أقلام وأراء

علاء الدين أبو زينة يكتب – لماذا اعتناق القضية الفلسطينية

علاء الدين أبو زينة   –  23/8/2020

أصبح من المعتاد أن نرى على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات من عرب، منهم «مثقفون» و«مفكرون» من قبيل: «القضية الفلسطينية ليست قضيتي». ولم يكن هذا الاتجاه معتادا في المجتمعات العربية، ربما كان البعض من العرب ينطوون على آراء متطرفة بشأن أحقية غزاة في استعمار بلد عربي، أو ملوا وشعروا أن بلدانهم تدفع كلفا بسبب فلسطين، لكنهم لم يكونوا يجرؤون على إعلان آرائهم الملأ، وفي الحقيقة، حتى في هذه الأوقات المضطربة، يتعرض هؤلاء بلا استثناء للهجوم والاحتقار من مواطنيهم وبقية العرب، لكنهم يجرؤون مع ذلك –ربما متشجعين بمواقف أنظمة لم تعد متحفظة هي في إعلان تخليها عن القضية الفلسطينية علنا هي الأخرى.

في الحقيقة، لا يمكن إلغاء الجوانب العاطفية والقومية لتعاطف العرب –والمسلمين- مع فلسطين، إن هذا شأن طبيعي في كل مكان حيث ينحاز الناس إلى جنسهم، خاصة إذا كان صاحب حق. لكن التعاطف مع القضية الفلسطينية –بل واعتناقها كقضية شخصية في كثير من الأحيان، ليس شأنا خاصا بالعرب، ثمة أناس من كل الجنسيات والأديان–ومن اليهود أنفسهم- ممن يعلنون تعاطفهم مع القضية الفلسطينية ويناصرونها، والشرط الأساسي لاتخاذ موقف مناصر من هذه القضية هو المعرفة عن حقائقها وتاريخها، وعندئذ، لن يكون من الصعب على أي إنسان شريف أن يتخذ موقفا مناصرا. وبغير ذلك، سيبرر وقوفه ضدها إما بقصة «الحق الإلهي»، أو بقناعته أن فلسطين لم يكن فيها شعب في 1948 –أو أنه يخدّر ضميره لقاء مصلحة.

بالنسبة للعرب، ينبغي أن تكون المعرفة عن تاريخ فلسطين وكيفية استعمارها بديهية، كجزء من معرفتهم بتاريخهم وهويتهم، ولا يلزم أن يتعاطفوا معها بدفع العصبوية أو الغيرة القومية أو الأضرار التي ألحقها وجود الكيان الصهيوني ومتعلقاته بحياة الإنسان العربي في كل مكان، يلزمهم فقط أن ينظروا إليها مثل أي قضية إنسانية أخرى، على أساس الحق والمعايير الأخلاقية الكونية، ولا أتصور أن الأحكام في هذه القضية –كما يعبر عن ذلك كتاب وساسة وفلاسفة غربيون وشرقيون ومن اليهود أنفسهم- مسألة إشكالية بالنسبة للعربي.

في الحقيقة، ليس الأمر أن المواطنين العرب من المحيط والخليج يشتغلون جميعا بالقضية الفلسطينية 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع، إنهم ينشغلون بأحوالهم ومعاشهم ويُعبرون عن مواقفهم من فلسطين حين يلزم ذلك أو يُسألون عن رأي. ويدرك الكثيرون من العرب، ممن يتأملون السياقات الأوسع، أن وجود الكيان الصهيوني في المنطقة ومشروع الهيمنة الغربي/ الأميركي لإخضاع العرب لمصالحه، تضر بهم حتما في التحصيل الأخير. وهذه السياقات العامة للصراع لم يصنعها الفلسطينيون، وإنما فُرض الصراع عليهم كأي شعب يتعرض للغزو والاحتلال. وكانت فلسطين مدخلا إلى الهيمنة على العالم العربي، وما دعا إليه أخيراً «ناشط» عربي من أن تكون العواصم العربية مفتوحة كلها للـ«إسرائيليين» وأن تُضم «إسرائيل» إلى جامعة الدول العربية ويُغير اسمها إلى جامعة دول الشرق الأوسط.

لذلك، ربما ليس من الضروري أن يظهر عربي على مواقع التواصل الاجتماعية ليعلن أن فلسطين ليست قضيته. مَن الذي سأله في الأساس؟ ولماذا يتعمد إيذاء مشاعر الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب، والمراقبين من المتعاطفين والأنصار من غير العرب؟ ولماذا يُفرد نفسه عن المجموع ليعلن أن قضية إنسانية وعالمية بهذا الحجم ليست قضيته (وهو ما يعني في حالته أنه يتبرأ من مكونات أخلاقية وقومية ودينية وكونية أساسية)؟ كان يكفيه أن يحتفظ برأيه لنفسه ولدائرته القريبة، ولا يعلن عن خلع قضية طرفها الآخر الاحتلال، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، والتمييز العنصري، والقتل المنهجي واستخدام القوة المتطرفة ضد مدنيين، سواء كان ذلك ضد عرب أو أي آخرين.

لا يستطيع إنسان متحضر يدعي لنفسه صفة الإنسانية إعلان أن احتلال أي بلدٍ في العالَم وتشريد أهله وتغيير اسمه وهويته ليس قضيته، خاصة عندما لا تكون القضية إشكالية لكل المطلعين المحايدين الشرفاء، لكنّ هناك، من «العرب»، من يتقصّدون إلحاق ضرر بليغ بقضية الشعب الفلسطيني ويقتلونه ويحبطون نضالاته، في تآمر غير حكيم على أنفسهم وبلدانهم. وللأسف، لم يعُد هؤلاء يُحاسبون على أساس العمالة المُعلنة لكيان استعماري معادٍ لكل العرب، والذي لم يتكلف عناء إخفاء فوقيته وازدرائه لكل أهل هذه المنطقة بلا استثناء –أو على أساس مناصرة نظام عنصري بالتعريف، كأضعف الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى