أقلام وأراء

علي الصالح يكتب – لا تحمّلوا أبومازن وحده المسؤولية… فكلكم مذنبون

علي الصالح *- 27/2/2021

سأسير عكس التيار وسأغرد خارج السرب وسأقول ما لن يتجرأ على قوله الكثيرون.. وأعلن وبكل صراحة أنني لست مع ترشح الأخ الأسير القائد مروان البرغوثي للرئاسة. ليس لسبب شخصي، بل لأنني حقا أعزه وأكن له كل الاحترام والتقدير والمودة، وأتمنى له التحرر السريع من أسره، الذي مرّ عليه حتى الان نحو19 عاما.

هذا الموقف من وجهة نظري يصب في مصلحة الأخ مروان (أبو القسام) من أجل أن يحافظ على شخصية القائد الميداني والشعبي، ومحرك الجماهير، ولا أحب له أن يورط نفسه ويغرقها في المستنقع السياسي الفلسطيني الحالي. وأتمنى عليه ألا يقع وهو ذو العقل الرزين ضحية الخلافات والمطامح الشخصية، لا السياسية، ومحاولات الاستغلال، للصعود على كتفيه نحو ما يعجزون عن تحقيقه، من دون اسمه ورصيده الوطني. إن الكثيرين يستخدمون اسمه من دون وجه حق، ويتسترون وراءه ليقولوه ما لم يقله ولا يتجرأون هم على قوله.

والسبب الثاني أن الأخ ابو القسام، في حال فوزه، وفي حال أفرجت دولة الاحتلال عنه بضغوط دولية، كما يطمح وهذا كله من باب التمنيات، فإنه سيحتاج إلى فترة طويلة من التأهيل.. فلا الوضع السياسي ولا الوطن يسمحان بالانتظار. أضف إلى ذلك أن الكثير من السياسيين الفلسطينيين سيتوارون وراءه واستغلال اسمه للتعبير عن معارضتهم للرئيس أبومازن. هذا لا يعني أنني ضد ترشح آخرين لهذا المنصب، ولا أتمنى أن ينتهي الوضع في انتخابات الرئاسة في 31 يوليو بفوز مرشح بعينه بالتزكية.. فهذا الوضع لا يخدم «الديمقراطية» الفلسطينية. هذا ينقلنا إلى دعوات الأخ ناصر القدوة الأخيرة، في ندوة على الزوم للتغيير الشامل في المؤسسات الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية. وأضيف إلى ما قاله القدوة، أن الإصلاح كما يدعو له البعض لم يعد كافيا.. فهذه المنظمة التي علاها الصدأ على مدى سنوات طويلة، وتجاوزت مرحلة الإصلاح، لن تتغير أحوالها بإضافة بضع عشرات من أعضاء حركة حماس، أو غيرها من الفصائل الفلسطينية الأخرى لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومجلسيها الوطني والمركزي، لأن ذلك من شأنه أن يبقي الأمور على ما هي عليه، ولن يأتي بجديد، بل سيزيد الطين بلة. هذا أولاً.

وثانياً: نحن مع النتيجة التي توصل إليها أخيرا الأخ ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والزميل في المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، والرفيق السابق في المجلس الإداري للاتحاد العام لطلبة فلسطين، في سبعينيات القرن الماضي، وهي أن النظام السياسي الفلسطيني يجب تغييره، وليس إصلاحه، لأنه من الصعب إصلاح جزء بمعزل عن الأجزاء الأخرى، ولابد من وجود رؤية متكاملة لهذا التغيير.

وثالثا أضم صوتي إلى صوت ناصر، بل أطالب ليس بالتغيير فحسب، بل نفض هذا الجسم المترهل والمتهاوي، ولكن الخلاف مع ناصر وهو ابن المؤسسة، ودخلها منذ صغره من أوسع أبوابها، وهو الاتحاد العام لطلبة فلسطين، أن التغيير لا يأتي بالتمنيات ولا بالدعوات عبر شاشات التلفزيون، إنما بالفعل والعمل الشاق والدؤوب.. ولو كنت مكانه لأثبت للجميع أنني قدوة اسما وفعلا، لإعطاء بعض من المصداقية لدعوتي وتمردي، الذي جاء متأخرا قليلا، ولو كنت مكانه لقدت حملة التغيير بنفسي، وأعلنت استقالتي من جميع مناصبي في اللجنة المركزية لحركة فتح وعضوية المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، وبقية مسؤولياتي، باعتباري من الرعيل الأول بعد رعيل المؤسسين الذي أوصلنا إلى هذا الطريق المسدود. وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ أكثر من أربعين عاما. وبالمناسبة فإن أبومازن ليس العقبة في طريق التغيير، فلا تحملوه المسؤولية، ولا تلقوا على عاتقه كل المصائب السياسية، فالكل مذنب وتتحملون المسؤولية نفسها. فهو واحد من كل وحركة فتح من تمنحه القوة وتعطيه الغطاء التنظيمي والشرعية.. والكل عاجز عن فعل شيء سوى الدعوات والمطالبات، ولا أدري كيف يطالب مسؤول وقائد آخرين بالتغيير.

رابعا ثمة مشكلة أن الأخ ناصر لم يقدم برنامجا سياسيا واضحا، ولا رؤية شاملة للخروج من هذا المأزق المستعصي، مكتفيا بالقول إنه لا يرى حلا عبر السبل العسكرية، كما لا يرى الحل في التفاوض، إنما في إيجاد البديل الثالث، وأسلوب نضالي وتعبئة حقيقية تعتمد على الناس بالاستجابة لحاجاتهم، ومواجهة الاستعمار الاستيطاني، مشيرا إلى أنه بذلك نفرض الحل السياسي! كلام عام فضفاض.. فلا هو أوضح البديل الثالث ولا «الأسلوب النضالي» ولم يتطرق إلى كيفية التعبئة الحقيقة ولا وسائل مواجهة الاستعمار الاستيطاني، الذي تغول في الأشهر الأخيرة لغياب الردع الفلسطيني الرسمي، وأصبح يهدد المزارع والفلاح الفلسطيني في قوته وحياته. وفي موضوع جماعة محمد دحلان فإنه لم يكن حاسما، ولم يشر إليها كمجموعة منشقة ملفوظة من فتح ورئيسها مطرود من اللجنة المركزية لفتح. وقال كلاما عاما «بكل وضوح وصراحة هذه المجموعة لا تستطيع «الآن» (ولا بعدين) أن تشكل حالة سياسية مقبولة ومحترمة لدى الشعب الفلسطيني، على الرغم من المساعدات التي يتم تقديمها لأبناء شعبنا».

وأخيرا نقول فشلتم… وأنت يا أخ ناصر واحد من المسؤولين عن ذلك الفشل على مدى عقود «في بناء الإنسان الفلسطيني» رغم قناعتي بأن الإنسان الفلسطيني صامد كالبنيان الشامخ ولا يحتاج إلى إعادة بناء، وهو دوما معطاء وعلى أهبة الاستعداد، وأن من يحتاج إلى إعادة البناء هو مؤسساته وقياداته على جميع المستويات. والمشكلة الأكبر أن الأخ ناصر لا يشعر بأنه جزء من المشكلة ومن القيادة، التي تسببت بها. والمشكلة الثانية أنه يرى في نفسه منقذا، وهو الذي، وعلى مدى عقود، تعامل بسلبية وسخرية وفوقية إزاء ما يجري من حوله. ولكن لا بد من القول إنه لعب دورا إيجابيا في الدبلوماسية الفلسطينية، عندما كان المندوب الدائم للمنظمة في الأمم المتحدة وعندما شغل منصب وزير الخارجية.

وأختتم للدعابة فقط، بما ختم به القدوة حديثه قائلا: «عندما كنت شابا كنت فخوراً بأنني فلسطيني في الاتحاد العام لطلبة فلسطين، نؤمن بالحرية وحق الاختلاف، لكن ما نراه اليوم ليس فلسطينيا». وأذكّر أخانا ناصر الذي كان عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين، برحلته الشهيرة إلى بريطانيا برفقة عزام الأحمد عام 1977 بزعم محاولة رأب الانشقاق في فرع الاتحاد في المملكة المتحدة وأيرلندا، الذي تسبب به زميلنا رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد صخر بسيسو، بسبب الخلافات السياسية وبرنامج النقاط العشر، وغيرها من التغييرات السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية في حينه داخل حركة فتح ومنظمة التحرير، وكنت في حينها رئيسا للفرع وعضوا في المجلس الإداري. فقد حضر صخر بسيسو وهو لا يزال حيا يرزق، بنية مسبقة لإبعادنا عن قيادة الاتحاد عن طريق شقه، بحجة الإشراف على الانتخابات.. وأذكر أنني كنت أترأس مؤتمر الفرع الذي كان منعقدا في مدينة برادفورد في شمال بريطانيا، عندما أُحضر صخر إلى قاعة المؤتمر الذي كان يشارك فيه نحو 400 عضو. ومن دون مقدمات، وبعد نحو أقل من ساعة وبترتيب مسبق، كما علمنا لاحقا، قرر أقل من خمسين عضوا الانسحاب لأسباب دستورية حسب زعمهم، من قاعة المؤتمر، وانضم إليهم صخر بسيسو معلنا عدم قانونية المؤتمر ومخرجاته. وبعدها بأشهر حضر ناصر وعزام إلى بريطانيا تحت راية رأب الصدع، والحقيقة أن زيارتهما لم تكن إلا لتثبيت وترسيخ الانشقاق وإقصائنا عن قيادة الاتحاد باسم الشرعية، وتخريب وإضعاف الاتحاد الذي كان يشهد له بأنه كان من أقوى الاتحادات الطلابية العربية في المملكة المتحدة، وكان يحظى بشبكة واسعة من العلاقات مع الاتحادات الطلابية، والحركات والأحزاب السياسية المحلية والأجنبية.. والغرض غير المعلن منع التغيير.

ودارت الأيام ليخرج علينا ناصر وهو في نهاية العقد السابع من عمره ليطالب بالتغيير الذي كنا ننادي به، رغم صغر سننا أيامها، في القيادة نفسها «التي صانها الله من أي تغيير على مدى العقود الخمس الماضية حتى تحجرت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى