أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب علم فلسطين في مواجهة إعصار الراية الخضراء

عدلي صادق ٢٨-٥-٢٠٢١م

تتنامى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبين الفلسطينيين الذين يتابعون الأحداث من الخارج، الانتقادات أو المآخذ على حركة حماس التي تتعمد طمس العلم الفلسطيني وتكريس رايتها الخضراء. فمن خلال مشاهدة بعض الصور، انزعج فلسطينيون كثر من خلو الاحتشادات من علم فلسطين ذي الألوان الأربعة (بما فيها الأبيض). وبخلاف البسطاء الذين لا يدركون أبعاد ذلك، بدت تلك ظاهرة غير مقبولة. فمن العيب إبراز علم حزب على علم الوطن والشعب، لكي يطغى الأخضر، وكأنه إشارة إلى النجاة وضمانة نيل الحق على مر التاريخ!

الرايات الحزبية ليست بديلا لرايات الأوطان مهما علا شأن الحزب في أيّ بلد. ويمكن للرايات الحزبية أن ترفع إلى جانب علم الوطن في مقرات الأحزاب فقط. أما في الساحات العامة والحشود الجماهيرية فإن راية الوطن هي التي تجمع الناس، ورسالة التظاهرة تكون ممهورة بتوقيعاتهم وهم من كل الأطياف.

علم فلسطين ليس علم فتح أو أي فصيل آخر، لكي يميز أي طرف حزبي نفسه بعلمه الخاص ويفرضه على الوطن. فالناس عابرون ومراحل النضال تتجدد بأساليبها وناسها، والوطن باقٍ؛ بشفاعة مآثر شعبه وتاريخه. ثم إن هذا العلم الخاص، ليس لونا أو رسما غير مسبوق، فالأخضر اعتمدته ليبيا في عهد معمر القذافي، واعتمدته السعودية وموريتانيا. وكانت جماعة “الإخوان” قد اعتمدته راية لها، ورفعته على مقراتها، وعندما أعلن السعوديون عن تأسيس مملكتهم في العام 1932 واعتمدوا علمها، أضاف مؤسس الجماعة، حسن البنا، لعلم التنظيم، سيفين، لكي تتشبه رايته بالعلم السعودي.

عندما أعلن الملك عبدالعزيز عن تأسيس المملكة، خالف البنا الموقف الرسمي للنظام، وبارك التأسيس، تأثرا بقدوته الشيخ محمد رشيد رضا، اللبناني الطرابلسي. أما الملك فؤاد، فقد رفض الاعتراف بالمملكة العربية السعودية، إذ رآها مشروعا منافسا للمشروع البريطاني لتنصيبه مرجعا ـ كملك أو خليفة ـ على المسلمين، بعد سقوط الدولة العثمانية وانتهاء مرحلة السلاطين.

وظن البنا ورضا أن السعودية عندما تصبح مقرا لخلافة جديدة، سيكون لكل منهما حظ الصدر الأعظم أو ما يوازيه، لاسيما وأن مستشاري الملك المهمين، لم يكونوا من المتفقهين في الدين ولا من أتباعه أصلا. كان جون فيلبي مسيحيا وزعم أنه دخل الدين الإسلامي، أما فؤاد حمزة، المفوّه، فقد كان درزيا، فلمَ لا يكون رضا أو البنا صدرا أعظم؟

علم فلسطين يمثل تنويعا في الألوان لعلم العروبة الذي رفعته الثورة العربية الكبرى التي أطلقها شريف مكة الحسين بن علي ضد الأتراك الطورانيين الذين أسقطوا السلطان عبدالحميد وسجنوه في منزل شخص يهودي في سولونيك. وغالبية الانقلابيين كانوا ضد الدين وضد العرب، وكان المُنظّر الأول لمشروعهم ضيا كوك ألب يريد أن يذهب بهم إلى هوية قومية جديدة.

ولفرط تغاضي “الإخوان” عن حقائق التاريخ ظلوا في أدبياتهم مصرين على اعتبار أن الإنجليز ومعهم الثورة العربية الكبرى قد أسقطوا خلافة إسلامية، وهذا غير صحيح، لأن القوميين الأتراك كانوا قد أفرغوا “السلطنة” من مضمونها الأيديولوجي منذ العام 1908 وأوقعوها تحت حكم متطرف قوميا، وبعضه ملحد، وله الكثير من المطولات النظرية ضد الدين وضد العرب.

معنى ذلك أن تركيا هي التي أسقطت عثمانيتها بنفسها قبل اندلاع الحرب العُظمى الأولى بست سنوات. ثم إن علم الإمبراطورية العثمانية كان أحمر يتوسطه هلال كبير ونجمة، بل إن علم البيرق الإمبراطوري الخاص بالسلطان كان أحمر تتوسطه نجمة سباعية كبيرة بخطوط بيضاء، وكان لون ما يسمى “الراية المدنية” العثمانية أحمر خالصا. فالاخضرار، الذي تبنته جماعة “الإخوان” واحتذت به حماس ليس بالضرورة ولا بالتأويل، رمزا إسلاميا. أما علم فلسطين، فهو علم الهوية الوطنية لشعب محدد، ولا يجوز أن يفترس علمٌ من لون واحد، علما من خمسة ألوان، حسب تعبير الشاعر محمود درويش.

دراسات علم النفس الحديثة ربطت الأخضر بمعنى تحسين العامل النفسيّ وتحفيز حبّ الحياة والسّعادة والرّفاه، وهذا ليس المطمح الذي يمكن أن تصارح به جماعة تقول في أهم أهازيجها، إن الموت في سبيل الله أسمى الأماني. ويجدر التنويه إلى أن راية النبي المصطفى عليه السلام، كانت سوداء يتخللها الجزء الثاني من الشهادتين. وكان الأجدر أن يعتمدها حزب من الأحزاب، قبل أن يسرقها الإرهابيون الدواعش. فإذا كان النبي محمد اختار الأسود والعثمانيون وآخرهم السلطان عبدالحميد اختاروا الأحمر، فإن تكرار الأخضر، يظل خيارا حزبيا لا شأن لنا به، أما أن يُفرض على الوطن والناس، فهذا أمر مرفوض، فلا موجب لأن تغمر الراية الخضراء وطنا يغمره العذاب ويحق على شبابه الاضطرار إلى المقاومة، في راهنية هذا الوطن وفي تاريخه.

في واحدة من اللقطات في تاريخ أيرلندا ظهرت أغنية في العام 1923 كان موضوعها العلم الوطني الأيرلندي. كانت الأغنية قد ألهبت حماسة الجماهير برمزيتها، وظلت تسري كالنار في الهشيم، حتى أصبحت بمثابة إعلان سياسي كتبه شاعر يُدعى جيمس ريان. فبعد التوقيع على المعاهدة الأنغلو – أيرلندية، التي نصت على تأسيس كيانٍ للحكم الذاتي المحدود، تحت مسمى “دولة أيرلندا الحرة” خرجت الأغنية إلى الملأ، تخاطب الذين وقّعوا على المعاهدة، والذين رفعوا علم أيرلندا فوق مقر الكيان المسخ في دبلن.

ومن بين ما تقوله الأغنية وهي تخاطب الموقعين على المعاهدة، بمصاحبة موسيقى شجية “انزلوه من السارية أيها الخونة الأيرلنديين، فهذا العلم يرمز إلى ما نطمح إليه نحن الجمهوريين.. إنه لن يرمز إلى شراذم حكم ذاتي، لم يجلب لهذا العلم سوى الخزي.. الرجال مستمرون في القتال، ولن يتوقفوا قبل أن تتوقف بريطانيا عن طغيانها”.

ملخص الأغنية أن المقاومين نافحوا عن علم شعبهم ولم ينقلبوا عليه وانتفضوا بالحشود وبالفن الملتزم للتمسك به، والدفاع عن أهم رموز شعبهم ونضالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى