أقلام وأراء

علي ابو حبلة يكتب – القلق الإسرائيلي من حقبة بايدن

علي ابو حبلة – 14/11/2020

اسرائيل بمختلف مكوناتها السياسية كانت تمني النفس بنجاح ترمب على نظيره جو بايدن لان ما حققه ترمب لاسرائيل غير مسبوق في الادارات الأمريكية السابقة رغم ان جميعها تدعم اسرائيل وتفوقها العسكري وهذا ما يفسر أن يتأخر رئيس الحكومة الإسرائيلية، ومعه وزير الحرب بني غانتس، ووزير الخارجية غابي أشكنازي، لساعات طويلة، في تقديم التهنئة لبايدن. وفي تفسير ذلك، تمحورت الفرضيات حول خشية نتنياهو من ردّة فعل ترامب، وأيضاً لكونه لا يزال «يحلم على ما يبدو بهدية وداع ما» من الرئيس المنتهية ولايته، وخاصة أنه لا يزال أمام الأخير أكثر من شهرين في منصبه. ومع أن إسرائيل تدرك أن القضايا الداخلية اولويتها كورونا والتداعيات الاقتصادية ستكون هي الشاغل الرئيس لإدارة بايدن، إلا أنها تراقب بحذر شديد مواقف هذه الأخيرة من القضية الأهمّ بالنسبة إلى القادة السياسيين والأمنيين في تل أبيب، الا وهو الاتفاق النووي مع إيران، . أمّا بالنسبة إلى قضية التسوية، فالتوقعات ان تراوح مكانها ، مع ما يعنيه ذلك من استمرار الاحتلال والاستيطان، وفي المقابل عودة الرهانات ــــ الأوهام التي يبني البعض على تغير في السياسات الأمريكية .

وإذا ما أريد الوقوف على مكامن القلق الإسرائيلي من مرحلة حكم بايدن، يبدو ضرورياً تحديد معالم الواقع المستجدّ على المستويين الإيراني والإقليمي، والذي يفرض نفسه على كلّ من واشنطن وتل أبيب. بالمقارنة مع الظروف التي كانت قائمة عشية الاتفاق النووي عام 2015، لم تنجح الرهانات الإقليمية والأميركية والإسرائيلية على «داعش» واخواتها لتحقيق اهداف تلك المرحلة لم تنجح الرهانات الإسرائيلية على ما بنته من نتائج نتيجة خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي، واعتماد سياسة «الضغوط القصوى» على إيران. فلا النظام الإيراني انهار، ولا خضع للشروط والإملاءات الأميركية، ولا شَنّت الولايات المتحدة حرباً عليه، وهو ما عبّر عنه التقدير الاستراتيجي الصادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب لعام 2020. يبدو أن لا واشنطن ولا تل أبيب قادرتان على التسليم بالوقائع المتقدّمة وآفاقها المستقبلية. إذ إن إيران تعود بالتدريج إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق على المستوى النووي، والجديد في هذا المجال سَنّ مجلس الشورى قانوناً ملزماً للحكومة برفع مستوى التخصيب إلى 20 % خلال الأشهر المقبلة، فضلاً عن أن عمليات التخصيب الأخرى لا تزال مستمرّة.

أمّا قدراتها الصاروخية، وخصوصاً منها الصواريخ الدقيقة، فهي مع قدرات حلفائها في حالة تعاظم متواصل. وفي الإطار المتقدّم، نبّه رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات، في المناسبة ذاتها، إلى أن «الإيرانيين.. .جدّيون جدّاً، يقدّسون الحياة ويقدّسون التعلّم. ممنوع الاستخفاف بهم. اكتشفنا أن عندهم عملاقاً من التكنولوجية المتطورة: عالم الدقة، قذائف صاروخية، قطع طيران بدون طيار، صواريخ جوالة». هذه التقديرات تؤكد حقيقة أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يختلفان على ضرورة تغيير هذا الواقع، لكن السؤال: كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وهل إيران في وارد تعديل الاتفاق؟ وإلى أي حدود؟ وفي ضوء التجارب السابقة، هل يمكن المراهنة على تغيير موقفها من دعم حلفائها وفي مقدمتهم حزب الله في لبنان وفي فلسطين القوى المتحالفه مع محور المقاومهة؟ ثمّ ماذا عن البدائل الواقعية؟ تكشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه «اتضح من اتصالات غير رسمية جرت أخيراً بين أعضاء في الفريق الذي يبلور السياسة الخارجية والأمنية لبايدن، وبين مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى في إسرائيل، أن الإدارة المستقبلية تُعِدّ خطة لاستئناف المفاوضات مع إيران، وهذا موجود بأفضلية عليا». وتضيف الصحيفة إن «الاستراتيجية التي وضعها فريق بايدن تقوم على أساس مفاوضات مع الإيرانيين من خلال مرحلتين وقناتين منفصلتين: المرحلة الأولى هي ما بين دخول بايدن إلى البيت الأبيض (في كانون الثاني/ يناير المقبل) وانتخاب رئيس جديد في إيران في حزيران/ يونيو المقبل، والهدف منها التوصّل إلى تفاهمات مع الإيرانيين على تجميد الوضع في مجال نشر السلاح الباليستي والتدخل الإيراني الإقليمي والأنشطة النووية العسكرية. وفي المقابل، سيكون الأميركيون مستعدّين للتنازل عن العقوبات الأخيرة التي فرضها ترامب».

وفي مرحلة ما بعد انتخاب رئيس جديد في إيران، «يعتزم الأميركيون إجراء مفاوضات حول اتفاق دائم ثانٍ في كلا المجالين، النووي والإقليمي. ويستعدّون لسدّ ثقوب الاتفاق الأصلي. لكن المرحلة الثانية قد تستمرّ لفترة طويلة، ويتمّ خلالها الحفاظ على العقوبات» . في هذه الأجواء، من الطبيعي أن تعمد إسرائيل إلى رفع مستوى التهديد، ووضع نفسها في موضع المتاهب للهجوم. وهذا ما يبدو أنها بدأت التمهيد له. مع ذلك، ومهما يكن نوع الخطاب الذي ستتبنّاه إسرائيل في مواكبة استراتيجية بايدن، فإن فشل إدارة ترامب في إخضاع إيران أو إسقاطها، وتعاظم المخاطر في البيئة الاستراتيجية للدولة العبرية بالمقارنة مع ما كان سائداً عشية الاتفاق النووي عام 2015، يجعلان أقصى ما تطمح إليه تل أبيب هو أن تقوم الولايات المتحدة بردع إيران عن هذا المسار، وهو ما لم تنجح فيه إدارة ترامب، عبر تبنّي سياسة «العقوبات القصوى»، والتهويل العسكري، ولا حتى بعد مقتل سليماني. وبمعزل عن خيارات بايدن وروافعه في الضغط على طهران، ففي نهاية المطاف، سيجد نفسه أمام خيارين: إمّا الانتقال إلى سياسة أكثر هجومية، أو التراجع إلى سقوف أدنى. في ما يتعلّق بالخيار الأول، يؤكد رئيس «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، اللواء عاموس يادلين، أن الحزبين الجمهوري والديموقراطي يتّفقان على مجموعة مبادئ، من ضمنها أنه «بعد 20 سنة من الحروب، لا مزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وفي هذه النقطة بالذات يتموضع أوباما وترامب وبايدن في المكان نفسه فعلاً». من هنا، تنبع المخاوف الإسرائيلية من أنه في ظلّ صمود محور ايران ، والتزام إيران بمجموعة من الثوابت الاستراتيجية، واستعدادها للمواجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى