أقلام وأراء

علاء الدين أبو زينة يكتب – زهوّ خائفين ..!

علاء الدين أبو زينة *  – 17/9/2020

كثيرون من أنصار الكيان الصهيوني في فلسطين يحتفلون بالأخبار؛ يعتبرونه انتصاراً و”خطوات مهمة على طريق السلام في الشرق الأوسط”. منهم رئيس وزراء الكيان المبتسم جداً، برغم أزماته، ومنهم كتُاب غربيون بارزون ممن يزعمون أنهم يفهمون المنطقة التي يتجولون فيها أكثر من بلدانهم (توماس فريدمان، مثلاً).

في الخلفية، كان منتخب الكيان يتسابق مؤخراً في بطولة أمم أوروبا لكرة القدم. ليس في دورات آسيا أو غرب آسيا، ببساطة لأنهم لا ينتمون إلى هنا. ومن سوابق رياضيينا العرب الذين خسروا منازلات عن طيب خاطر رفضاً لمشاركة أي شيء مع ممثل للكيان، فإن لاعبي منتخباتنا العربية يغلب أن يأنفوا من الاجتماع مع أفراد الكيان الاستعماري في عرض من أي نوع، ما لم يكن ذلك بالعصا.

لم تنجح “المعاهدات” التي أبرمها الكيان منذ عقود في جعله مقبولاً بأي شكل لدى الشعوب العربية صاحبة العلاقة والبعيدة. لا يمكن أن يسير “إسرائيلي” في أي شوارع عربية بأي شارة تدل على انتمائه ويكون آمناً. ولن يكون أي عربي مرتاحاً مع جنود الاحتلال المدججين بأجهزة القتل في شوارع فلسطين المحتلة. وسيكون شعوره الغالب هو القهر من أن هذه الأرض العربية التي هي له، يغتصبها غرباء اليد والوجه واللسان. فما الذي يبتهج له قادة الكيان وأنصارهم والكُتّاب الغربيون المنحازون الذين يُفترض أنهم يعرفون أفضل؟

إذا كان الابتهاج مُسبباً بإخراج أحد من المعركة ضد الكيان أو كسب أحد أوتغيير عقليته، فليس هذا واقع الأمور. إنها تكوينات منفصلة عن محيطها وعواطفه، معروفة الموقف سلفاً، دينُها مصالحها وبقاؤها الفردي. وإذا كان الأمر يتعلق بشرعنة وجود كيان استعماري، بلسان المستَعمر، فإن الكيان ورعاته لم يكونوا معنيين تماماً بمسألة الشرعية لأنّهم يملكون تعريفهم الرائج لها، والذي يُباع على العالَم بالقوة.

الشرط الوحيد لأن يصبح أي فرد أو كيان طبيعياً في منطقة، هو أن يكون منها، معجوناً بروحها ولغتها وثقافتها وأشواقها. أو على الأقل، أن يرغب طوعاً في أن يكون كذلك كمسألة اختيار. أو، أن يتمكن من صبغ المحيط كاملاً بصبغته عن طريق إبادة/ محو/ إلغاء المكونات البشرية والثقافية والوجودية السابقة بحيث يتنفس في المكان كله وحده، كما فعل المستوطنون الأوروبيون في أميركا. وهذه الشروط مستحيلة في حالة المستعمرين/ المستوطنين الأوروبيين في فلسطين وفي وسط المنطقة العربية. وقد أصرّ هؤلاء على تمييز أنفسهم بكل ما هو مكروه ومنفر ومغاير، بحيث أن أي شيء لن يجعلهم “يلعبون” في المنطقة كـ”فريق” طبيعي تمكن المنافسة معه بنزاهة.

هناك الفلسطينيون (ليس “السلطة”) أصحاب الأرض، وهم بالملايين، الذين لا يمكن أن يتسامحوا –لا قلبياً ولاعملياً- مع عيش غزاة وأعداء وجوديين على أرضهم بسلام. وكما هو منطق التاريخ، هي مسألة توازنات وظروف متقلبة كما هو حالها دائماً.

يعرف قادة الكيان وأنصاره وأفراده أن أهم شرط لـ”السلام في الشرق الأوسط” كما تفهمه شعوب المنطقة، هو انتهاء المشروع الاستعماري/ الاستيطاني الغريب والمعادي وعنصر التوتير الأكبر فيها. ويعرفون أن كياناً بهذا التكوين لا يمكن أن ينعُم بالسلام، بالتعريف. سوف يراوح دائماً في نطاقه الخانق المتوتر كما هو. سوف يبقى مدركاً لحقيقة أنه لا ينتمي إلى ناس المنطقة ولا ينتمون إليه، ولا يفهمهم ولن يفهموه. وقد فعل كل شيء حتى لا تكون بينه وبينهم علاقة حب، ولا إعجاب، ولا مجرد حديث غرباء مختلفي اللغة يلتقون على فنجان قهوة.

أتصور أن الذين يفهمون تكوين المنطقة متضايقون قليلاً، وإنما ليسوا قلقين مما يحدث. وأن ابتهاج المبتهجين احتفال خائب بالوهم. لن يكون أحد أو شيء غير منسجم مع روح المنطقة وغير متدفئ بتعاطف ناسها وولائهم القلبي أكثر أمناً من شيء -بل العكس حتماً. ليست الاستعمارات والاستبداد خيارات كاسبة لأنها مشاريع خائفة دائماً بطبيعتها. وسوف يساعد الابتهاج بما لا قيمة له للمساعدة على التناسي والاستمرار شوطاً آخر. سوف يستمر المحتلون في العيش تحت الخوذات وفي الدروع الجسدية وخلف الأسوار ومع الرعب. وإذا خرجوا من ثكنتهم للتجول في الجوار، ففقط بالتخفي واللثام، والتجرد من أي شارات تدل على نوعهم غير المرحب به دائماً في هذه الأنحاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى