أقلام وأراء

علي الصالح يكتب – رسالة مفتوحة للرئيس الجديد لدائرة المغتربين في منظمة التحرير

علي الصالح  18/1/2020

التغيير مطلوب في كل منحى من مناحي الحياة. التغيير مطلوب في حياة الإنسان حتى يحافظ على استمرارية هذه الحياة إن كانت سعيدة، أو يطور ويغير من نمطيتها حتى يحصل على الوصفة التي توفر له الحياة الكريمة.

وكما ينطبق ذلك على الإنسان، ينطبق على الأحزاب والاتحادات والنقابات والمؤسسات المدنية وغير المدنية، في أي بلد من بلدان العالم، حتى بلدان إقليمنا شرق الأوسطي، التي يصل فيها الإنسان، في بعض الأحيان، إلى قناعة بأنه لا أمل في إحداث أي تغيير من أي نوع فيها، لما تشهده من تدخلات خارجية وانقسامات على أسس طائفية وإثنية وعرقية ودمار وقتل وذبح على الهوية.

نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن التغيير في حياة الأفراد، ولا حياة شعوبنا العربية، فأهل مكة أدرى بشعابها، بل سنركز على الوضع الفلسطيني، لاسيما الخارجي وتحديدا الجاليات الفلسطينية، الذي، والحمدلله، لا يحمل الأمراض الطائفية، التي تشهد حالة من الانقسام والتشرذم، وبالتأكيد سيكون لها تأثير وانعكاسات على القضية الفلسطينية.

والتغيير في الوجوه والمناصب في المؤسسات فحسب، ليس هو المطلب الأساس، بل تحديث وتطوير هذه المؤسسات، كي تتماشى مع العصر الذي تعيشه عبر حقنها بدماء شابة جديدة، قادرة على تفعيلها وتطويرها والارتقاء بها.

ما حدا بنا للحديث عن التغيير والتحديث هو مرسوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يقضي بتبادل مهام العمل، بين روحي فتوح والدكتور نبيل شعث. ووفق هذا المرسوم سيتولى فتوح مهام الإشراف على دائرة المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية وهي ما تهمنا، وهي الدائرة التي يتولاها شعث منذ عامين تقريبا، وهي الدائرة المسؤولة عن ملف الجاليات الفلسطينية في الخارج، لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة، وتطويرها. الدكتور نبيل شعث الذي نكن له ولتاريخه النضالي الطويل كل الاحترام والتقدير، فشل في مهمته فشلا ذريعا. وحتى نكون أكثر وضوحا، فإن التغييرات التي جرى الحديث عنها ولا يزال، التي تمت تحت قيادة الدكتور نبيل شعث، لا يمكن وصفها بالتغييرات الضرورية، إذا أردنا لجالياتنا في الخارج أن تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة. وأكثر ما يمكن أن توصف به مؤتمراتها، أنها مهرجانات صغيرة جدا ومناسبات لالتقاط الصور وترديد الهتافات، وتصوير الفيديوهات التي تتناقلها وسائل الإعلام، لتصل هذه الصور للجهات التي من أجلها التقطت، ونفوز بالرضا وهذا هو أقصى المراد.

وكما قلنا نحن لا نقلل من حجم إنجازات الدكتور نبيل شعث وتاريخه النضالي الطويل، وليس هو غرضنا، لكن ما شهدناه ولمسناه في السنتين الماضيتين، على صعيد الجاليات ومحاولات إحداث التغيير فيها للارتقاء بها إلى مستوى القضية.يتطلب منا الخوض في العيوب بل الخطايا التي أرتكبت بحقها وإذا كان التغيير المنشود الذي جرى ويجري الحديث حوله، هو ما عشناه وشاهدنا في ورشة بوخارست في نوفمبر الماضي، لتطوير عمل الجاليات الفلسطينية، لا سيما في أوروبا، وهي الأكثر ضياعا، ومن قبلها في مؤتمر الاتحاد العام للجاليات في أوروبا، في روما وقبلهما ذلك الاجتماع الذي انعقد في بودابست. فعلينا وعلى جهودنا السلام، وكما يقول المثل «لا فينا ولا في جهودنا». وبما أن مؤتمر روما أخذ نصيبه في التقييم والانتقاد، في مقال نشرته في «القدس العربي» مطلع عام2019 أي بعد أسابيع من انعقاد المؤتمر في ديسمبر 2018، الذي انتخبت فيه لجنة تنفيذية للاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا، فسيكون التركيز على ورشة عمل بوخارست الأخيرة، التي حسبما جاء في دعوة دائرة شؤون المغتربين بعنوان «وضع الجاليات الفلسطينية في أوروبا وآليات تفعيلها».

حقيقة أن ما عشناه في بوخارست، لم يكن ورشات عمل تناقش فيها مجمل القضايا، وتتبادل فيها الأفكار، بل مجرد جلسات على شكل ندوات، تلقى فيها كلمات ولا يسمح فيها بالنقاش، أو حتى طرح الأفكار. فجاءت بمثابة تجمع لتعزيز العلاقات الشخصية بين الحاضرين، وهذا شيء جميل ومحبوب لدينا، وتعزيز دور هذه الجاليات كهيئات تشريفية وحاضنة مناسبات لالتقاط الصور، وتبادل أرقام الهواتف والعناوين الإلكترونية. ولكنه لم يكن على الإطلاق الإنجاز العظيم على طريق ترتيب البيت الفلسطيني في الداخل قبل الخارج، فهذا كلام غير دقيق. وكي نكون أكثر وضوحا، فإن الأجيال القائمة حاليا على الجاليات ولا استثني أحدا، لا بد أن تتراجع خطوات لتفسح المجال للشباب، وأخص بالذكر الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين في الدول الأوروبية، الذين أصبحت هي أوطانهم الأولى.. يتحدثون لغاتها بلكناتها المختلفة، ويعرفون عاداتها وتقاليدها. هذه الأجيال التي أن اعتنينا بها ستؤسس لوجود فلسطيني فعال داخل المجتمعات التي تعيش فيها. أجيال قادرة على الانخراط في الأحزاب السياسية والحياة الاجتماعية، في البلدان التي اختاروها لتكون أوطانهم الأولى.

فالجاليات الفلسطينية في الخارج لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، ينتظرها في السنوات القليلة المقبلة، دور كبير جدا، وفي غاية الأهمية يكون مكملا لنضال شعبنا المتواصل على أرضه. دور أساسي يساعد في جهود حسم المعركة مع العدو، حول وعي وضمير الجمهور الغربي، الذي سيكون نفسه حاسما في تحقيق أهدافنا ممثلة بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية والعيش بكرامة وحرية. ويفترض أن تكون هذه الجاليات في أماكن تواجدها على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها، ورافدا قويا من روافد القضية الفلسطينية، ولكي تكون كذلك فهذا يتطلب أن تبنى هذه الجاليات على أسس حديثة وعصرية، أسوة بغيرها، تجعلها قادرة على أن تتبوأ دورها الريادي والقيادي. وإنجاز الدور المنوط بها، أو الذي يأمله منها شعبها، ولكي تكون حقا خط دفاع أول، لا بل رأس حربة وخطا هجوميا أماميا صلبا، وممثلا حقيقيا لهذا الشعب الأبي.

“الجاليات الفلسطينية في الخارج ينتظرها في السنوات القليلة المقبلة، دور كبير جدا ومهم يكون مكملا لنضال شعبنا المتواصل على أرضه”.

جاليات قادرة على خوض المعركة في مواجهة الأذرع الأخطبوطية للدعاية الصهيونية. وهي معركة يجب الا يستهان بها. معركة ستكون طويلة جدا ومضنية، أساسها بناء قاعدة صلبة، معركة ستتركز حول كسب وعي وضمير الناخب الأوروبي والأمريكي الذي سيكون له الدور الأساس في اختيار القيادات المقبلة، التي ستحدد السياسات المستقبلية لهذه الدول. فهذا ما فعلته الحركة الصهيونية على مدى عقود، إن لم يكن قرونا، إذ بنت لنفسها قواعد صلبة تمكنت من خلالها من اختراق الأحزاب الحاكمة في البلدان الأوروبية، وطبعا الولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص مؤسسات الشباب فيها.

وأخيرا فإن ما تقدم لن يتحقق طالما بقي حال هذه الجاليات على ما هو عليه. ولهذا نأمل من الرئيس الجديد للدائرة أن يغير من أساليب العمل في الدائرة، بل تغيير العقلية القديمة التي أثبتت فشلها ليس مرة فحسب، بل مرات والنتائج جلية أمامنا. ولهذا نوجه هذه الرسالة المفتوحة إلى روحي فتوح.

وأختتم بالقول نريد جاليات عصرية حديثة. جاليات ينسحب فيها الحرس القديم لصالح الحرس الجديد. جاليات يسلم فيها الرعيل القديم الراية إلى الرعيل الجديد. جاليات يقودها شبابنا وأبناؤنا من الجيل الثاني والثالث الذين ولدوا وتربوا وترعرعوا في أوطانهم الجديدة وهم القادرون على النجاح في ما فشلنا فيه. لذا لا بد من أن نرفع أيدينا عن هذه الجاليات، وألا نسمح لها بان تكون نسخة مضروبة عن المنظمات والفصائل القائمة في الداخل الفلسطيني. يجب أن ننأى بها عن مشاكل الداخل بإعطائها كامل الحرية في اختيار قياداتها الشابة والعصرية، وهذه هي مهمة المسؤولين الجدد في دائرة المغتربين. وبالمناسبة فهذه ليست دعوة للتخلي عن قيادات تاريخية، فسيظل هؤلاء ذخرا لنا ولقضيتنا، واجب علينا تكريمهم بالحفاظ على تواريخ نضالاتهم، وإبقائهم السند والجدار الذي نرتكز عليه، والمخزون الاستراتيجي للقضية. وكما يقول المثل«من فات قديمه تاه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى