أقلام وأراء

علي ابو حبلة-في الذكرى 52 لحريق الأقصى الأردن متمسك بالوصاية

علي ابو حبلة – 21/8/2021

 تصادف الذكرى السنوية الثانية والخمسون الحريق الذي أضرمه مايكل روهان عام 1969، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد مخطط التهويد والتطهير العرقي ضمن محاولات ترحيل الفلسطينيين ما زالت قائمة، في 21 أغسطس/آب 1969، أقدم مايكل دنيس روهان، أسترالي الجنسية، على إحراق المسجد الأقصى، وقد أتت النيران على أجزاء واسعة من المصلى القِبلي المسقوف في المسجد الأقصى، ونحن نستذكر الذكرى الثانية والخمسون لحريق المسجد الأقصى ننوه إلى أهمية الموقف والدور الأردني الرسمي والشعبي الفاعل في دعم صمود المقدسيين والمرابطين في المسجد الأقصى ومنع المستوطنين وسلطات الاحتلال من تحقيق مآربهم التي يسعون لتحقيقها في القدس والأقصى، الأردن كان وما زال وسيبقى صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس وبصفة خاصة المسجد الأقصى المبارك.

على مدى قرون، حمل الهاشميون أمانةً خاصة، هي أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس. وعندما تسلّم الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مسؤولياته الدستورية بعد وفاة والده، الملك الحسين بن طلال حمل معها ذلك التحدّي الذي حيّر العلماء والباحثين على مدى ما يزيد على ثلاثين عاماً: وهو كيف يمكن إعادة بناء منبر صلاح الدين، ليأخذ مكانه ثانية في المسجد الأقصى المبارك في القدس.

والمنبر، وهو درج مزخرف يصعد عليه الإمام ليلقي منه خطبته، كان واحداً من أعظم الأعمال الفنية للإمبراطورية الإسلامية في أوج مجدها. وفي القرن الثاني عشر للميلاد، كانت القدس ما زالت تحت الاحتلال الصليبي. إلا أن نور الدين زنكي، صاحب حلب المسلم، استدعى أمهر الحرفيين في الدولة لبناء منبر رائع أخّاذ للمسجد الأقصى المبارك. وكان هذا المنبر رمزاً عظمة الحضارة الإسلامية، وإخلاصها لله، وتطلعها إلى استعادة السيادة على المدينة التي تأتي في المرتبة الثالثة بين الأماكن المقدّسة لدى المسلمين.

وفي عام 1187م عندما أعاد الناصر صلاح الدين فتح بيت المقدس مبتدئاً عهد الدولة الأيوبية، أحضر منبر نور الدين زنكي من حلب ووضعه في المسجد الأقصى المبارك. وقد ظلّ قائماً هناك حوالي 800 عام.

وفي عام 1969، ألقى أحد المتطرفين الصهاينة قنبلة حارقة داخل المسجد الأقصى المبارك، فاشتعلت فيه النار وكادت أن تدمّر المبنى، وكان من نتائج الحريق أن تحوّل واحدا من أعظم كنوز العالم الإسلامي إلى رماد. وبعد هذا التفجير، تعهّد الملك الحسين، باعادة بناء المنبر. فما تبقى من المنبر الأصلي قليل جداً، ولم يكن هناك رسوم سجلات مفصلة للمنبر تبيّن عملية بناءه، وأبعاده، والمواد المستعملة فيه أو هيكله الداخلي. وما عُثِر عليه هو قطع خشبية متفحمة، ولوحات فنية قديمة، وصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، غدت الأدلة الوحيدة المتوافرة للجنة التي شُكّلت للإشراف على هذا العمل الجليل. وبدا أيضاً وكأن المعرفة بتصميم وبناء أجزاء المنبر الدقيقة قد فقدت، وأنها أصبحت ذكرى من الماضي السحيق.

إن إعادة بناء المنبر ستكون أكثر من مجرّد اختبار للمهارات – فهي ستصبح جُهْداً رئيسياً عظيماً لحماية التراث الفكري للعالم الإسلامي، هذا التراث المميز الذي بدأت معالمه تختفي بسرعة. وعندما اعتلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عرش الأردن، قام مع مستشاره للشؤون الدينية الأمير غازي بن محمد، بمعاودة جهودهم لإيجاد من يستطيع إعادة رسم لوحات تبيّن ما أمكن معرفته من تصاميم المنبر.

أطلق الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، رسميا الجهد الأردني لإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي، بدلا من المنبر الذي أحرقه أسترالي يهودي عام 1969 م. وأزاح اللوحة الرئيسية عن منبر صلاح الدين الأيوبي إلى مكانها عام 2007 م في جامعة البلقاء التطبيقية، وانتهى العمل به وتم تركيب المنبر في المسجد الأقصى المبارك.

الأردن لم يألوا جهدا للحفاظ على معالم القدس وحضارتها عبر الأزمنة وهو حريص أشد الحرص على مكانة القدس الدينية والتاريخية، وقدر الأردن وفلسطين في خندق واحد لصد الهجمة الصهيونية ضد الأقصى وصحيح أن أهل القدس والضفة الغربية وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 شكلوا وما زالوا خط الدفاع الأول في صد هذه الاعتداءات اليهودية المتواصلة والمرابطين بداخله خط الدفاع الثاني حيث يشكلون دروعاً بشرية حالت حتى اللحظة دون تمكين اليهود من تنفيذ مآربهم التي لطالما حلموا بتحقيقها والتي تتلخص في محاولات تقسيمه بداية زمانياً ومكانياً ومن ثم الاستيلاء عليه وهدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه.

إن سلطات الاحتلال تعرقل «أعمال الترميم الضرورية في المسجد الأقصى، وتفرض القوانين الإسرائيلية عليه، وتسلب الأوقاف الإسلامية صاحبة الحق الشرعي في صيانته وترميمه وإدارته، صلاحياتها». ان تزايد الاقتحامات للمسجد مقدمة لتقسيمه زمانيا ومكانيا، وهو ما لا تخفيه جماعات يمينية إسرائيلية وأيضا مسؤولون ومشرعون صهاينة.

وفي هذا الصدد، تؤكد الهيئة الإسلامية العليا أن مساحة الأقصى، هي 144 دونماً (الدونم الواحد ألف متر مربع) تشمل المسجد القِبلي الأمامي، ومسجد قبة الصخرة المشرفة، والمصلى المرواني، ومصلى باب الرحمة، وكذلك المساطب واللواوين والأروقة والممرات والآبار والبوابات الخارجية وكل ما يحيط بالأقصى من الأسوار والجدران الخارجية بما في ذلك حائط البراق.

وإن هذا المسجد هو «للمسلمين وحدهم بقرار رباني إلهي من الله عزّ وجل، وهو يمثل جزءاً من إيمان ما يقارب ملياري مسلم في العالم». وأن: «لا علاقة لغير المسلمين بهذا المسجد لا سابقاً ولا لاحقاً، كما لا نقر ولا نعترف بأي حق للصهاينه فيه، والاردن والفلسطينيون والعرب والمسلمين جميعا يرفضون الاعتداءات التي يقوم بها المتدينون غلاة الصهاينة من اقتحامات متتالية رحاب الأقصى التي هي جزء منه».

ان قرار منظمة «يونسكو» الذي صدر واعتبر أن المسجد الأقصى «خاص للمسلمين وحدهم، ولا علاقة لليهود به، وأن مدينة القدس مدينة محتلة، وأن إجراءات سلطات الاحتلال بحق المدينة هي إجراءات باطلة وغير قانونية، مع الإشارة إلى أن مدينة القدس تم وضعها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في ظل الاحتلال منذ عام 1981».

وفي إشارة إلى محاولة حكومة تل أبيب تمرير قرارات قضائية إسرائيلية تمس من سلطات دائرة الأوقاف الإسلامية في المسجد، قالت الهيئة الإسلامية: «إن المسجد الأقصى أسمى من أن يخضع لقرارات المحاكم ولا الحكومات، وهو غير قابل للمفاوضات ولا المقايضات ولا التنازلات، كما أن الأقصى غير خاضع للبيع» هذا هو الموقف الاردني والفلسطيني الراسخ والثابت في مواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف طمس معالم القدس.

وبالذكرى ال 52 نتوجه بتحية اجلال واكبار للقيادة الهاشمية حرصها على القدس وحماية المقدسات في القدس ونتوجه إلى كافة الدول العربية والإسلامية لـ «تحمل مسؤولياتها تجاه المسجد الأقصى والأماكن المقدسة و: «يتوجب على الحكومات في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه القدس والأقصى المبارك، وأن يتداركوا الموقف قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم، والله عزّ وجل سيحاسب كل من يقصر بحق القدس والأقصى».

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى