أقلام وأراء

عريب الرنتاوي: ما بعد الانتخابات اللبنانية المزيد من الشيء ذاته

عريب الرنتاوي 2022-05-29

خسر «حزب الله» الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، لكن خصومه السياسيين لم يربحوها في المقابل.. مرحلة ما بعد انتخابات الـ15 من أيار النيابية اللبنانية، تبدو أكثر تعقيداً من المرحلة التي سبقتها. الفسيفساء التي انتهى إليها البرلمان اللبناني، تجعل من الصعب على أي فريق الحصول على كتلة وازنة، تمكنه من حسم استحقاقات السياسة والاقتصاد وكسب السباق على المواقع السيادية، وشيئاً فشيئاً ستجد الأطراف نفسها مرغمة على الجلوس إلى موائد التفاوض والتسويات.
لبنان لا يحكم من طرف واحد، تلكم حكمة قديمة، تعيد صناديق الاقتراع الاعتبار لها مجدداً. صحيح أن «حزب الله» خسر ما لا يقل عن عشرة مقاعد احتلها حلفاؤه في البرلمان المنتهية ولايته، وأن خصومه سجلوا تقدماً بعدد أكبر من المقاعد، بيد أن «انقلاب المشهد» لم يحدث بعد.. وصحيح كذلك أن ثمة كتلة كبيرة من حراكيي «التغيير»، دخلت الندوة البرلمانية للمرة الأولى، لكن ليس ثمة من ضمانة، بأن الذين أخفقوا في توحيد صفوفهم أثناء الحملات الانتخابية، سينجحون في «لملمة شتاتهم» وتنسيق أولوياتهم تحت القبة.
منذ واقعة استشهاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حظي خصوم الحزب بالأغلبية البرلمانية مرتين، (2005، 2009)، لم يحدث على الأرض، ما يشي بأي تغيير جذري، لا في موقع لبنان وتحالفاته ولا في بنيته وتركيبته.. جُل ما تحقق للفريق الفائز، الإتيان برئيس للجمهورية من معسكره.. ثم حملت انتخابات 2018 الحزب وحلفاءه، إلى سدة الأغلبية، فواصل لبنان طريقه نحو الانهيار، دون أن ينجح الرئيس الآتي بعد أزيد من عامين من «الفراغ»، في انتشال البلاد والعباد من براثن الطامة الكبرى.
اليوم، لا تبدو الصورة مختلفة كثيراً، فالاستحقاق الأول الذي يواجه البرلمان اللبناني الجديد، والمتعلق بانتخاب رئيس لمجلس النواب، لن يتكشف عن أي مفاجأة.. 27 نائبا شيعيا في المجلس، جميعهم من كتلة «حزب الله» وحركة أمل، لن يتقدم أي منهم لمنافسة نبيه بري على الرئاسة، وستذهب محاولات «إسقاط الرئاسة الثانية» هباء، وجُلّ ما يمكن تحقيقه: إعادة انتخاب نبيه بري بعدد أقل من الأصوات.
الرئاسة الثانية، رئاسة الحكومة، ستكون عرضة لحالة مدّ وجزر، مديدة ومريرة، ففي ظروف أخرى، استغرق تشكيل حكومة لبنانية جديدة، عاماً أو يزيد، لينتهي «درب الجلجلة» بحكومات توافقية – «ميثاقية»، سرعان ما ستسقط في الشارع إن لم يسقطها «ثلثٌ معطل»، وشبح الفشل في تشكيل حكومة عراقية جديدة، بعد انتخابات تشرين الأول الماضي، يخيم على لبنان، وثمة أكثر من فريق سياسي لبناني، يتوفر، اليوم، على ما يربو عن «الثلث المعطل» في البرلمان الجديد.
«التوافق» هي كلمة السر في المرحلة المقبلة، إن قُدّر للبنانيين الحصول على حكومة جديدة، تتخطى «تصريف الأعمال»، وتتصدى لاستحقاقات وقف الانهيار وإنفاذ خطة تعاف مالي واقتصادي، واستنقاذ الليرة اللبنانية، وترسيم الحدود البحرية واستغلال ثروة لبنان من النفط والغاز.
أما الرئاسة الأولى، فهي وحدها الساحة التي ستختبر توازنات القوى الجديدة، نجح خصوم الحزب في قطع الطريق على حليفيه للوصول إلى سدتها: جبران باسيل وسليمان فرنجية، بيد أنهم لن يتمكنوا من إيصال رئيس من صفوفهم إلى قصر بعبدا.. الجدل البيزنطي المحتدم حول من يمتلك الكتلة المسيحية الكبرى، لن يفضي إلى مطرح، والرئيس القادم للبنان، سيكون واحداً من اثنين: الفراغ أو الرئيس التوافقي من خارج قائمة المتنافسين الكبار. يبقى لبنان، كدأبه دوماً، بانتظار تطورات الإقليم من حوله لتحديد وجهة سيره اللاحقة.
التوازنات الدقيقة التي انتهت إليها الانتخابات، قد تحفز اللاعبين الكبار في الإقليم على السير في صيغ توافقية، ومعادلة «س – س» التي حكمت لبنان لأكثر من عشرية من السنين، قد تكون مرشحة للاستبدال بمعادلة «س – أ» إن قُدّر للجولات القادمة من الحوار السعودي – الإيراني أن تسجل اختراقاً، وإن تصاعد الدخان الأبيض من «مدخنة» المتفاوضين في فيينا.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى