس لا سيما في الفئات العمرية المتقدمة. وقد رأت السلطات أن الإغلاقات القاسية هي أقل خطورة من تفشي الوباء في مختلف أنحاء البلاد. من هنا بدا أن الإشاعات التي سرت في الأيام القليلة الماضية من أن السلطات الصينية تفكر بتخفيف الإجراءات لم تكن دقيقة، لا سيما في ضوء ارتفاع نسبة الإصابات التي تخطت حسب الأرقام الرسمية (التي تحتاج الى تدقيق أكبر) ثمانين الفاً، وهي في ارتفاع متواصل. من هنا قرار التمسك بسياسة الإغلاقات التي شملت مدناً كبرى وأخرى متوسطة من شنغهاي الى غواندونغ فالعاصمة بيجينغ وغيرها وغيرها.

ما تقدم يشير الى المعطى الحياتي في قضية الاحتجاجات على الإغلاقات. لكن ماذا عن المعطى السياسي؟ نعم ككل أزمة متنامية تدخل السياسة وتصبح جزءاً لا يتجزأ منها. ففي سابقة لم تحصل من قبل، وإثر نشوب حريق كبير في مبنى سكني في عاصمة مقاطعة شيسيانغ شرق البلاد تسبب بمقتل عشرة اشخاص حوصروا داخل المبنى بعد أن أغلقت السلطات المحلية المبنى لمنعهم من الخروج تنفيذاً لقرار الإغلاق الشامل، خرج عشرات المواطنين الى الشارع غاضبين ومرددين شعارات منتقدة لسياسة الإغلاقات، لكن ما لفت الأنظار كان خروج رجل من بينهم مردداً أمام رجال الأمن وكاميرات هواتف الجمهور شعار “اعطوني حريتي أو اقتلوني”! وسرعان ما تحول خلال دقائق الى موجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لما حمله من دلالات سياسية بدأت تظهر على سطح الاجتجاجات المرتبطة بسياسة “صفر -كوفيد” وخصوصاً أنها التصقت بالرئيس الصيني شي جينبينغ شخصياً. وبالرغم من مسارعة رجال الأمن الى اعتقال الرجل الذي لم تعرف هويته لغاية الآن، فإن الشعار الذي أطلقه أمام كاميرات الهواتف الجوالة غزا الفضاء الإلكتروني، وقد يكون شكل من حيث لا يدري بداية حراك بمطالب سياسية تتجاوز السياسة الصحية للسلطات الصينية، وأهمها مطلب الحرية!

من هنا لم يكن غريباً أن تبدأ مشاهد فيديو لتظاهرات تحمل مطالب سياسية في عدة نواحٍ من الصين في الانتشار مثل تظاهرة طلاب من جامعة تسينغهوا في العاصمة بيجينغ التي ترددت فيها شعارات مطالبة بـ” لديموقراطية وحكم القانون وحرية التعبير”. إنها مشاهد غير مسبوقة بحجمها وتنقلها من منطقة الى أخرى وإن لم تكن بالحجم الذي يمكن أن يؤرق السلطات حتى الآن. فنسبة المحتجين الى عدد السكان ضئيلة الى أبعد الحدود. لكن تاريخ الحركات المطلبية السياسية يؤكد أنها تبدأ صغيرة ثم تكبر ويمكن أن تكون النقطة التي تفيض بها الكأس. على الرغم من ذلك فإن ما يحصل وهو محدود حتى الآن، ليس بالحدث العادي في بلد شبه مغلق بكافة المعايير من حرية التعبير الى السياسة، فالتواصل والاتصالات وحتى المحاسبة الشفافة عبر القضاء. ولا يغيب عن البال أن الصين تواجه منذ بضع سنوات تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي، وأزمة كبيرة في قطاع البناء والإنشاءات، وضغوطاً على مصارفها. كل هذه عوامل يمكن أن تزيد من حراجة موقف رجل الصين القوي الذي يشهد بداية مضطربة لولايته الثالثة. لكنه وفي ضوء موازين القوى يبقى والنظام أقوى من أي مزاج معارض راهن حتى الآن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى