أقلام وأراء

علي حمادة: ​السّودان: دخل عامل الصّراع الإقليمي فاحتدمت الحرب​

علي حمادة 16-6-2023: ​السّودان: دخل عامل الصّراع الإقليمي فاحتدمت الحرب​

لغاية اليوم فشلت جميع المحاولات الإقليمية والدولية في تثبيت هدنة طويلة، واستدراج طرفي الصراع في السودان الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى طاولة تفاوض بهدف إيقاف الحرب التي اشتعلت في 15 نيسان (أبريل) الفائت، ولا تزال مستعرة، وتتمدد نارها إلى مناطق خارج العاصمة حيث تصعب جداً مراقبة الوضع، والاطلاع على ما يجري من قتال، وأعمال قتل، ونهب، وحرق، وتهجير. ففي المرحلة الأخيرة يمكن القول إن الوضع في ولاية دارفور غربي السودان بات خطيراً جداً، لأن القتال بدأ يأخذ طابع القتل الجماعي الذي لا يميّز بين مسلح ومدني أعزل. فجميع وكالات الأنباء الموجودة على الأرض في دارفور تتقاطع عند وصف أن ما يحصل في مدينة الجنينة على الحدود مع التشاد بـ”الجحيم” حقيقي، لا سيما أن القتال يتمدد إلى مدن أخرى في الولاية التي لا تزال تحمل بصمات المجازر التي حصلت قبل عقدين وأدت إلى مقتل 300 ألف شخص على الأقل.

واللافت هنا أن جميع المحاولات التي جرت على مستوى اجتماعات جدة السعودية – الأميركية مع طرفي النزاع لم تفلح منذ “إعلان جدة” الذي صدر في 12 أيار (مايو) الماضي في إتمام هدنة واحدة ثابتة، لا بل إن الهدن القليلة التي جرى احترامها جزئياً كانت مناسبة للطرفين لتحسين وضعهما العسكري، لكي تعود وتستأنف الحرب بأشد مما سبق. لقد فشلت الهدن أيضاً قبل “إعلان جدة”، وذلك منذ الأيام الأولى للحرب. وحدها عمليات إجلاء الرعايا الأجانب والضغط الدولي المباشر، وانتشار الأساطيل والطائرات في قواعد في الجوار أدت إلى احترام الطرفين هدن أعلنت لتسهيل إخراج الرعايا. من هنا يمكن إرجاع أسباب عدم احترام الطرفين الهدن إلى قرارهما بمواصلة القتال حتى تحقيق نتائج على الأرض تضعف الخصم، أو تهزمه في منطقة من المناطق. لكن مسار الحرب على الأرض حتى الآن يشي بأن ثمة توازناً بين الطرفين على الأرض، لا سيما أن المواجهة في العاصمة الخرطوم مستمرة، ولم تتغير خريطة انتشار الطرفين إلا تغيراً طفيفاً.

كل المحاولات التي جرت لجمع البرهان و”حمديتي” فشلت. وازداد الطرفان تصلباً في التعامل مع المبادرات السلمية الخارجية، أكان عبر منصة جدة، أو عبر منصتي “منظمة الوحدة الأفريقية” و”منظمة الإيغاد”، وصولاً إلى قرار الحكومة التي يتحكم بها الجنرال عبد الفتاح البرهان وقف التعامل مع ممثل الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس لاتهامه بالانحياز إلى “قوات الدعم السريع”. أكثر من ذلك، انسحب ممثل البرهان في منصة جدة في مطلع الشهر الحالي، لأنه اعتبر أن ثمة تعاملاً مع الطرف الآخر على أنه مساوٍ للحكومة والجيش.

لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير. فالطرفان بدآ يتلقيان دعماً من أطراف إقليمية ودولية معنية بالصراع، ومنخرطة فيه بالمال والسلاح، ما يجعل من المبادرات السلمية أمراً مستحيلاً. فالتدخلات الخارجية باتت حقيقة. ويجري إمداد الطرفين بما يلزم لمواصلة حرب طويلة الأمد، ومن دون انقطاع. وتشبث الطرفين في آن معاً بمواقفهما المتصلبة وشروطهما المستحيلة يفسره إلى حد بعيد طغيان العامل الخارجي على المعادلة. فالوساطات تسقط، والهدن تسقط، وتبقى نار القتال مشتعلة، وتتمدد من دون أي تدخل ميداني من قبل الدول الإقليمية الرئيسية والكبرى.

ما سبق ينذر بحرب طويلة، قد لا تتوقف قبل أن يتشظى ما تبقى من السودان، فنصبح أمام خريطة واقعية جديدة سترسم حدودها بالنار والدم. وأغلب الظن أن السودان الموحّد يتحلل الآن تحت أنظار العالم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى