أقلام وأراء

علي حمادة: اجتماعات طهران الثلاثيّة: كلٌّ لنفسه!

علي حمادة 22-07-2022

كان واضحاً أن زيارتي الرئيسين الروسي فلاديمير يوتين والتركي رجب طيب أردوغان لطهران هذا الأسبوع، جاءتا رداً على قمم جدة وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية التي قادته إلى إسرائيل، الأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية.

ولكن الرد كان متفاوتاً بين ضيف وآخر. فالرئيس الروسي والمضيف الإيراني كانت لهما أجندة مختلفة نوعاً ما عن أجندة الرئيس التركي. أردوغان سعى، من خلال وجوده في طهران واجتماعه مع القيادة الإيرانية والرئيس الروسي، إلى إبراز دوره الوسيط في النزاعات الجيوسياسية المشتعلة منذ شنت موسكو حرباً على أوكرانيا. وربما أراد أن يسلف نظيره الروسي الذي سعى من خلال زيارة طهران للتشويش بعض الشيء على زيارة بايدن موقفاً، من أجل أن ينتزع منه موافقة على شن عملية عسكرية في شمال سوريا، إذ أمل أن يضغط بوتين على القيادة الإيرانية لضمان سكوتها عن العملية التي تعتبرها طهران عنصراً مهدداً للتوازنات التي تصب في مصلحتها على الأرض، كجهة داعمة للنظام السوري ميدانياً. هذا لم يحصل. لم ينل أردوغان ما كان يصبو إليه، ولم تكفه تلك “التسليفة” على كونه، كعضو في حلف “الناتو”، يقف على مسافة ليست بعيدة من روسيا.

طبعاً كان الموقف الإيراني عنيفاً بالمعنى الدبلوماسي، لا سيما عندما سمع الرئيس التركي تحذيراً من فم المرشد علي خامنئي من القيام بعملية عسكرية. وفي اليوم التالي للقاء أردوغان مع خامنئي، أجمعت وسائل إعلام مقربة من المرشد على أن التحذير لم يكن من باب النصح بل من باب التهديد في مكان ما.

لكن كانت للاجتماعات الثلاثية في طهران وظيفة الرد على زيارة بايدن التي هدفت إلى إصلاح علاقات أميركا بحلفائها التاريخيين، وكذلك للقول بأن قوة كبرى، وأخرى إقليمية متحالفتان بصلابة إذا جرت بلورة “حلف ناتو” شرق أوسطي جديد في المنطقة.

موسكو أوصلت رسالة بأن المواجهة ممتدة إلى مناطق أبعد من نطاق أوكرانيا وأوروبا الشرقية. وبعثت طهران، من جهتها، برسالة مفادها أنها ليست معزولة كما بدت الصورة من زاوية زيارة الرئيس الأميركي. كل هذا في الوقت الذي نفت فيه كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن تكون إقامة “حلف ناتو” إقليمي على جدول أعمال النظام العربي الرسمي. مع ذلك، قد تكون إيران شعرت بأن تطور العلاقات العربية – الإسرائيلية في مجالات عدة، تقوم على شراكات متعددة المستويات والأهداف، إنما يعكس قراءة تجمع عليها دول المنطقة العربية ومعها إسرائيل، تعتبر أن التهديد الأول للاستقرار في الإقليم مصدره إيران وسياساتها. وطهران ربما تعرف أن الشراكات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية المتطورة تصب أيضاً في إطار إقامة جدار لصدها، أو لإجبارها على التراجع في المنطقة، من العراق إلى سوريا ولبنان وغزة. هذا احتمال وارد جداً. فاليوم يمكن الزعم أن جميع العواصم، بصرف النظر عن مواقفها العلنية من العلاقة مع طهران التي تتضمن دعوات متكررة إلى علاقات حسن جوار وتعاون وتبادل اقتصادي وتجاري، تبقى في إطار الحذر الشديد من السياسات الإيرانية، وبالتحديد من الأجندة التوسعية التي لم تتغير منذ أربعة عقود، لا بل إنها ترسخت أكثر بعد التوقيع على الاتفاق النووي لعام 2015.

سعى الروس والإيرانيون من خلال اجتماعات طهران إلى إعلان قيام نظام عالمي جديد بمواجهة الولايات المتحدة. الرئيس بوتين أراد أن يقول إنه موجود في الشرق الأوسط حتى لو تمكن نظيره الأميركي من جمع تسع دول عربية مركزية في اجتماع واحد في مدينة جدة. المرشد أراد أن يظهر بلاده بمظهر زعيمة على ما يسميه الإعلام الإيراني المتشدد “التيار العالمي للمقاومة”! وذهبت صحيفة “كيهان” المقربة من مكتب المرشد إلى حد القول إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقود لواء التيار العالمي للمقاومة، وتقود دولاً مثل الصين وروسيا والهند”. لتضيف أن “تيار المقاومة بات يتجاوز نطاقه الجغرافي التقليدي، وأصبح يضم تحت عباءته، في ضوء التعريف الجيوستراتيجي للمصطلح، دولاً مثل الصين والهند وروسيا والعراق ولبنان وسوريا ومجموعة دول “البريكس” ودولاً لاتينية والدول الأفريقية، وحتى دولاً في القارة الأوروبية نفسها”.

هذا التعريف إيراني، وغير معروف إذا ما كانت روسيا والصين والدول المشار إليها آنفاً، تضع نفسها في بوتقة واحدة مع إيران التي تعتبر قوة إقليمية حقيقية، لكنها قد تكون بالغت في تقدير دورها ومكانتها وقوتها. إنما عندما تصف صحيفة أخرى مقربة من المرشد خامنئي المصافحة الحارة بينه وبين الرئيس الروسي بأنها “مصافحة استراتيجية”، أو تعتبر صحيفة ثالثة من الصف عينه أن اجتماعات طهران هي بمثابة “تحالف مقابل تحالف”، فإن الإيرانيين قد يكونون أخطأوا نوعاً ما بقراءة الحسابات الدفينة للرئيس بوتين. فالأخير لا يهدف إلى أكثر من التشويش على بايدن واحتفالية زيارته، لأنه بكل بساطة يتمتع بعلاقات جيدة لا بل أكثر من جيدة مع الدول العربية المركزية التي استقبلت بايدن.

لا تريد موسكو أن يحشرها الإيرانيون بعداوة مع دول عربية سلفتها في الحرب على أوكرانيا، وهي جزء من نظام علاقات دولية، سياسية واقتصادية تتمسك بها روسيا بقوة. بمعنى آخر، إذا ما دققنا في أهداف أردوغان في سوريا، وأهداف خامنئي بمواجهة النظام العربي، وأهداف بوتين للتشويش على بايدن، سرعان ما نكتشف أن الأطراف الثلاثة اجتمعوا لأسباب مختلفة. وبالتأكيد لم يكن السبب أو الهدف قيام “حلف مقدس” تبدو إقامته أكثر تعقيداً مما هو ظاهر.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى