أقلام وأراء

علي حمادة: أميركا، السعودية، فرنسا أو إيران كيف سيتمّ اختيار الرئيس اللبناني المقبل؟ ومن يكون؟

علي حمادة 09-07-2022 

يحظى الاستحقاق الرئاسي اللبناني بأهمية خاصة هذا العام. فولاية الرئيس الحالي ميشال عون تنتهي في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وقد علمتنا التجارب أن سنة الاستحقاق الرئاسي عادة ما تكون سنة كل المخاطر في لبنان. وهذا العام تتجمع الغيوم فوق البلاد، ولا سيما أنها تعيش من دون حكومة كاملة الأوصاف، في وقت تدور تكهنات عن احتمال ألا يتم الاستحقاق الرئاسي بسلاسة.

ثمة سيناريوهات متداولة في الوسط السياسي اللبناني بعضها يرجح ألا تتشكل حكومة جديدة قبل الاستحقاق الرئاسي، فيمتنع رئيس الجمهورية المنتهية ولايته ميشال عون عن الخروج من القصر الرئاسي بذريعة أنه “لن يسلّم للفراغ”، وأن الموقع الدستوري الأول للمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً لا يجوز أن يكون شاغراً وصلاحياته منقولة الى مجلس الوزراء مجتمعاً، برئاسة سنّي، حتى لو كانت الحكومة مستقيلة، فيما رئاسة مجلس النواب يشغلها شيعي وهي غير شاغرة.

وثمة سيناريو آخر يتحدث عن العمل على إعادة انتاج تسوية رئاسية جديدة على غرار تسوية 2016 التي أتت بالجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، تحمل الى القصر الجمهوري صهره النائب جبران باسيل تحت عنوان التحالف مع “حزب الله”، القوة الأكبر في البلاد، وهي مسلحة وقادرة على الإيذاء الى حد فرض خياراتها بالقوة على القوى اللبنانية الأخرى الميالة الى التسويات السهلة في إطار لعبة السلطة.

والإشارة إلى السيناريو المذكور تستند إلى أن “حزب الله” الذي أمسك بالقرار السيادي للدولة اللبنانية بشكل تام منذ انتخاب الجنرال ميشال عون بتسوية رئاسية معروفة، سيرغب كثيراً بالمحافظة على مكاسب التسوية مع خليفة ميشال عون في السياسة، وقد يخوض معركة كبيرة من أجل فرض باسيل في رئاسة الجمهورية، وبذلك يحافظ على وضعيته السياسية الغالبة على حساب التوازن في البلاد.

وثمة سيناريو ثالث، يقول بأن “حزب الله” الراغب في المحافظة على مكاسب التسوية الرئاسية السابقة سيحاول أن يرضي فريق الرئيس ميشال عون السياسي بمكاسب كبيرة في السلطة، بعدما أسهم في منع انهيار الفريق في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في شهر أيار (مايو) الماضي، لكنه سيعمل على انتاج تسوية رئاسية شبيهة بالسابقة تكون في صالحه، ويعتبر أنها أكثر مقبولية من فرض جبران باسيل، من خلال الإتيان بحليف “صلب” من قلب الخط السياسي الذي يقوده، هو النائب السابق سليمان فرنجية الذي يمتاز ربما عن باسيل بقلة عداواته مع القوى السياسية الأخرى، كما أنه لم يتورط بخلافات حادة مع دول عربية، والأهم أنه غير خاضع لعقوبات أميركية كما هو حال جبران باسيل. والإتيان بفرنجية يمثل تغييراً ضمن الاستمرارية. لكن الاستمرارية هذه هي استمرارية سيطرة “حزب الله” على مفاصل القرار السيادي في البلاد، وإمساكه بالرئاسات الثلاث الأساسية. وهنا نقطة ضعف خيار فرنجية.

وهناك سيناريو رابع يستند الى قراءة مغايرة للواقع في البلاد، وتقديرات تشير الى أن الضغطين العربي والدولي على الداخل اللبناني من شأنهما منع “حزب الله” من فرض إرادته على الآخرين، أكانوا رافضين علناً أو متورطين معه في تسوية رئاسية. هذه القراءة تشير إلى التحولات التي تشهدها المنطقة في وقت تزداد التوترات الناجمة عن توقف المفاوضات حول البرنامج النووي مع ايران، وبدء الحديث عن تشكل “حلف ناتو” عربي – إقليمي كبير يضم إسرائيل الى جانب دول عربية مركزية، مع المظلة الأميركية.

هذا كلّه في مرحلة الانهيار اللبناني الداخلي، واستحالة انتشال لبنان من “القعر” كما يقول البطريرك الماروني بشارة الراعي، من دون مساعدة المجتمع الدولي الغربي، والدول العربية القادرة، يجعل من الصعب جداً إدامة الوضع كما هو عليه، بمعنى أن يبقى لبنان تحت سيطرة “حزب الله” بالشكل الحاصل اليوم. أكثر من ذلك ثمة معارضة تكبر يوماً بعد يوم بوجه سيطرة “حزب الله”، وإمساكه بجميع مفاصل الدولة والقرار السيادي، في مقابل تراجع كبير لحليف الحزب المشار اليه في الوسط المسيحي أي “التيارالوطني الحر” الذي يتزعمه الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، لصالح قوى وأحزاب معارضة بشدة لـ”حزب الله” ومشروعه، ووظيفته الداخلية والإقليمية، مثل حزبي “القوات اللبنانية ” و”الكتائب ” وشخصيات مستقلة.

من هنا قد يكون الطريق الأسلم لتفادي شغور رئاسي ناجم عن أزمة بين “حزب الله” ومن خلفه إيران، ومعارضيه ومن خلفهم العرب والأميركيون وربما الفرنسيون، أن يجري البحث عن أسماء تمثل حالة وسطية في البيئة المسيحية، فلا هي عدوة لـ”حزب الله”، وبالتأكيد يستحيل أن تتحالف معه مثلما فعل الرئيس ميشال عون. مما يعني أن الرئيس المقبل سيكون مدعواً الى فتح ملفات صعبة مثل قضية سلاح “حزب الله” غير الشرعي الذي يواجه معارضة متعاظمة لدى الرأي العام اللبناني عموماً.

لا تنتهي السيناريوهات بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لكن القاعدة العامة في ما يتعلق بالاختيار، تقوم على كيفية مواءمة البعد الدولي، مع البعد الإقليمي ومنه العربي، مع البعد الداخلي. هنا بيت القصيد. فالرئاسة في لبنان مسألة لبنانية عربية ودولية، وبمقدار ما يتراجع الدوران العربي والدولي (الأميركي – الفرنسي) يتقدم الدور الإيراني على حساب الخارج والداخل بالنظر الى فائض القوة الذي يملكه “حزب الله” في الساحة الداخلية، فضلاً عن استعداد العديد من القوى الداخلية للتورط في تسويات قد لا تخطر على بال أحد.

حصل هذا سابقاً، وقد يحصل اليوم. من هنا أهمية الدور العربي وفي مقدمه دور المملكة العربية السعودية وشركائها كالإمارات العربية المتحدة ومصر في تحصين الموقف لإحداث قطيعة حاسمة مع عهد الرئيس ميشال عون، وهو من الناحية العملية عهد “حزب الله” في الرئاسة الأولى، وعهد إيران في لبنان. فكيف سيتم اختيار الرئيس المقبل؟ ومن يكون؟

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى