أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – تغاض أميركي عن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني

عدلي صادق  – 19/4/2021

إدارة بايدن مرتبكة ولا تعرف كيف تبدأ لإعادة تعيين الحدود الواضحة في العلاقات التي فقدت الحد الأدنى من توازنها بين الإسرائيليين والفلسطينيين .

تضاءلت الإشارات الصادرة عن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بخصوص السياسة التي سوف تتبعها هذه الإدارة حيال موضوع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وموقفها من السلطة الفلسطينية تحديدا. ذلك على الرغم من أن رئيس الولايات المتحدة ونائبته كامالا هاريس عُرفا أصلا بتأييدهما المطلق لإسرائيل. لكن الإدارة باعتبارها من الحزب الديمقراطي، لا تزال تشعر بالحساسية وتتوخى الحذر في العلاقة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حصرا، بسبب التوتر الذي شهدته علاقة هذا الأخير مع إدارة باراك أوباما الديمقراطية، السابقة على إدارة الجمهوري دونالد ترامب.

على الرغم من ذلك، لا تزال الأمور تلتبس على الإدارة الجديدة، ما يجعلها تتريث وتترك ملف النزاع جانبا، وتفضل تناول أمره بشكل سطحي، كونه يرتبط بتطورات حدثت في عهد الرئيس ترامب، وكان بايدن يرى فيها نقطة توافق شبه وحيدة مع إدارة الجمهوريين، وبخاصة اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين، وتلك اتفاقيات كان بايدن ولا يزال يتمنى أن تتسع لتشمل السعودية، التي يعتبرها جائزة التطبيع الكبرى. وحتى في حال فتور علاقة الرئيس بايدن، في هذه المرحلة، مع المملكة العربية السعودية؛ إلا أن مخططي السياسة الأميركية الذين يضعون التقرير الإرشادي لكل رئيس، قُبيل أن يتسلم ولايته، وهو تقرير يعده خبراء من فريقه، لن يذهبوا بعيدا في الجفاء مع الرياض، لاسيما وأنها في حال استمرار الفتور، ستنشط السعودية في اتجاه تأسيس علاقات تحالف جديدة، لن يكون في وسع بايدن إلا الترحيب بها، لكونها ستكون لمصلحة إسرائيل، على الرغم من خسارة الولايات المتحدة لعناصر حيوية حكمت العلاقة التاريخية مع المملكة.

معنى ذلك، أن السياق الذي تأسس في مرحلة ترامب، سيظل ساريا بعده، وسيتعين على بايدن الالتزام به وتشجيعه، وإن كان ذلك بكثافة أقل مما كان عليه الأمر في ولاية ترامب، والزخم الذي شهده هذا السياق، بإشراف مستشار ترامب وصهره غاريد كوشنر. بل إن الرئيس بايدن سيجد في اتفاق التطبيع، الذي أبرمته الإمارات مع إسرائيل، أمرا يلائم رؤيته لحل النزاع، لاسيما وأن الإمارات توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل على تجميد عملية ضم أراض في الضفة إلى العام 2024 أي إلى نهاية ولاية الرئيس الديمقراطي. لكن هذا الرئيس، كما اتضح من خلال بعض التصريحات المقتضبة، سوف يبتعد عن سياسات ترامب المؤيدة للضم، ويتمسك بمنطق التأييد النظري الأميركي التقليدي لحل الدولتين، دون بذل الكثير من أجل دفعه إلى الأمام. فهو تأييد يخلق انطباعات لا تتبعها طبائع ملموسة تطال جوهر السياسة الأميركية.

ولما أصبح رئيس السلطة الفلسطينية يعتمد الآن على الرئيس بايدن لكي يتمكن من إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو الأمر المهم أو البالغ الأهمية بالنسبة إليه، فإن أمرين، أولهما يخص رئيس السلطة نفسه، والثاني يتعلق بنتنياهو غير المحبب للرئيس بايدن، من شأنهما جعل تريث هذا الأخير خيارا صحيحا. فبالنسبة إلى رئيس السلطة، الجالس على كرسي الحكم الفلسطيني منذ أكثر من خمسة عشر عاما، بلا مؤسسات، كان من الطبيعي أن تنتظر الإدارة الأميركية حلا لوضعه، وأن يكون الحل مشجعا على إطلاق عملية سلمية أميركية، تتوخى الوصول إلى حل نافذ. أما بالنسبة إلى نتنياهو، الذي كان ولا يزال سببا رئيسا في تعثر المحاولات الإسرائيلية التوصل إلى تشكيل حكومة راسخة، في ظل الحديث عن محاولة انتخابية خامسة، فإن أمره هو الآخر يتطلب حلا، إن لم يكن بمنطق السياسة فليكن بمنطق القضاء!

خلال السنوات الأخيرة، كان ولا يزال لدى الولايات المتحدة ما يشغلها على رقعة السياسة الدولية عن التركيز على النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. فقد سعت واشنطن خلال هذه السنوات إلى إنهاء الحروب في أفغانستان والعراق، وإلى تخفيض وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وإعادة توجيه الموارد الشحيحة المخصصة للمساعدات الخارجية، إلى قارة آسيا، أي بمعنى آخر، تقليص أولوية الشرق الأوسط في إستراتيجيتها العالمية. فالتحدي الذي يواجه السياسة الأميركية هو كيفية حماية مصالحها المتبقية، التي لا تزال مهمة في القارة الآسيوية، حيث تجري منافسات شرسة.

ولما كان التعويل الأميركي على الشركاء من أقطار الخليج للمساعدة في إخماد بؤر التوتر، فإن العقبة التي تكبر باطراد، تتمثل في القيود المالية الناجمة عن الاستنزاف في حرب اليمن، وعن انخفاض أسعار الطاقة بسبب فايروس كورونا. ويرى الأميركيون أن قدرة دول الخليج على المساعدة في استقرار جيرانها الأضعف اقتصاديا، في الأردن وربما مصر، باتت محدودة، وتخشى واشنطن أن تؤدي هذه الضائقة إلى تداعيات تتيح لإيران توسيع نفوذها بثمن زهيد. بل إن محللي السياسة، المقربين من مركز القرار الأميركي، يتوقعون أن يرجح ميزان القوى لصالح الإيرانيين في حال انحسار وباء كوفيد ـ 19.

لذا فإن إدارة بايدن أظهرت مبكرا استعدادها للتخلي عن مبدأ الضغوط القصوى على طهران، واعتماد مبدأ التقرب للدخول في مفاوضات جديدة حول الملف النووي، مكتفية في الآن نفسه بالتعاون الاستخباراتي والدبلوماسي مع حلفائها، واستخدام الأدوات المالية وشبه العسكرية التي يمكن أن تعطل انفلات إيران إلى عملية تخصيب مكثفة، مع محاولة تحفيز طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات النووية.

ولعل من بين عناصر القلق، بالنسبة إلى الإدارة الراغبة في الانسحاب العسكري من منطقة الشرق الأوسط، أنها مضطرة إلى تكليف البنتاغون إجراء مراجعة شاملة لوجود القوة العسكرية الأميركية في منطقة الخليج، لضمان كفاءتها وفعاليتها في تنفيذ مهامها الأساسية هنا، دون الاضطرار إلى زيادتها. لكن واشنطن، في الوقت نفسه، معنية قبل كل شيء، على صعيد النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، بالحيلولة دون انفجار عنفي جديد، غير أن الحال في أراضي السلطة وفي إسرائيل لا يوفر مناخات مساعدة.

في الجانب الإسرائيلي تتشظى القوى السياسية بفعل تمسك نتنياهو بطموحاته، وعلى الجانب الفلسطيني تشظت القوى الوطنية التي كانت التسوية خيارها، وكان التشظي بفعل تفرد عباس الذي أجهز على المؤسسات الدستورية في السلطة، وهذان عاملان سلبيان أساسيان في نظر إدارة بايدن يحبطان محاولة أي إدارة أميركية إعادة بناء أسس التسوية بين مجتمعين خصمين ومتنافرين، أحدهما، وهو الإسرائيلي، يفتقد إلى قوة سياسية مهيمنة، والآخر، الفلسطيني، يفتقد إلى آليات تكريس الحرية والعيش الطبيعي الكريم للسكان الذين يعيشون هواجس الصراع في كل يوم!

وفي هذا الخضم نفسه، بدا أن إدارة بايدن مرتبكة ولا تعرف كيف تبدأ لإعادة تعيين الحدود الواضحة في العلاقات التي فقدت الحد الأدنى من توازنها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بسبب نهج الرئيس ترامب غير المبالي بأقل من الحد الأدنى للتوازن.

حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تسلم الرئيس بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، لم يكن هناك اتصال على مستوى رفيع بين إدارته والسلطة الفلسطينية. فالاتصالات القليلة التي حدثت ركزت على مسائل إجرائية وبروتوكولية، وهذا في حد ذاته، وعلى سلبيته، يدفع باتجاه تغيير لا بد منه في أوضاع السلطة الفلسطينية والقوى الراغبة في خوض الاستحقاق الانتخابي في أراضي الحكم الذاتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى