أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – جولة في عقل رئيس سابق للموساد الإسرائيلي

عدلي صادق  *- 18/4/2021

إسرائيل امتنعت عبر السنين عن مواجهة حماس ومحاولة تدميرها وإخراجها من على وجه الأرض ذلك لأننا إن أردنا ذلك فسنصبح مسؤولين عن 2.5 مليون فلسطيني آخرين.

عندما أتيح لديفيد برين مدير تحرير صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن يلتقي على مهل أفرايم هاليفي (86 سنة) رئيس الموساد حتى تقاعده في العام 2002 تمكن الصحافي والكاتب المخضرم من التجوال في عقله وذاكرته، وركز معه على الصراع المستتر والظاهر مع إيران، وعرّج على أحوال وعلاقات أخرى فضلاً عن رؤيته المستقبلية لأوضاع إسرائيل.

في الحديث الطويل تناول هاليفي ما اعتبره مثلثاً ملغزاً ذا ثلاثة أضلاع: إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. ولعل الرجل أراد من تلك الوجهة للحديث أن يُلقي الضوء على ما يعتبره “إسهاماته الحيوية لإسرائيل” من خلال أدواره القيادية في جهاز الموساد. وكان هاليفي قد خدم في هذا الجهاز على فترتين، الأولى من العام 1990 إلى العام 1995 والفترة التي بدأت في العام 1997 عندما عاد لترؤس الموساد وهو في سن الثالثة والستين. وقد عمل بين الفترتين كدبلوماسي مبعوث إلى الاتحاد الأوروبي.

منذ بدايات عمله كان هاليفي شغوفاً بقراءة روايات البريطاني جون لا كاريه التي تخصصت في البيئات السياسية والتجسس أثناء الحرب الباردة. ولم تفته مشاهدة أفلام جيمس بوند التي قال إنه كان يستمتع بها. فهو ـ حسب قوله ـ عاش معظم حياته في جو المخابرات والتجسس على اعتبار أن هذا هو الجو الذي “يتغذى فيه من هذا الفن” ويرى في المحصلة أن حياته العملية كانت أغرب بكثير من الخيال و”أن الموساد أفضل بكثير من جيمس بوند”.

في موضوعه الأساسي يقول “سيكون هناك استئناف للحوار بين واشنطن وطهران ما لم يكن الإيرانيون قد بدأوا المواجهة. ومع ذلك أعتقد أنهم ربما لا يسعون إلى ذلك في الوقت الحالي لأن الأمر يعتمد أيضًا بشكل كبير على الظروف السياسية في إيران”.

ويشرح ذلك قائلاً “هناك انتخابات مقبلة للرئاسة وكان هناك إعلان أخير عن تفاهم بين إيران والصين (اتفاقية اقتصادية وأمنية مدتها 25 عامًا). لذا فإن الإيرانيين يشاركون في مناقشات وفي صنع قرارات متعددة الجنسيات والأوجه. من السابق لأوانه القول ما إذا كانوا سيوافقون على المبادرة الأميركية الجديدة تجاههم، أو الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية هذا الصيف”.

يؤكد رئيس الموساد الأسبق على أن العلاقة الوثيقة التي جمعت بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو ليست أمراً يعجب الإدارة الأميركية الجديدة. لذا من المستحسن لإسرائيل، في رأيه، أن تراقب الوضع عن كثب وأن تمتنع عن القيام بأيّ خطوة أحادية، كما فعلت في فترة ولاية ترامب، و”لم تحقق نجاحاً يُذكر”.

فإسرائيل كما يقول مدير تحرير جيروزاليم بوست يمكن أن تمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية من خلال العمليات السيبرانية والسرية المستمرة، مثلما حدث خلال العام الماضي أو نحو ذلك من ولايته.

وفي هذه النقطة يعلق هاليفي كاشفاً أو معترفاً بأن صراعاً مستمراً ظل جارياً خلال السنة الماضية بين إسرائيل وإيران، و”كانت الفقاعات تصل أحياناً إلى السطح لكنها في أغلب الأحيان ظلت جوفية”.

ويُستشف من حديث هاليفي أن النشاط العسكري في البحر كان يتوخى مشروعيته، من كون إيران بدأت في نقل النفط إلى سوريا بسفنها التجارية. وعندما بدأت إسرائيل في التعرض لهذه السفن وضربها كان الرد الإيراني حذراً وطال سفينتين إسرائيليتين.

ويقول رئيس الموساد الأسبق إن على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الاتفاقية الإيرانية الصينية التي يجب تضمينها في أيّ حسابات إسرائيلية مستقبلية.

وكان اللافت في حديث هاليفي تكراره لرأي قديم استقاه من خبرته في الموساد ومن دراسة خاصة لمعطيات كثيرة في ملفاتها بعيداً عن مزايدات كثيرة في أوساط الجيش وهي أن إسرائيل ستفعل الصواب إن فتحت اتصالاً مباشراً مع حركة حماس وأجرت مفاوضات معها.

ويؤكد الرجل الضليع في العمل الاستخباراتي جواباً عن سؤال حول رأيه في استراتيجية إسرائيل تجاه “تهديد حماس في الجنوب” قائلاً إن المسألة مسألة وقت. فقبل أن تسقط الصواريخ مرة أخرى على سديروت وتذهب إلى مواضع أقرب إلى تل أبيب؛ هل هناك الآن ما يمكن لإسرائيل أن تفعله لمنع ذلك، دبلوماسيا أو على مستوى استخباراتي؟

ويجيب بنفسه “بعد أن تركت الموساد مباشرة في العام 2002 صرحت لجريدة هآرتس مؤيداً فكرة فتح مفاوضات مباشرة مع حماس. وأنا لم أغير آرائي حتى يومنا هذا”.

واستطرد “أعتقد ذلك لأنه من حيث المبدأ هناك فائدة من إجراء حوار، من أجل التأثير والفهم بشكل أفضل، والتجهيز بشكل أفضل، والتزود بالبيانات الضرورية اللازمة لمواجهتهم. وكانت تلك وجهة نظر الأقلية على مرّ السنين، لكن العديد من المسؤولين في جهاز الأمن العام، تبنوا هذه الآراء منذ ذلك الحين”.

في الحقيقة لا يختلف هذا الرأي عن آراء متابعين رصدوا الشواهد الدالة على إمكانية ذلك وفي معظمها ناشئة عن حال الانقسام الفلسطيني وعناصر الفائدة التي تراها إسرائيل في هذا الانقسام والضغوط التي مورست على حماس وعلى قطاع غزة، ما يجعل هناك غواية كبيرة للتسهيلات المعروضة، وبعضها بدأ فعلاً من خلال رحلات الدبلوماسي القطري محمد العمادي الذي دأب على حمل التمويلات القطرية لقطاع غزة وحماس.

وفي هذا الصدد يقول هاليفي “لا تزال حماس عاملا كبيرا في المعادلة الخاصة بالفلسطينيين خاصة في السنوات التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من غزة في العام 2005. فكلمة انسحاب لا تحظى بشعبية كبيرة في بعض الأوساط في إسرائيل، لكن هذا هو ما فعلناه. ولم يكن الانسحاب مشروطاً أو نتيجة مفاوضات مع حماس. لقد غادرنا من جانب واحد، ولهذا السبب لم يكن لدينا أو لديهم ما يبرر الذهاب إلى مفاوضات، لأنهم حصلوا على شيء مقابل لا شيء”.

وفي إشارة إلى تأثره بمنطق الأميركيين ومنهجيتهم يقول هاليفي “أخبرني زميل سابق وهو جيم أنديلتون، الذي كان نظيري عندما كنت مقيماً في واشنطن وكان رئيساً لقسم مكافحة التجسس في وكالة المخابرات المركزية، أن السياسة الأميركية هي أنك لا تحصل على شيء مقابل لا شيء.

أعتقد أن إعطاء حماس شيئًا مقابل لا شيء قد أدى إلى نتيجة عدم اضطرارهم إلى دفع ثمن اعترافهم الفعلي كحكام لقطاع غزة. فإسرائيل، امتنعت عبر السنين عن مواجهة حماس ومحاولة تدميرها وإخراجها من على وجه الأرض. ذلك لأننا إن أردنا ذلك فسنصبح مسؤولين عن 2.5 مليون فلسطيني آخرين. لذا فإن المسألة مع حماس الآن هي أن نختار بين أحد أمرين: مواصلة التفاوض معهم بالطريقة التي نتفاوض بها الآن من خلال أطراف ثالثة، أم نتفاوض مباشرة؟ فعندما يكون لديك طرف ثالث لا بد من دفع الرسوم له، سياسية أو أمنية، إذ لن تحصل على شيء مقابل لا شيء”.
ولا يتردد رجل المخابرات في التنويه إلى استخلاص منطقي استخلصه الفلسطينيون أنفسهم وهو أن حماس، في خطابها التعبوي، تقول وتكرر أنها لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود. لكنها في العديد من المناقشات مع أطراف ثالثة تعلن أنها على استعداد لقبول حدود عام 1967 كدولة فلسطينية مؤقتة. وهذا يعني، عمليًا، أنهم قبلوا أن تكون حدود عام 1967 هي أيضًا حدود إسرائيل. هذا تعبير ملطف اعتمدوه لأنه مهم بالنسبة إليهم سياسيًا، وهم يعرفون أن اتفاقاً على حدود 67 لن يتحقق، دون التوقيع على اتفاق ينهي متطلبات كل طرف من الطرف الآخر.

ويعترف هاليفي، أن مأزق حماس الأيديولوجي يقابله مأزق إسرائيلي أيديولوجي آخر ونقيض. لذا ترى حماس ـ حسب رأيه ـ مستريحة للوضع الحالي لأنها تحصل على ما تحتاج إليه كمنظمة أو حركة دون الحاجة إلى دفع الكثير!

يقول هاليفي ذلك، واثقاً من نفسه إسرائيلياً، وربما اضطر في الحديث إلى الإفصاح عن بعض “مآثره”. فهو ـ كما يقول ـ مؤسس العلاقة الأولى المباشرة مع سلطنة عُمان في العام 1975 عندما قابل السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وهو الذي قاد العملية الاستخبارية الإسرائيلية لحماية إثيوبيا من السودان، وهو صاحب اليد الطولى في “إنجاز” اتفاقية الصلح مع الأردن. لذا يأنس في نفسه، في هذه السن المتقدمة، الأهلية والجدارة في الإفصاح عن كل ما يعتقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى