أقلام وأراء

عصام نعمان يكتب- نتنياهو فعلها وترامب باركها أين سيكون الرد وكيف وهل يتطور إلى حرب؟

عصام نعمان  *- 30/11/2020

قبل 55 يوماً من انتهاء ولاية دونالد ترامب الرئاسية في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، فعلها بنيامين نتنياهو. أمَرَ باغتيال العالم البارز محسن فخريزاده، رئيس مؤسسة البحث والتطوير العلمي، ومساعد وزير الدفاع الإيراني امير حاتمي. العملية الاستخباراتية المدوّية نُفذت على مقربة من طهران العاصمة، وخلّفت أصداء ومخاوف واسعة في كل أنحاء العالم. كبار القادة الروحيين والسياسيين والعسكريين الإيرانيين حمّلوا «إسرائيل» المسؤولية عن الجريمة النكراء، وتوعّدوا بالرّد، اللافت بين ردود هؤلاء أربعة:

*تأكيدُ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي على وجوب ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة كل الضالعين في عملية الاغتيال.

*قولُ رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني «إن الثأر حتمي وسيكون في الزمان والمكان المناسبين».

*توعّدُ رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف جميع الجهات التي سيشملها الرد بقوله: «انتقامنا سيشمل كل من نفذ ووقف خلف اغتيال محسن فخري زاده».

*تهديدُ رئيس هيئة الاركان المشتركة اللواء محمد باقري بأن «انتقاماً صعباً سيكون في انتظار المجموعات الإرهابية وقياداتها المسؤولة، ولن نتوانى عن مطاردة ومعاقبة المسؤولين عن هذا الاغتيال».

خطورة عملية الاغتيال وتوقيتها طرحا جملة أسئلة:

من هم وراءها؟ وهل من دور للولايات المتحدة فيها؟

ما هدفها النهائي؟

أين يمكن أن يكون موقع الرد الإيراني المنتظر، ومتى؟

هل يمكن ان يجري الرّد في عمق «إسرائيل»؟

هل يمكن أن يشمل الرّد قواعد عسكرية امريكية في المنطقة؟

ثمة مؤشرات إلى أن لرئيس حكومة العدو نتنياهو صلة مباشرة بالعملية. فقد سارع بعد انتشار خبرها إلى التغريد عبر «تويتر»: «أنا أريد أن أشارككم قائمة امور قمتُ بها هذا الاسبوع، وهي قائمة جزئية لأنني لا أستطيع أن أقول لكم كل شيء». كما سارعت وسائل الإعلام العبري إلى التذكير بأن نتنياهو كان ذَكَر اسم العالم الإيراني المغدور فخري زاده في أحد خطاباته التهديدية بقوله: «تذكّروا هذا الاسم جيداً: فخري زاده». من الواضح ان ترامب كــان على علــمٍ بتنفيذ عملية الاغتيال، فهو بادر فور انتشار خبرها إلى اعادة نشر تغريدة لصحافي «إسرائيلي» حول دور «إسرائيل» فيها وباركه. غير ان الأمـر الأوضح هو ما نقلته صحيفــة «نيويورك تايمز» عن لسان مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية C.I.A. بأن عملية الاغتيال هي جهد إسرائيلي- أمريكي مشترك. أما الهدف النهائي للعملية فالأرجح أنه لوضع إدارة الرئيس جو بايدن أمام أمر واقع وراسخ، هو صعوبة تنفيذ وعده بعودة بلاده إلى الاتفاق النووي، الذي كان ترامب قد سحب أمريكا منه. كما يمكن إدراجه في خانة سعي «إسرائيل» المتواصل لتقويض قدرات إيران والحؤول دون امتلاكها سلاحاً نووياً. في هذا السياق، فإن إقدامها على اغتيال فخري زاده (الذي تُطلق عليه وسائل الإعلام العبري» لقب ابو القنبلة النووية الإيرانية») يمكن اعتباره ترجمة لظنّها ان تغييبه يؤدي إلى تعطيل أو على الأقل إضعاف البرنامج النووي الإيراني، وكذلك برنامجها الصاروخي الباليستي، الذي لفخري زاده إسهام كبير في تطويره. أين يمكن ان يكون مكان الردّ الإيراني؟ يصعب التكهن، لكن يمكن الاستدلال عليه من وقائع رد إيران على عملية اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، إذ حرصت طهران على ضرب قاعدة الأسد الامريكية في العراق، لكون اغتيال سليماني وقع على مقربة من مطار بغداد. في ضوء ذلك يمكن التكهن بأن ثبوت دور «إسرائيل» في اغتيال فخري زاده سيدفع طهران إلى الرّد بضرب موقع في عمقها. وإذا ما ثبت ان للولايات المتحدة دوراً في عملية الاغتيال فإن إيران قادرة على أخذ ثأرها في ايٍّ من قواعدها المنتشرة في بلدان الخليج، ناهيك من العراق وسوريا وافغانستان. متى يكون الرّد؟ في الوقت المناسب، قال الرئيس روحاني، ولعل الوقت الأنسب هو قبل أو بعد ساعات معدودة من موعد انتهاء ولاية ترامب في 20 يناير المقبل.

“نقلت «نيويورك تايمز» عن لسان مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية أن عملية الاغتيال هي جهد إسرائيلي- أمريكي مشترك “.

إلى ذلك ، ينهض سؤال ملحاح: كيف سيكون حجم الرد الثأري الإيراني ومستواه، وهل سيكون متناسباً مع حجم عملية اغتيال فخري زاده؟ أم غير متناسب معها بالنظر إلى الأهمية البالغة للعالم الإيراني البارز؟

أستشفُّ من منطوق تصريحات القادة الإيرانيين، خاصةً تصريح رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، أن ردّ إيران لن يكون تقليدياً ومتناسباً، ولعلني أميل إلى الاعتقاد بأنه سيكون غير عادي وغير متناسب، كأن يستهدف منطقة الجولان السوري المحتل حيث لـِ»اسرائيل» قواعد عسكرية ومستوطنات مسلّحة متعددة تنطلق منها غالباً اعتداءاتها الصاروخية المتكررة على مواقع الجيش السوري، جنوب دمشق، وعلى مواقع تزعم تل أبيب أنها لقوات عسكرية إيرانية في سوريا. الانتقام من «إسرائيل» في الجولان المحتل يُنتج خدمةً مزدوجة لإيران وسوريا معاً. فهو المكان الأقل استثارة لردود فعلٍ سلبية من حلفاء «إسرائيل» وأصدقائها، لكونه ارضاً محتلة ألحقتها بكيانها خلافاً لأحكام القانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة. الانتقام من «اسرائيل» في الجولان المحتل ليس خياراً مستبعَداً. ومع ذلك، يبقى التساؤل وارداً حول ما إذا تتأتى عن تنفيذه ردود فعلٍ قوية من جانب «اسرائيل» وامريكا قد تتطور تالياً الى حرب إقليمية شاملة؟ إنها حربٌ تنطوي على صراع إرادات وليس على صراع موازين قوى فحسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى