شوؤن دولية

علي حرب يكتب – شرح نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية في خمسة أسئلة

علي حرب *- 20/10/2020

عندما فُرزت جميع الأصوات في انتخابات 2016، كانت هيلاري كلينتون متقدمة على ترامب بثلاثة ملايين صوت. ومع ذلك، كان الفوز حليف ترامب بأغلبية الأصوات في المجمع الانتخابي. فكيف ولماذا حدث ذلك؟ وما هو المجمع الانتخابي؟

إن نظام التصويت في الولايات المتحدة معقد، وهو مصمم لضمان القوة السياسية للولايات. وهذا يعني أن نتائج الانتخابات يقع تحديدها من خلال أصوات المجمع الانتخابي عن كل ولاية، وليس من خلال تحديد العدد الإجمالي للأصوات الممنوحة لكل مرشح في جميع أنحاء البلاد.

تعتمد أصوات المجمع الانتخابي في كل ولاية جزئيا على عدد سكانها. وهي تعمل مثل النظام الجهوي: تمنح ألاسكا ثلاثة أصوات، وفرجينيا 15، وكاليفورنيا – الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان –  55 صوتا.

تنظم كل ولاية موعد التصويت الخاص بها، مع وجود استثناءات قليلة، حيث تُمنح الأصوات إلى المجمع الانتخابي ويظفر الفائز بكل شيء. ومن أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية، يجب أن يفوز المترشح بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538 – أي على الأقل 270 صوتًا.

ما هي “الولايات المتأرجحة”؟

للوصول إلى هذا “الرقم السحري” البالغ 270، يركز المرشحون جهود حملتهم الانتخابية على الولايات الولايات المتأرجحة. وفي الواقع تكون النتيجة محسومة في الكثير من الولايات، حيث غالبًا ما يُعلن عن النتائج المتوقعة في اللحظة التي يتم فيها إغلاق مراكز الاقتراع.

فعلى سبيل المثال، عادة ما تكون جميع ولايات الساحل الغربي الثلاث – كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن – مؤيدة للمرشح الديمقراطي، بينما يمكن ضمان تصويت الولايات الجنوبية المحافظة مثل ميسيسيبي وألاباما وتينيسي للمرشح الجمهوري.

في الخرائط الانتخابية، يُستخدم اللون الأحمر للإشارة إلى الولايات الجمهورية بينما يستخدم اللون الأزرق للإشارة إلى الولايات الديمقراطية. في المقابل، تبقى نحو 12 ولاية حاسمة أو ما إلى ذلك دون ميول أيديولوجية واضحة، ينفق عليها رؤساء الحملات الانتخابية الوقت والمال لإقناع الناخبين. وتصبح الولاية بمثابة ساحة معركة بين المرشحين في حال أظهرت استطلاعات الرأي وجود فجوة في التأييد تكون في حدود خمس نقاط مئوية.

في سنة 2016، قيل إن تعهد ترامب بإعادة الوظائف الصناعية ساعده على الفوز بأصوات ولايات الغرب الأوسط مثل ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان. يزيد هامش فوز ترامب في هذه الولايات الثلاث عن 78 ألف صوتًا، وهو رقم ضئيل مقارنة بهامش فوز كلينتون البالغ 4.2 مليون صوت في كاليفورنيا فقط – وهنا يكمن التناقض بين التصويت الشعبي والمجمع الانتخابي.

غالبا ما يُنظر إلى فلوريدا والعديد من الولايات في الغرب الأوسط – المنطقة الشمالية الوسطى من البلاد – على أنها الفيصل في الانتخابات، إلا أن نتيجة التصويت في الولايات المتأرجحة تتغير بسبب العوامل الديموغرافية والسياسية.

فعلى سبيل المثال، تحولت فرجينيا من مؤيد للحزب الجمهوري إلى ولاية حاسمة ثم إلى ولاية مؤيدة للحزب الديمقراطي على مدار العشرين سنة الماضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى النمو الديمغرافي السريع للسكان غير البيض الذين يفضلون الديمقراطيين إلى حد كبير.

في هذه الانتخابات، يبذل جو بايدن كل ما بوسعه لكسب الأصوات في تكساس، أكبر معقل جمهوري مع واقع 38 صوتًا من أعضاء المجمع الانتخابي. وتظهر استطلاعات الرأي أيضًا أنه قادر على منافسة ترامب في الولايات المحافظة تقليديًا مثل جورجيا وألاسكا.

من المزمع أن تنعقد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أول يوم ثلاثاء بعد أول يوم اثنين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في السنوات الكبيسة. وفي هذه الدورة، سيكون موعد الانتخابات في الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.

كيف يتم توزيع الأصوات الانتخابية؟

تتطابق أصوات المجمع الانتخابي لكل ولاية مع عدد أعضاء الوفد الذي يعمل في الكونغرس – أي عضوان في مجلس الشيوخ مع عدد ممثلي الولايات حسب عدد السكان.

حسب هذه الصيغة، تستأثر كل ولاية بما لا يقل عن ثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي، وهو ما يخدم الولايات ذات كثافة سكانية منخفضة. وتعدّ ولاية وايومنغ، الولاية الأقل كثافة سكانية، موطنًا لحوالي 580 ألف شخص. وقد حصلت وايومنغ على ثلاث أصوات في المجمع الانتخابي، بينما حصلت كاليفورنيا التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة،على 55 صوتا.

بالتناسب مع حجم سكانها، فإن التصويت في وايومنغ له نفوذ انتخابي أكثر من التصويت في كاليفورنيا. بعبارة أخرى، تحصل وايومنغ على صوت انتخابي واحد عن كل 193 ألف شخص، مقابل صوت عن كل 718 ألف شخص في كاليفورنيا.

لا يحق للأمريكيين الذين يعيشون في الأقاليم المرتبطة بالولايات المتحدة لكنها غير  تابعة لأي ولاية، بما في ذلك بورتوريكو وغوام وساموا الأمريكية، التصويت في الانتخابات الرئاسية على الرغم من أنه بإمكانهم التصويت في الانتخابات التمهيدية. وفي المقابل، تخصص للعاصمة (مقاطعة كولومبيا) ثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي على الرغم من أنها ليست ولاية ولا تمتلك تمثيلا كاملا في الكونغرس.

كيف يجري التصويت بالبريد؟

رغم النطاق الواسع للانتخابات والتعقيد النسبي الذي تتسمه به، إلا أنه عادة ما يعلن عن الرئيس الجديد قبل فجر يوم الأربعاء بناءً على توقعات نتائج كل ولاية. وفي سنة 2016، أعلنت السي إن إن عن انتصار ترامب قبيل الساعة الثالثة صباحا، بتوقيت الساحل الشرقي. ومن غير المتوقع أن تظهر النتائج بالسرعة نفسها هذه السنة، بسبب الارتفاع الحاد في عدد بطاقات الاقتراع عبر البريد وسط جائحة فيروس كورونا.

إن الاقتراع عبر البريد هو وسيلة للتصويت عبر مكاتب البريد دون الحاجة للتواجد عند صناديق الاقتراع. لكن ترامب شكك في نزاهتها على الرغم من تصويته عن طريق البريد في فلوريدا في وقت سابق من هذه السنة. من جهتهم، فنّد المدافعون عن حقوق التصويت الادعاءات القائلة إن التصويت بالبريد قد يفسح المجال للتزوير، مستشهدين بالتدابير الاحترازية التي يتعين على جميع الولايات الالتزام بها لضمان نزاهة الانتخابات.

التصويت المبكر والتصويت عبر البريد سيتسببان في تأخير النتائج، خاصة في الولايات ذات النتائج المتقاربة

في أيار/ مايو، بدأ موقع تويتر في إدراج عبارات إخلاء المسؤولية تحت تغريدات ترامب التي تشكك في التصويت عبر البريد، حيث جاء في نصها: “يقول الخبراء إن بطاقات الاقتراع عبر البريد نادراً ما ترتبط بتزوير في الانتخابات”. مع ذلك، يخشى الكثيرون من أن جهود ترامب للتشكيك في وسيلة التصويت التي يلجأ لها جزء كبير من السكان قد تفتح المجال لطعون قانونية تشكك في شرعية الرئيس المقبل.

خففت العديد من الولايات من متطلبات التصويت عن طريق البريد بسبب أزمة فيروس كورونا، لكن المعايير ما زالت مختلفة. ففي بعض الولايات، يتم إرسال بطاقات الاقتراع تلقائيا إلى كل ناخب مسجل – مثل أوريغون وواشنطن – حيث تم التصويت عن طريق البريد بشكل حصري تقريبا لسنوات عدة. أما في ولايات أخرى، مثل ميشيغان، تُقدم بطاقات الاقتراع بالبريد عند الطلب. بينما يستلزم بعضها الآخر عذرا، مع إثبات التغيب يوم الانتخابات، لإصدار بطاقة الاقتراع بالبريد.

كما تسمح العديد من الولايات بالتصويت الشخصي المبكر في المراكز البلدية وأماكن أخرى مخصصة، قبل أسابيع من الانتخابات أحيانا، حيث أظهرت تقارير إعلامية أن العشرات من الأشخاص بدأوا بالاصطفاف بالفعل للتصويت المبكر في هذه الولايات.

من شبه المؤكد أن التصويت المبكر والتصويت عبر البريد سيتسببان في تأخير النتائج، خاصة في الولايات ذات النتائج المتقاربة التي لا يمكن التحقق منها قبل فرز جميع الأصوات.

من هم الناخبون؟

غالبا ما يعلن عن النتائج بعد ساعات من الانتخاب، إلا أنه لا يجري التصديق عليها إلا بعد أسابيع. والمرشح الفائز لا يصبح “رئيسًا منتخبًا” رسميًا حتى يتم فرز أصوات المجمع الانتخابي.

يتم الإدلاء بأصوات المجمع الانتخابي من قبل أشخاص حقيقيين، يُعرفون بالناخبين، حيث يقوم حزب المرشح الرئاسي الفائز في ولاية ما باختيار ناخبيه منها، وتختلف عملية الاختيار حسب الولاية. يتوقع من الناخبين أن يصوتوا للمرشح الذي ينتمي إلى الحزب الذي اختارهم. بعبارة أخرى، من المتوقع أن يدلي الناخب الجمهوري بصوته لمرشح الرئاسة الجمهوري.

عمليا، يصوت الأمريكيون في كل ولاية لقائمة ناخبي حزب المرشح الرئاسي الذي يختارونه في بطاقة الاقتراع. لذلك إذا قمت بالتصويت لصالح تذكرة بايدن-هاريس في ولاية ماساتشوستس، فإنك تصوت فعليا لصالح ناخبي ماساتشوستس من الحزب الديمقراطي. 

ظهر تاريخيًا عدد قليل ممن يسمون بالناخبين الخائنين – وهم ناخبو المجمع الانتخابي الذين أدلوا بأصواتهم لغير المرشح الذي فاز في ولاياتهم. لم يغير الناخبون الخائنون نتائج الانتخابات قط، وقد اختفوا تقريبًا وأصبحوا شيئا من الماضي منذ مطلع القرن – لغاية سنة 2016.

بعد انتصار ترامب، دعا ناخبان ديمقراطيان علانية إلى تمرد المجمع الانتخابي حيث يصبح الناخبون المعينون من كلا الحزبين ناخبين غير مخلصين ليتم انتخاب “جمهوري معتدل”، بدلا من ترامب. أطلقوا على أنفسهم اسم “ناخبي هاملتون” نسبة إلى ألكسندر هاملتون، وزير الخزانة الأمريكي الأول الذي جادل بأن المجمع الانتخابي مصمم لضمان عدم وقوع الرئاسة في يد شخص لا يمتلك “المؤهلات المطلوبة“. لكنهم فشلوا في مسعاهم.

على الرغم من أن الأسئلة القانونية والفلسفية التي تدور حول الناخبين غير المخلصين قد تكون مثيرة للاهتمام، إلا أنه من المستبعد أن يؤثروا على نتيجة الانتخابات

لكن تلك الانتخابات سجلت رقما قياسيا حديثا لسبعة ناخبين خائنين – خمسة من الديمقراطيين واثنين من الجمهوريين. كما رفضت كل من ماين وكولورادو ومينيسوتا ناخبا خائنا في سنة 2016، إصرارا على أن المجمع الانتخابي يجب أن يعكس نتيجة الانتخابات.

تلتزم العشرات من الولايات بقوانين تحظر على الناخبين تحدي نتائج الانتخابات، مع اختلافٍ في كيفية القيام بذلك. فعلى سبيل المثال، فرضت ولاية واشنطن غرامة قدرها ألف دولار على الناخبين الذين لم يصوتوا لهيلاري كلينتون – التي فازت بالولاية الشمالية الغربية سنة 2016.

في المقابل، قامت كولورادو برفض صوت الناخب الذي أراد انتخاب الجمهوري جون كاسيش بدلا من كلينتون كجزء من الدفع نحو حملة المدعوين بناخبي هاميلتون. وفي وقت سابق من هذا العام، أيدت المحكمة العليا الأمريكية قانون كولورادو الذي يطالب بتقيد ناخبي المجمع الانتخابي بنتائج الانتخابات الرئاسية في الولاية.

وعلى الرغم من أن الأسئلة القانونية والفلسفية التي تدور حول الناخبين غير المخلصين قد تكون مثيرة للاهتمام، إلا أنه من المستبعد أن يؤثروا على نتيجة الانتخابات.

*علي حرب – كاتب يعمل من ديربورن / ميشيغان ويقدم تقاريره عن القضايا العربية الأمريكية والحقوق المدنية والسياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى