شوؤن عربية

على خلفية الانفتاح الخليجي على إسرائيل .. هل تُصعّد إيران من تحركاتها ضد دول الخليج؟

د. إسراء إسماعيل  *- 27/9/2020

في 13 أغسطس الماضي (2020)، أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، تبعه اتفاق مماثل مع البحرين في 11 سبتمبر. ومنذ ذلك الحين توالت التصريحات التصعيدية الإيرانية، حيث عارض الرئيس الإيراني “حسن روحاني” الاتفاق الإمارتي-الإسرائيلي، وذهب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء “محمد باقري”، إلى أن “القوات المسلحة الإيرانية ستتعامل مع الإمارات وفق معادلات جديدة”. وأكد اللواء “علي فدوي”، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، أن إيران “لن تسمح بفتح أبواب المنطقة لإسرائيل”، محذرًا من تداعيات التعاون معها. وأدانت وزارة الخارجية الإيرانية اتفاق التطبيع بين البحرين وإسرائيل.

هذه التصريحات الإيرانية تثير التساؤلات حول حجم تأثير التقارب الخليجي-الإسرائيلي على إيران، وردود الفعل الإيرانية المحتملة حياله.

مخاوف إيرانية

تستند التخوفات الإيرانية من التقارب الخليجي الإسرائيلي إلى عدة عوامل، يمكن إجمالها فيما يلي:

1- مخاوف أمنية وسياسية:

على الصعيد السياسي والأمني، يظهر تخوف إيران من توابع الاتفاق، وإمكانية إقدام دول خليجية أخرى على توقيع اتفاقات مماثلة مع إسرائيل، وهو ما حدث مع البحرين قبل مرور شهر على الاتفاق مع الإمارات. ومن المتوقّع قيام دول أخرى بخطواتٍ مماثلة. وتنظر إيران لهذه الاتفاقات على أنها موجّهة ضدها؛ وتمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها، وخصمًا من نفوذها في المنطقة، هذا فضلًا عن أن أذربيجان، الجارة الشمالية لإيران، حليفة لإسرائيل مما يعني تطويق إيران وحصارها سياسيًا.

وترى طهران أنه بموجب هذه الاتفاقات سيصبح لإسرائيل موطئ قدم في الخليج. ويتخوف المحللون الإيرانيون من أن الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات قد يسمح في مرحلة لاحقة بإنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية في مواجهة إيران في الخليج؛ حيث تتواجد معظم حقول النفط والموانئ والمفاعلات النووية الإيرانية على سواحل الخليج. كما قد يسهل ذلك من عمليات التجسس على إيران؛ خاصة أن الإمارات تُعد أقرب الدول مسافة من الناحية الجغرافية إلى إيران.

2- مخاوف اقتصادية من المنافسة الإسرائيلية:

لا تعود المخاوف الإيرانية من موجة الاتفاقات الخليجية مع إسرائيل إلى دوافع أمنية فقط، بل تشمل مخاوف اقتصادية أيضًا، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي يُواجهها النظام الإيراني بسبب حزمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضدها، فضلًا عن تداعيات جائحة كورونا. وتتعمّق المخاوف الاقتصادية الإيرانية من كون الإمارات مثلت ثاني أكبر وجهة تصدير لإيران (خلال الفترة من مارس – أغسطس 2020)، وفقًا لصحيفة “فاينانشال تريبيون” الإيرانية؛ حيث صدّرت إيران إلى الإمارات 1.77 مليون طن من البضائع بقيمة 2.66 مليار دولار. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.48 ملايين طن من السلع غير النفطية، بقيمة 6.16 مليارات دولار، وبلغت صادرات إيران إلى الإمارات 7.71 ملايين طن بقيمة 3.49 مليارات دولار خلال الفترة نفسها.

وتُعتبر دبي مركزًا للأعمال التجارية الإيرانية الخارجية. ووفق موقع “جاده إيران”، يوجد نحو 3000 شركة إيرانية في الإمارات، وبالتالي فالنظام الإيراني ليس أمامه خيارات كثيرة، مما يدفعه للتخوف من أن يتسبب الاتفاق مع إسرائيل في التأثير سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من خلال دخول الشركات الإسرائيلية على خط المنافسة مع الشركات الإيرانية داخل سوق الإمارات، واقتناص إسرائيل فرصًا وصفقات تجارية مع الإمارات من إيران.

ومن جانبها، تسعى الإمارات لخفض التوتر في المنطقة بشكل عام، وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، وليس أدل على ذلك من لقاء قائد خفر السواحل الإماراتي العميد “مصباح الأحبابي” بقائد حرس الحدود الإيراني العميد “قاسم رضائي” في نهاية يوليو 2019 في طهران؛ بهدف التنسيق المشترك للحفاظ على سلامة التجارة البحرية، وذلك بالرغم من تخفيض الإمارات مستوى علاقاتها مع إيران منذ يناير 2016؛ بسبب تصاعد التوتر بين السعودية وإيران بعد اقتحام مقر السفارة السعودية في طهران. كما تم إجراء مباحثات بين وزيري الخارجية الإماراتي والإيراني، في أغسطس 2020 عبر الفيديو كونفرانس، للتباحث حول قضايا المنطقة وفي مقدمتها أزمة جائحة كورونا، مما يعكس انفتاح الإمارات على كافة الأطراف لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات.

ومن ثمَّ، على الرغم من التهديدات الإيرانية بانتهاج سياسة مختلفة تجاه الإمارات، فإن الدلائل تُشير إلى أنها لا تعدو كونها مجرد تصريحات دعائية لحفظ ماء وجه النظام أمام مؤيديه؛ إذ يشكل العداء لإسرائيل أحد المنطلقات الأيديولوجية التي يرتكز عليها النظام الإيراني لتعبئة الداخل ونشر أيديولوجيته في المنطقة، مما يرجح استمرار التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة المقبلة. ومما يؤكد ذلك تصريح رئيس الغرفة التجارية الإيرانية الإماراتية المشتركة في نهاية شهر أغسطس الماضي الذي أكد فيه استمرار تنامي العلاقات التجارية بين البلدين، وتأكيده أن الإمارات تُعد ثاني أكبر شريك اقتصادي لإيران.

ردود الفعل الإيرانية المحتملة

يُمكن إجمال التحركات الإيرانية المحتملة في الفترة القادمة، في عددٍ من المسارات، تشمل:

1- تعزيز تحالفات بديلة:

في مواجهة هذه الاتفاقات قد تلجأ إيران إلى تعزيز تحالفات بديلة؛ ففي ضوء الأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تواجهها كل من إيران وتركيا، لم يكن مفاجئًا قيامهما باستغلال الاتفاق لتعزيز شعبية نظاميهما من خلال معارضة اتفاقات التطبيع الخليجي مع إسرائيل وإدانتها، وذلك إضافة إلى أنها ستعمل على تفاقم عزلتهما في المنطقة، والتي بدورها قد تدفع إلى مزيد من خطوات التقارب وليس التحالف بينهما، بما يتماشى مع سياستهما. فعلى الرغم من الخلاف بين السنة والشيعة؛ إلا أن مصالح النظامين الجيوسياسية والأمنية في المنطقة تطغى على الخلافات المذهبية، في سبيل تحقيق أهدافهما الإقليمية. وقد تجلَّى ذلك بوضوح في تشابه تصريحات نظام “أردوغان” مع التصريحات الإيرانية؛ حيث عارض الاتفاق بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وهدّد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات وإغلاق سفارتها في تركيا. وفي ضوء ذلك، قد تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الدعم الإيراني للميليشيات الإرهابية المسلحة التابعة لتركيا وحكومة الوفاق في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي والدول الحليفة له، في مقابل استمرار التعاون التركي مع إيران رغم العقوبات المفروضة عليها.

كما قد يدفع التقارب الخليجي مع إسرائيل أيضًا إلى مضيّ إيران قدمًا في الشراكة الاستراتيجية مع الصين، التي تم تسريب وثائق حولها، على الرغم من الشكوك المثارة حول إمكانية إتمامها؛ نظرًا لوجود انتقادات إيرانية داخلية تجاهها، استنادًا إلى أنها تمسّ سيادة إيران وفق العديد من التحليلات والمواقف الإيرانية الداخلية. وتجدر الإشارة إلى أن التعاون بين طهران وبكين يأتي في سياق مبادرة “الحزام والطريق”، ويتضمن تطوير البنية التحتية ومشروعات تمتد إلى آسيا الوسطى، ومن الخليج العربي حتى بحر قزوين، وهو ما قد تلجأ إليه إيران رغم الانتقادات باعتباره الملاذ الأخير لتعويض تآكل نفوذها المحتمل من جرَّاء التقارب الخليجي مع إسرائيل.

2- الإصرار على تنفيذ البرنامج النووي:

فيما يتعلق بسياسة “الضغط القصوى” التي تنتهجها الإدارة الأمريكية تجاه إيران، فقد أشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل من شأنها أن تزيد من حدة تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران؛ ذلك أن تعزيز التعاون العربي مع إسرائيل والولايات المتحدة سيؤدي إلى إعاقة كثير من القنوات المالية السرية التي يستخدمها النظام الإيراني للتحايل على العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

من ناحية أخرى، تُعطي اتفاقات التطبيع الخليجي مع إسرائيل دفعة لإدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”؛ وتدعم فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة؛ حيث تساهم في تعزيز صورته كوسيط ناجح للسلام في المنطقة، مما قد يؤثر على فرص نجاح “جو بايدن” الذي يمثل البديل الأمثل بالنسبة لإيران أملًا في تهدئة التصعيد ضدها والعودة إلى الاتفاق النووي. أما في حالة نجاح “ترامب” في الانتخابات فقد يتسبب ذلك في استمرار التصعيد وسياسة الضغط القصوى التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، وساهمت في زيادة الاحتقان الداخلي ضد النظام. وفي هذه الحالة قد تتسبب هذه التطورات في إصرار إيران على تنفيذ برنامجها النووي، وتبنّيها سياسة “حافة الهاوية”، وميلها إلى التصعيد العسكري، بهدف تهديد خصومها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما قد يدفعهم إلى التراجع، ومحاولة التوصل لتفاهمات معها، وهو ما تتضح بوادره من خلال الموقف الأوروبي الراهن من رفض محاولة واشنطن تفعيل آلية “سناب باك”، وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.

3- تصعيد عسكري واستفزازات سياسية:

تثار احتمالات حول إمكانية قيام إيران بالضغط على روسيا لبيعها أسلحة دفاعية متطورة، مثل S-400، وذلك في ضوء احتمالات إتمام الولايات المتحدة صفقة بيع طائرات F-35 إلى الإمارات. كما تشير التوقعات إلى احتمال استمرار إيران في مضايقة ناقلات النفط الإماراتية والسعودية، مع إمكانية استخدام طائرات بدون طيار على غرار هجمات الطائرات بدون طيار الإيرانية على محطة معالجة النفط السعودية في بقيق في سبتمبر من العام الماضي.

من ناحية أخرى، قد تدفع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والبحرين إلى سعي إيران إلى إثارة الاحتجاجات وعدم الاستقرار في البحرين، إضافة لدول المنطقة الأخرى التي يتمتع فيها أتباعها ووكلاؤها وميليشياتها المسلحة بدور فاعل، وذلك لتأليب شعوب هذه الدول على الأنظمة الخليجية؛ بهدف إرباكها والضغط عليها بعيدًا عن التقارب مع إسرائيل والولايات المتحدة. أضف إلى ذلك تزايد احتمالات الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن، إذ ستعمل إيران على استغلال الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل لحشد مزيدٍ من الأتباع والمناصرين في اليمن ضد دول التحالف العربي، بدعوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والدفاع عن القضية الفلسطينية.

ختامًا، يمكن القول إنه بالرغم من أن المعطيات الراهنة تُشير إلى اتخاذ إيران موقفًا معارضًا ومتحفزًا تجاه الانفتاح الخليجي على إسرائيل، والذي اتضح من خلال تعدد التصريحات الحادة الصادرة عن مستويات إيرانية رسمية مختلفة؛ إلا أن الإمارات قد تتمكن في إطار اتفاق التطبيع مع إسرائيل من القيام بدور الوسيط بين إيران من ناحية وإسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى. وبالرغم من صعوبة تصور تحقيق هذا السيناريو على المدى القريب؛ إلا أنه في ضوء دبلوماسية الإمارات الهادفة إلى خفض التوتر والتصعيد في المنطقة وتطوير علاقات تعاونية، وفي ظل تزايد الضغوط على النظام الإيراني وانهيار العملة وتراجع الاقتصاد، وزيادة عدد الدول التي قد تلحق بالإمارات؛ فليس من المستبعد إمكانية نجاحها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.

* د. إسراء إسماعيل –  خبير في الشئون السياسية والأمنية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى