أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – حملة الإدارة الأميركية على السعودية

عدلي صادق  *- 24/2/2021

الإدارة الديمقراطية الجديدة تتحول من خطاب الشيطنة الكاملة للنظام الإيراني إلى تظهير المآخذ القديمة الجديدة على النظام السعودي وإن كان ذلك بمفردات حقوق الإنسان.  

بدت انتقادات أقطاب الإدارة الأميركية الجديدة، والحزب الديمقراطي، للسعودية؛ أصعب ما مرّ في تاريخ العلاقات الوطيدة بين البلدين، منذ أن بدأت في العام الثاني لتأسيس المملكة بخارطتها الراهنة، في سنة 1932. وكان واضحا أن هذه الانتقادات معطوفة على موقف الحزب من الرئيس السابق دونالد ترامب وخياراته. وكان الأخير قد ركز على السعودية التي كانت أول بلد يزوره بشكل احتفالي بعد دخوله البيت الأبيض. وقد تكثفت الانتقادات في موضوعات محددة، مثل موقف ترامب من ملف الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، الذي ذهبت إليه إدارة الحزب الديمقراطي.

وأثير في الخطاب الانتقادي للإدارة الجديدة، ملف حقوق الإنسان وقضية قتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن. ومع استمرار تفاعل هذه الانتقادات، أكدت الإدارة الجديدة، بشكل غير مباشر، على أهمية السعودية بالنسبة إلى الاستراتيجية الأميركية الكونية لهذه الإدارة، لاسيما وأن أولوياتها المقررة، تتعلق بموضوعات الطاقة والتسلح النووي والمنافسة المحتدمة مع الصين، وترميم العلاقات مع الأوروبيين، بعد أن تأثرت سلبا أثناء ولاية الرئيس السابق.

” يكمن جوهر العقدة، في كون المصالح الأميركية المهمة، في العلاقة مع السعودية، من شأنها إلزام الإدارة الجديدة بعدم التصعيد مع الرياض “.

غير أن ردود أفعال النُخب العربية، تعمدت التغاضي عن التوجه الاستراتيجي لإدارة جو بايدن، حيال إسرائيل، بالتأكيد على الاستمرار في دعمها والرضا الصريح عن التطبيع العربي معها، وعن كل ما “أنجزه” ترامب لصالحها. وينطبق هذا التغاضي على تركيا، التي شكلت محورا مضادا للسعودية. ومن خلال المسار الطويل للعلاقات الأميركية السعودية، يتضح أن إدارات الحزب الديمقراطي، هي التي كانت الضالعة في تظهير العديد من الخلافات مع السعودية.

وفي السنوات الأخيرة، ومنذ قُبيل بدء العشرية الثانية من هذا القرن، كانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، قد صرحت بأن “الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية تشكل المصدر الأكثر أهمية لتمويل الجماعات الإرهابية السنية في جميع أنحاء العالم”. وكشفت تسريبات “ويكيلكس” أن جزءا معتبرا من هذا التمويل، مصدره الجمعيات الخيرية التي تتلقى أموال الزكاة من الميسورين في السعودية.

وبهذا المنحى نفسه، تتحول الإدارة الديمقراطية الجديدة، من خطاب الشيطنة الأساسية والكاملة للنظام الإيراني، في مقولة الإرهاب، إلى تظهير المآخذ القديمة الجديدة على النظام السعودي، وإن كان ذلك بمفردات حقوق الإنسان، ملف خاشقجي وحرب اليمن. وهذا أمرٌ يمهد لعلاقة مختلفة مع إيران، بالعودة إلى الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات، مثلما عبّر الرئيس بايدن نفسه، في الأيام القليلة الماضية. فمن بين المؤشرات الدالة على هذا التوجه، منطق التعاطي مع ملف الحرب في اليمن، وهو بطبيعته قد أفرز الكثير من المعاناة لليمنيين.

ويراهن السعوديون في هذه الآونة، على أن مجريات الأحداث في هذه الحرب، من شأنها تقريب موقف الإدارة الجديدة من الموقف السعودي، طالما أن الحوثيين يستمرون في تطيير المسيّرات القاذفة والصواريخ إلى الأراضي السعودية، التي تُعتبر ضمن مناطق الحماية الأميركية بالمفهوم الاستراتيجي. لكن عقدة السياق الراهنة، أن الرجل المتنفذ في السعودية، وهو ولي العهد فيها، يُعتبر في نظر الأميركيين، صاحب مشروع تحديثي في بلاده، بالمعيار الثقافي، لكنه في الوقت نفسه، يواجه إشكالية في نظرهم، في مسألة حقوق الإنسان وملف خاشقجي.

ويكمن جوهر العقدة، في كون المصالح الأميركية المهمة، في العلاقة مع السعودية، من شأنها إلزام الإدارة الجديدة بعدم التصعيد مع الرياض. لكن الحوثيين من جانبهم، يستنكفون عن مساعدة بايدن على تبني موقف جديد، ويربطون استراتيجيتهم باستراتيجية طهران فيواصلون القصف الذي من شأنه عرقلة الحل السلمي ومنح الفرصة للتحالف الذي يهاجمهم لإيقاف العمليات. والسعوديون يراهنون على استجابة اليمنيين الحوثيين، لإشارات بايدن، فيتوقفون عن استهداف المدن السعودية، على النحو الذي يسهم في تعبيد الطريق إلى حل سياسي، ويرون أن خرق هؤلاء لأية هدنة ترعاها الإدارة الأميركية الجديدة، سيحرجها ويجعلها مضطرة إلى الوقوف علنا إلى جانب السعودية وحلفائها.

” أكدت الإدارة الجديدة، بشكل غير مباشر، على أهمية السعودية بالنسبة إلى الاستراتيجية الأميركية الكونية لهذه الإدارة، لاسيما وأن أولوياتها المقررة، تتعلق بموضوعات الطاقة والتسلح النووي “.

لقد كان أعضاء الحزب الديمقراطي، وراء الاحتجاج الأميركي في مجلس الشيوخ، ضد دعم بلادهم للسعودية في حرب اليمن. فقد صوتوا لصالح مشروع قرار بمنع تصدير السلاح النوعي إلى السعودية، وصوّت معهم عدد من أقطاب الحزب الجمهوري. وكان أحد الأعضاء الديمقراطيين الوازنين، وهو تولسي غابارد، قد تطرف في الحديث عن “انتهاكات حقوق الإنسان” ووصف السعودية بأنها “بلد له سجل مدمر لانتهاكات هذه الحقوق في الداخل والخارج، بل له تاريخ طويل في تقديم الدعم للمنظمات الإرهابية التي تهدد الشعب الأميركي”. ويمثل هذا الرأي، زبدة موقف الديمقراطيين من النظام في السعودية. بل إن السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، اتهم بلاده بأنها “تواطأت وسهلت حملة قتل الأطفال والتجويع في اليمن، ولم تُعن حتى بالمساعدة الإنسانية”.

إن حملة الديمقراطيين على السعودية، سبقت حملة إدارتهم الجديدة، التي رغبت في تبني سياسة التلطف مع إيران، لكي تواجه معضلات الصين والتسلح النووي وغيرهما. لكن هذا المنحى، لا علاقة له بالمستبشرين العرب، بسياسة أميركية جديدة تدحض كل ما فعله ترامب لصالح إسرائيل.

* عدلي صادق  –  كاتب وسياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى