أقلام وأراء

علي حمادة: السّعودية والولايات المتّحدة: هل عادت المياه إلى مجاريها؟

علي حمادة 25-05-2022

لافتة للنظر الزيارة التي يقوم بها منذ عشرة أيام نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لواشنطن، حيث يجري محادثات مع كبار المسؤولين في العلاقات الخارجية في الإدارة الأميركية. ولم يقتصر نشاطه على لقاءات مرتبطة بالتعاون الدفاعي بين السعودية والولايات المتحدة، بل كان نشاطاً شاملاً، يستفاد منه أن الأمير خالد هو في واشنطن، بصفته مبعوثاً خاصاً لشقيقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومكلفاً بملاقاة قرار أميركي اتخذته إدارة الرئيس جو بايدن لمحاولة إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها من المستوى في التواصل والتنسيق والتعاون على مستوى استراتيجي.

فمن اللقاءات في وزارة الدفاع (البنتاغون) مع وزير الدفاع لويد أوستن وأهم مساعديه، للبحث في الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين البلدين، إلى اللقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان في البيت الأبيض، فاللقاء الموسع مع وزير الخارجية أنطوني بلينكن وكبار مساعديه، وفي مقدمتهم مبعوثا الولايات المتحدة لشؤون اليمن وإيران تيم ليندكينغ وروب مالي، ثمة ما يدل على أن إدارة الرئيس جو بايدن أرادت من خلال التعامل مع زيارة نائب وزير الدفاع السعودي أن تكون محطة لبعث رسالة إلى القيادة السعودية، لا سيما إلى الأمير محمد بن سلمان، بوجود رغبة أميركية رسمية في إنهاء حالة “التذبذب” التي سادت العلاقات منذ انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة.

هذا واضح للعيان، خصوصاً أن ثمة معلومات بدأت تتسرب في الإعلام الأميركي، تتحدث عن التحضير للقاء بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي الشهر المقبل، بما ينهي القرار غير المعلن من الرئيس بعدم التعامل مع الأمير محمد بن سلمان بذريعة الانحياز إلى موقف بعض الأوساط اليسارية في الحزب الديموقراطي التي شنت حملات واسعة على ولي العهد السعودي تحت عنوان حقوق الإنسان، أو قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ويذكر أن الرئيس بايدن كان قد أدلى بمواقف حادة ضد السعودية وولي العهد نفسه خلال حملته الانتخابية، وبالتحديد خلال مناظرات بين عدد من المرشحين الديموقراطيين في تصفياتهم لخوض الانتخابات آنذاك ضد الرئيس دونالد ترامب.

ولم يتأخر بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض حتى عمم موقفاً شخصياً سلبياً غير رسمي من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وانعكس الموقف أيضاً على رؤية البيت الأبيض إلى الحرب في اليمن، بدءاً برفع الحوثيين من لوائح الإرهاب ثم التضييق على مشتريات السعودية من السلاح والذخائر، وصولاً إلى سحب بطاريات صواريخ “باتريوت” للدفاع الجوي من المملكة، في وقت كانت تنهمر الصواريخ البالستية والمسيّرات المفخخة على المنشآت المدنية والاقتصادية الاستراتيجية في السعودية.

وكان من الواضح أن إدارة بايدن قد وضعت في رأس أولوياتها التضييق على السعودية، والهرولة في اتجاه إيران، ومحاولة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بأي ثمن. وسرعان ما انطلق في نيسان (أبريل) 2021 التفاوض غير المباشر مع إيران في فيينا، ولم ينته حتى الآن على الرغم من دعم الأوروبيين له واستماتة إدارة بايدن لإحياء الاتفاق. ولعل تسمية روب مالي مستشاراً رئاسياً للشؤون الإيرانية وكبير المفاوضين في فيينا، تدل على أن الرئيس الأميركي أعاد إحياء مقاربة الرئيس الأسبق باراك أوباما للمسألة الإيرانية على حساب الحلفاء الاستراتيجيين التاريخيين. 

استمر الوضع على ما هو عليه من سوء تفاهم وتواصل بين إدارة بايدن والقيادة السعودية حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا. عندها بدأ الأميركيون وحلفاؤهم في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي البحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين، لا سيما بعدما ارتفعت الأسعار ارتفاعاً كبيراً. حاول الأميركيون التواصل مع الرياض، ولكن بشكل موارب. وحاول الرئيس نفسه التواصل شخصياً مع ولي العهد، وخصوصاً أنه كان قد سبق له قبلها بأسابيع الاطلاع على مقابلة صريحة أدلى بها الأمير محمد بن سلمان لمجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية، أبدى فيها لا مبالاة تامة حيال موقف الرئيس الأميركي الشخصي منه، ما شكل انعكاساً لعلاقات غير سوية بين شريكين استراتيجيين.

وقد اتخذت السعودية موقفاً محايداً من الحرب في أوكرانيا، ربما رداً على المواقف الأميركية والأوروبية من الحرب في اليمن ومواصلة الحوثيين استهداف أراضي السعودية، وصولاً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وسط تجاهل الشركاء الغربيين هواجس السعودية الأمنية.

فهم الأميركيون أن الأمور بلغت نقطة خطيرة في العلاقة بين الدولة العربية المركزية الأهم في المنطقة، والشريك الأميركي. ومنذ غزو أوكرانيا، بدأت ملامح التغيير تظهر على سلوك الإدارة الأميركية حيال السعودية. فمحاولات رفع مستوى التواصل مع القيادة السعودية لم تتوقف. ومؤشرات التحول تزايدت، إن لجهة البدء في التسويق لوجهة نظر مغايرة للموقف السلبي الأساسي من خلال وسائل الإعلام وبعض الأقلام التي تحوّل موقفها تحولاً حاسماً، قائلة، مثل فريد زكريا الكاتب ومقدم البرنامج الشهير في محطة “سي إن إن”، أنْ لا بديل للرئيس جو بايدن من الاجتماع مع الأمير محمد بن سلمان، أو من خلال عدد من مقالات الرأي والتقارير، كالذي صدر أخيراً عن “مجلس العلاقات الخارجية” الأميركي النافذ، يدعو لصفقة كبيرة (جديدة) بين الولايات المتحدة والسعودية، كتبه كل من مارتن أنديك، وستيفن كوك، ويكشفان عن اعتراف داخل البيت الأبيض بخلل في العلاقات مع السعودية. وأهم ما في المواقف المستجدة من شخصيات قريبة من الإدارة الأميركية، ومناخ وسط الحزب الديموقراطي أنها تهيئ الجو لاستدارة أميركية قريبة، يتم الإعداد لها في هذه الأثناء.

ربما في هذا السياق يمكن إدراج زيارة الأمير خالد بن سلمان الحالية لواشنطن، حيث إنها قد تكون المحطة التي يتم التحضير فيها لتفاصيل اللقاء المرتقب بين الرئيس جو بايدن والأمير محمد بن سلمان، وتهيئة الملفات التي من شأنها أن تعيد إحياء العلاقة الأميركية – السعودية من جديد على أسس مختلفة عن مرحلة ما بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض.

والسؤال المطروح اليوم قبل اللقاء المحتمل: هل حقاً عادت المياه إلى مجاريها بين واشنطن والرياض؟ 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى