شؤون إسرائيلية

عصمت منصور يكتب – “معسكر التغيير” في إسرائيل .. خليط هجين ومتناقض!

عصمت منصور *- 13/4/2021

أعادت جولة الانتخابات الرابعة للكنيست الـ 24 التي جرت في 23 آذار الماضي، إنتاج أزمة الحكم التي تعيشها إسرائيل منذ عامين، كما أنها زادت الصورة تعقيدا، من خلال إحداث حالة من الخلط وإعادة الاصطفاف داخل المعسكرين المتنافسين، واللذين تم اختزال الفوارق بينهما في شخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

ومعسكر “لا نتنياهو” الذي أصبح يطلق عليه في الإعلام الإسرائيلي اسم “معسكر التغيير” هو التعبير الأمثل عن حالة التردي التي وصلت إليها السياسة الإسرائيلية، وعن تداخل الخطوط الأيديولوجية والسياسية، وانحسار قوى التغيير الحقيقية التي تتناقض أيديولوجيا مع خط اليمين الذي يمثله نتنياهو، وفوق ذلك عن ضعف بنية المعارضة وعجزها عن تشكيل بديل حقيقي، قادر على تحدي حكم نتنياهو، وإزاحته خارج مكتب رئاسة الحكومة.

في ظل التركيبة غير المتجانسة، وعدم وجود زعيم مجمع عليه، وطغيان النزعات الشخصية والطموح الذاتي، يفقد “معسكر التغيير” عوامل القوة اللازمة من أجل الاستحواذ على السلطة، رغم حصوله على أغلبية عددية تمكنه من تشكيل جسم مانع يحول دون تمكين نتنياهو من تشكيل الحكومة، إلا أنها لا تسعفه بالجلوس مكانه واستبداله.

إن قراءة مجردة لنتائج الانتخابات وتقسيمة المعسكرين المتنافسين تظهر بوضوح أن هناك معسكرا واحدا، متماسكا ومتبلورا ومنسجما سياسيا وأيديولوجيا فقط، ينافس مجموعة أحزاب تسير بلا رأس أو زعيم، ولا يجمعها شيء سوى العداء لنتنياهو.

المعسكر الذي يعلن عن نفسه صراحة أنه ضد نتنياهو (نستثني هنا القائمة الموحدة برئاسة عباس منصور التي أعلنت أنها لا تنتمي إلى أي من المعسكرين، وتقف على مسافة واحدة منهما) حصل في جولة الانتخابات الأخيرة على 64 مقعدا في الكنيست وهو ما يمكنه بسهولة (نظريا) من تشكيل حكومة بأغلبية مريحة، ولكن، ووفق ما عبر عنه وشخّصه أحد المحللين في صحيفة “معاريف” في يوم الانتخابات، فإن العداء لنتنياهو ليس كافيا بحد ذاته لإنتاج معسكر تتواجد فيه “كل القضايا الخلافية بدءا من قانون القومية، وحقوق المثليين، ومكانة يوم السبت، وصولا إلى المحكمة العليا وصلاحياتها”.

هذا التنافر بين مكونات “معسكر التغيير”، والذي لا يقف عند حدود الأيديولوجيا التي تمتد لتتسع لحزب مثل ميرتس في أقصى اليسار، إلى جانب أحزاب يمينا وجدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان، بل يضم ولو اسميا “القائمة المشتركة” التي تقف على النقيض قوميا وسياسيا وأيديولوجيا من كافة الاحزاب (الشريكة) الأخرى، التي تطعن في شرعية الاعتماد على أصواتها لتشكيل حكومة، وتتمترس خلف سياسات وقوانين تجعلها أقرب إلى نتنياهو منها إلى الأحزاب العربية.

بخلاف “معسكر التغيير”، نجد أن نتنياهو والذي حصل معسكره على 52 مقعدا فقط، أكثر قدرة على إدارة المعركة والفوز بتكليف تشكيل الحكومة وإضعاف المعسكر الآخر، من خلال استخدام أدوات الإغراء والضغط السلطوية التي لديه، وقدرة التأثير التي يمتلكها على جمهور أحزاب يمينية وجدت نفسها بسبب من عدائها له في المعسكر الآخر، وهو ما يجعلنا نجزم أن هناك معسكرا واحدا فقط، وأن “معسكر التغيير” لا يعدو كونه خليطا هجينا ومتناقضا، ولا يقف على أرض صلبة، ولا يملك أية أدوات ضغط حقيقية يمكن أن تهدد حكم نتنياهو بشكل جدي، وكل ما يمكن أن يفعله هو منعه من تشكيل حكومة فقط.

تلاشي أحزاب المركز

تشخص الكاتبة ليراز مرجليت في صحيفة “ذي ماركر” أزمة عملية التصويت في الانتخابات الإسرائيلية بأنها تحولت إلى (حالة عاطفية، لا عقلانية، تراجعت فيها قوة الأحزاب لصالح التكتلات، وغابت عنها القيم والمصالح الجامعة والأيديولوجيا)، وهو ما أدى إلى انقسام الشارع إلى كتلتين “تحكمهما مشاعر الحب الشديد لنتنياهو، أو الكراهية إلى درجة عدم احتمال وجوده”.

قضت هذه الحالة العاطفية في التصويت، وفق مرجليت، على المركز وتيار الوسط في إسرائيل، كما أنها أخفت الفوارق بين الأحزاب، وقللت من أهميتها إلى أدنى مستوى، مفسرة أن التردد الذي تم التعبير عنه في الاستطلاعات المتكررة لدى جمهور واسع من المصوتين الرافضين لنتنياهو “عاطفيا” بين جدعون ساعر ويائير لبيد، على الرغم من الفارق الهائل في الخلفية والبرنامج والأيديولوجيا بينهما، إنما يعكس “حالة من البحث عن انتماء لزعيم قوي” وليس حزب أو برنامج، وأن من لم يجد في هذين الزعيمين بديلا مقنعا عن نتنياهو اختار “عدم التصويت”.

عبر أربع جولات انتخابية متتالية خلال عامين، برزت إلى العيان أيضاً ظاهرة ضعف اليسار، والتي تحولت في الانتخابات الأخيرة إلى ظاهرة انزياح الوسط أكثر وأكثر نحو اليمين.

تصف موران أزولاي في مقالة لها على موقع “واينت” بأن أبرز ظاهرة في الانتخابات الأخيرة هي أن الصراع انتقل من كونه صراعا بين اليمين واليسار أو الوسط/ المركز، إلى كونه صراعا بين “معسكرين يمينيين” وهو صراع صدامي ومباشر ما بين “زعيم كاريزماتي مكرس ويحظى بإجماع اليمين هو نتنياهو، وتلميذه المكروه ومدير مكتبه السابق نفتالي بينيت”.

في ذات السياق، كتب نداف هعيتسني في صحيفة “معاريف” أن هذه الانتخابات هي عبارة عن صراع محتدم بين تياري اليمين “الحقيقي والزائف”، أو بين يمين “الشعارات والنزوات الشخصية” وبين يمين ” التنفيذ والأفعال على الأرض”، معتبرا أن اليمين القومي والأيديولوجي (من دون الأحزاب الدينية) بتياريه اللذين يجمعان في مواقفهما على قضايا جوهرية تخص اليمين مثل “الموقف من اتفاق أوسلو والسلطة الفلسطينية والاستيطان في الضفة والقدس، وحدود صلاحيات المحكمة العليا… إلخ” حصل على 65 مقعدا في الكنيست وهو أكبر انتصار جماهيري انتخابي له على أحزاب اليسار.

إن ضعف تمثيل أحزاب اليسار عدديا في الكنيست، وتلاشي خطابه وبرنامجه كليا في الحملات الانتخابية، الذي يأتي بالتزامن مع بدء زحف أحزاب الوسط نحو اليمين وانتقال أحزاب يمينية أيديولوجية إلى “معسكر التغيير” دون أدنى تنسيق بينها، أو محاولة التوحد في قائمة واحدة، عزز من قدرة نتنياهو على البقاء، وشجعه لأن يدعو نفتالي بينيت وجدعون ساعر إلى العودة إلى “معسكر اليمين” الذي يقوده، وعدم إضاعة فرصة تشكيل حكومة يمينية ترسخ حكم اليمين، وهي دعوة وصفها الصحافي المعروف بعدائه لنتنياهو بن كسبيت في مقالة له في صحيفة “معاريف” بأنها “دعوة وقحة” بعد كل ما فعله بهم ومحاربته لهم لدرجة “أن يسخر موقع واللا الإخباري لتشويه نفتالي بينيت” وإهماله في جولات المفاوضات الائتلافية وتعمد “إهانته واذلاله”.

العمر الافتراضي “لمعسكر التغيير” بيد نتنياهو

كلف رئيس الدولة الإسرائيلية رؤوفين ريفلين وبعد انتهاء جولة المشاورات والاستماع لتوصيات رؤساء الكتل الفائزة في الانتخابات، بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة أولا، بعد حصوله على 52 صوتا مقابل 45 صوتا ليائير لبيد وسبعة أصوات لنفتالي بينيت، وامتناع القائمتين العربيتين وحزب جدعون ساعر عن التوصية على أحد.

تظهر هذه النتيجة بشكل فاقع حالة عدم الثقة والانسجام بين مكونات “معسكر التغيير”، وهو ما يمنح نتنياهو الفرصة للتحكم مرة أخرى في جدول أعمال الحلبة السياسية وإعادة خلطها من خلال استهداف الأحزاب ذات الجذور اليمينية، والتي تستمد شرعية وجودها ليس من عدائها له بقدر ما تستمدها من جمهورها اليميني.

وقد فشل جدعون ساعر في أن يحل مكان نتنياهو، وأن يسحب مصوتي الليكود إليه، كما فشل نفتالي بينيت في أن يسوّق نفسه على أنه حزب يميني عريض، وليس حزبا قطاعيا عريضا يتسع لجمهور اليمين، بينما نجح نتنياهو في الحفاظ على جمهوره، ونجح في تعزيز المنافسة لصالحه لدى أوساط الصهيونية الدينية، من خلال دعمه للوحدة بين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من أتباع كهانا وحصولهما على عدد من المقاعد يساوي ما حصل عليه جدعون ساعر.

ستنصبّ محاولات نتنياهو في تشكيل حكومة على جدعون ساعر ونفتالي بينيت لأنهما لا يمتلكان “الشرعية” الكافية لدى جمهور اليمين في الذهاب للتحالف مع يائير لبيد وحزبي العمل وميرتس على حساب حكومة من اليمين، كما أنهما قد يفقدان الكثير من قوتهما في حال الذهاب إلى جولة انتخابات خامسة.

محاولات نتنياهو هذه قد لا تعطيه ائتلاف الأحلام الذي يبحث عنه، ولكنها ستقدم له نقطة هجوم مريحة ضدهما في الانتخابات القادمة إذا ما فرضت عليه، أو تجعله يمتلك المسوّغ للذهاب والبحث عن الصوت العربي.

الصوت العربي الضائع

لا يعتبر انقسام القائمة العربية المشتركة على ذاتها، وتراجع قوتها وانخفاض نسبة التصويت في المجتمع العربي، الخسارة الوحيدة التي منيت بها في هذه الانتخابات، إذ إن وقوف القائمة الموحدة على الجدار، وعدم الخروج بموقف واضح ضد حكومة ونهج بنيامين نتنياهو، وإبداء الاستعداد للتعاون معه، أفقد الصوت العربي في الكنيست قيمته وقدرته على المناورة وقطع الطريق على نتنياهو في تشكيل حكومة، أو سن قوانين تقيد معسكر نتنياهو، وبدل ذلك فإن هذا الحياد منح نتنياهو هامشا أوسع للضغط على جدعون ساعر والأحزاب اليمينية الأخرى التي تتخوف من قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة بمعزل عنها.

وإن وجود القائمة المشتركة في “معسكر التغيير” من دون أن تتمكن عمليا من أن تكون جزءا من أية حكومة يعكس جزئية أخرى تضعف هذا المعسكر ومحدودية خياراته.

“روضة أطفال”!

ربما يكون الوصف الذي أطلقه أفيغدور ليبرمان، في مقابلة أجراها معه موقع “واينت” في الثامن من آذار الماضي وقال فيها إن “معسكر لا بيبي هو أشبه ما يكون بروضة أطفال”، هو الوصف الأقرب إلى الواقع، بسبب الأنا المتضخمة لدى رؤساء أحزابه وحالة عدم الثقة التي تسود بينهم والبحث الدائم عن طرف يلقون عليه اللوم بالفشل في كل مرة، والأهم من ذلك هو عدم امتلاكهم الشجاعة الكافية للإقدام على اتخاذ خطوات جريئة وخاصة في قضية الاعتماد على الصوت العربي، وهي عوامل تفقدهم أهم الأوراق التي من خلالها يمكن أن يحققوا الشعار الذي حولوه إلى قاسم مشترك يجمعهم معا.

إلى جانب ليبرمان والذي يعد واحدا من مكونات هذا المعسكر، شكك الكاتب يارون توبرينك في مقالة له نشرها موقع “تايم أوت” بوجود شيء اسمه “معسكر التغيير”، معتبرا أن هذا المعسكر هو من صنع الإعلام، وأنه لا وجود له على أرض الواقع لأنه لا يمكن أن توجد أرضية قادرة على أن “تجمع أيمن عودة مع ليبرمان وجدعون ساعر مع مراعنة وهندل ومع ميرتس” معتبرا أن تغيير الحكم يحتاج إلى روافع حقيقية لا تتوفر في هذا المعسكر الذي “اخترعه الإعلام والمعلقون السياسيون الذي دفعوا بيني غانتس إلى أحضان نتنياهو عندما اخترعوا الحاجة إلى الوحدة في مواجهة كورونا”.

لا أدل على كل ما سبق ومن أجواء روضة الأطفال التي شبه بها ليبرمان هذا المعسكر من توقيع نفتالي بينيت عشية الانتخابات وبشكل مرتبك وارتجالي على وثيقة يتعهد فيها “أن لا يجلس في حكومة يترأسها يائير لبيد” وهو الذي يفترض أن يكون رئيس أكبر حزب في هذا المعسكر، وكل هذا من أجل أن ينافسه على الفوز بمنصب رئاسة الحكومة رغم حصوله على سبعة مقاعد فقط في هذه الانتخابات.

قد يفشل نتنياهو في تشكيل حكومة، إلا أن المعسكر المضاد له لن يتمكن من إزاحته وتشكيل حكومة بديلة عن حكومته، ليبقى هذا الطموح مجرد شعار فارغ إلا أنه حيوي ووجودي بالنسبة لأحزاب تفتقر لبرنامج حقيقي ولا تجد ما يمكن أن يفرقها عن بعضها أو يميزها أيديولوجيا، وفي ظل تحول المنافسة إلى منافسة شخصية وحول الأسماء فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى