#شؤون إسرائيلية

عبير ياسين: تداعيات “إعلان القدس”: سوريا والصراع الإسرائيلي- الإيراني

عبير ياسين * 17-7-2022م

لا تتوقف إسرائيل عن استهداف سوريا تحت عنوان كبير هو مواجهة إيران وحزب الله ضمن سياق أوسع يمثل جزءاً من عقيدة المعركة أو “الحرب بين الحروب” الإسرائيلية، وترسيخ فكرة المخاطر المترتبة على السياسات الإيرانية في الإقليم. وظلت تلك الأفكار مسيطرة حتى حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في يونيو الفائت (2022) عن “عقيدة الأخطبوط” بوصفها السياسة الإسرائيلية المتبعة للتعامل مع التهديدات الإيرانية خلال فترة توليه منصبه لمدة عام تقريباً منذ يونيو 2021.[1]

وعلى تلك الخلفية، والتصعيد في العديد من الملفات بين طهران وتل أبيب، جاء التوصل إلى “إعلان القدس” بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد في 14 يوليو الجاري (2022)، والذي  التزمت فيه واشنطن “بعدم السماح لإيران يوماً بامتلاك سلاح نووي”.[2] وبدوره، أكد لبيد في تصريحاته بعد الاجتماع مع بايدن يوم التوصل إلى “إعلان القدس”، على مناقشة الطرفين لما أسماه “التهديد الإيراني”، والعمل من أجل التأكد من “أنه لن يكون هناك إيران نووية”، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها في مواجهة إيران.[3]

وعلى الرغم من انطلاق الرؤية الإسرائيلية الأمنية والاستراتيجية من فكرة استهداف إيران، رداً على  الأنشطة الإيرانية “المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية” كما تكرر إسرائيل ووفقاً لما جاء في “إعلان القدس”، يظل السؤال مطروحاً عن موقع سوريا في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران على أراضيها، وفرص التصعيد على الساحة السورية في ظل التشابكات القائمة بكل ما فيها من تحركات وخطابات تصعيد تصب في تزايد استهداف إسرائيل للأراضي السورية، بالإضافة لما تحمله “عقيدة الأخطبوط” من فرص توسيع الاستهداف الإسرائيلي في الداخل الإيراني، وانعكاسات مثل هذا الاستهداف على تزايد المواجهات في الساحة السورية. 

وبشكل عام، ورغم استمرارية الهجمات الإسرائيلية في الأراضي السورية، مثلت بعض العمليات نقاطاً فارقة أو مؤثرة سواء على صعيد الرسائل والأطراف المعنية بتلك الرسائل، أو على صعيد التوقيت، وعلاقة السياسات الإسرائيلية بالسياسات الروسية التي ترى فيها إسرائيل الطرف الضابط للتفاعلات في سوريا مقابل إيران التي ترى فيها الطرف المهدد والمستهدف بسياسة “الحرب بين الحروب” من سوريا إلى لبنان والعراق.

وتطور مصطلح “الحرب بين الحروب”، كما استخدمته المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، من المواجهات التي تمت مع إيران في سوريا، وخاصة منذ عام 2012، من أجل الحيلولة دون تحول سوريا إلى صورة للتهديد الإيراني يتشابه، وفقاً للرؤية الإسرائيلية، مع التهديد اللبناني، وجاءت الضربات الصاروخية ضمن تلك المعركة بهدف تقييد تحول سوريا إلى قاعدة للصواريخ وترسانات الصواريخ الإيرانية.[4]

ووسط هذه الصورة الكبيرة، جاء استهداف إسرائيل لمطار دمشق في 10يونيو الفائت (2022)، والذي تسبب في توقف عمل المطار حتى الإعلان عن عودته إلى العمل في 23 يونيو، مثيراً للعديد من التساؤلات حول أسباب الاستهداف وعلاقته بالحرب الروسية- الأوكرانية وخاصة أنه الاستهداف الثاني لدمشق خلال أسبوعين، والمرة الأولى التي يتوقف فيها المطار منذ بداية الحرب في سوريا.[5] وتم تبرير القصف، إعلامياً وعبر تصريحات إسرائيلية مختلفة، بالحديث عن تواجد مستودعات تابعة لحزب الله والقوات الإيرانية في أو بالقرب من المطار، واستخدام المطار لنقل معدات عسكرية وغيرها من الأسباب الأمنية. ومثل قصف المطار وفقاً لهذا وسيلة إسرائيل للتعبير عن مخاوفها من تزايد النفوذ الإيراني في سوريا وتزايد الدعم العسكري لحزب الله والفصائل الفلسطينية في ظل إمكانية تقليص الوجود الروسي بسبب الحرب الأوكرانية.

 وبعيداً عن قضية التموضع الإيراني في ظل الحرب، وغير بعيد عن مواجهة ما تسميه إسرائيل “أذرع إيران في المنطقة”، والعلاقات مع حزب الله، وعلى خلفية الصراع الدائر حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، يمكن التعامل مع القصف الذي تعرضت له مدينة طرطوس الواقعة غربي سوريا في 2 يوليو الجاري. ويعد القصف الذي استهدف، وفقاً للأخبار غير الرسمية، مواقع تخزين سلاح تابعة لحزب الله، أو أنظمة دفاع جوي إيرانية دخلت عبر البحر وفقاً للقناة 12 الإسرائيلية،[6] جزءاً من الرد الإسرائيلي على تحليق ثلاث مسيرات غير مسلحة تابعة لحزب الله في نفس اليوم نحو منصة التنقيب عن الغاز عند حقل “كاريش” ضمن منطقة النزاع البحري الحدودي.[7]

ومقابل الحديث الإسرائيلي عن استهداف مواقع للسلاح، حمّلت سوريا إسرائيل مسئولية الهجوم الذي استهدف، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، عدة مداجن في محيط بلدة الحميدية جنوبي طرطوس، وأكد بيان وزارة الدفاع السورية على إصابة مدنيين بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية.[8] والمثير للاهتمام في هذا السياق أن الرد الإسرائيلي على مسيرات حزب الله تم في الأراضي السورية وضمن حسابات المواجهة مع إيران وليس في الساحة اللبنانية من أجل تجنب الحرب على الجبهة اللبنانية، وتقييد حدود التصعيد مع إيران في نطاق “الحرب بين الحروب” والمواجهات في الساحة السورية، حيث الدور الروسي والقدرة المفترضة على ضبط حدود التصعيد وتحركات الفاعلين.

وفي حين التزمت إسرائيل إلى درجة كبيرة بسياسة عدم الاعتراف رسمياً بالعمليات التي تستهدف سوريا، تؤكد علناً على أنها لن تسمح ببسط نفوذ إيران إلى حدودها. ولهذا وعقب تحليق المسيرات التابعة لحزب الله، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، الذي تولى منصبه في الأول من يوليو الجاري،[9] أن “إيران هي التهديد الأول” لإسرائيل مطالباً طهران بعدم اختبار إسرائيل ومؤكداً على أن تل أبيب سوف تفعل ما بوسعها حتى لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً.[10] وبهذا ربطت تصريحات لبيد بين الملفات الخاصة بالأمن الإسرائيلي والاستقرار الإقليمي والسياسات الإيرانية، وقدمت حزب الله بوصفه طرفاً في معادلة الحرب مع إيران، والأراضي السورية بوصفها ساحة تلك المواجهة وتصفية الحسابات والرد على المواجهات في مناطق أخرى. وهي الرؤية التي اقترب منها “إعلان القدس” الذي أشار إلى “حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي” بوصفها جزءاً من التحرك الإيراني المزعزع للاستقرار بشكل غير مباشر.

وبشكل عام، تعد الهجمات الإسرائيلية في سوريا جزءاً من “الحرب بين الحروب” بين إسرائيل وإيران، تلك الحروب التي يدور جزء منها على المستوى الاستخباراتي داخل إيران ولبنان وإسرائيل، بالإضافة إلى جزء الاستهداف الإسرائيلي داخل سوريا، واستهداف مواطنين إسرائيليين في الخارج والتي تمثل أبعاداً مختلفة للصراع الدائر بين طهران وتل أبيب.

“الحرب بين الحروب” من العراق إلى تركيا

مثلت العراق ساحة من ساحات المواجهة والحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران في الإقليم، حيث نفذت ضربات من إيران وإسرائيل في الأراضي العراقية. وفي حين ركزت “الحرب بين الحروب” على استهداف سوريا، وكل ما يتعلق بالأنشطة الإيرانية أو بتحركات الأطراف القريبة منها وخاصة حزب الله، بدأت السياسات الإسرائيلية في التغير خلال عام 2018 مع الحديث عن توجه إيران نحو بناء المزيد من القدرات العسكرية في العراق ولبنان، وفقاً للمصادر الإسرائيلية، ومعها شهدت العراق عدة هجمات تم الربط بينها وبين إسرائيل.[11] بالمقابل، أكدت إيران على المخاطر المترتبة على وجود الموساد الإسرائيلي في العراق، وبررت بهذا الخطاب استهداف ما اعتبرته مناطق تدريب عسكري تتبع الموساد في محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، في 13 مارس الماضي.

وفي حين نفت بغداد وجود أدلة على التواجد الإسرائيلي في أربيل،[12] استمر التأكيد الإيراني على وجود مخاطر أمنية في العراق بسبب الوجود الإسرائيلي. وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، عقب الهجمات، ووسط التصعيد القائم مع إسرائيل في سوريا، على وجود الموساد في العراق، معرباً عن الاستعداد لتقديم معلومات لبغداد عن هذا التواجد، ومطالباً “الأصدقاء في العراق” بالحذر من تعرض حدودهم الجغرافية وبلدهم “للانتهاكات من قبل الأطراف المتمردة لاتخاذ إجراءات ضد أمن أصدقائهم وجيرانهم”، مؤكداً أن إيران سوف تقضي على “مصدر التهديد في أى مكان نتعرض فيه للتهديد من قبل إسرائيل، ولن نرد في دولة ثالثة إلا في حال سمحت تلك الدولة للكيان الإسرائيلي بتهديد أمننا”.[13]

وتزامن مع التحركات السابقة الممثلة في عمليات الاستهداف العسكرية، التي تمثل الجزء المادي الواضح من الصراع في مرحلة “الحرب بين الحروب”، تزايد الحديث الإسرائيلي عن استهداف الإسرائيليين في الخارج من قبل إيران، وخاصة في مدينة إسطنبول التركية. وظهر حديث المخاوف من استهداف الإسرائيليين بالاغتيال أو الخطف بصورة واضحة في شهر يونيو الفائت وخاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها سوريا، وعلى خلفية اغتيال العقيد حسن صياد خدايي في طهران في 22 مايو الماضي[14]، مع الكشف عن ضبط شبكة تجسس تابعة للمخابرات الإسرائيلية في إيران واعتقال أفرادها.

وفي حين لم تعلن إسرائيل رسمياً مسئوليتها عن اغتيال خدايي، الضابط الرفيع في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي عمل في سوريا والعراق، نشرت أخبار في الولايات المتحدة الأمريكية عن إبلاغ إسرائيل مسئولين أمريكيين بمسئوليتها عن اغتيال خدايي، بوصفه نائب القائد المسئول عن وحدة “840”، التي تقول إسرائيل أنها تعمل خارج إيران وتستهدف الأجانب، بما فيهم الإسرائيليين، وأنه كان المسئول عن عمل الوحدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مسئوليته عن هجمات ضد مدنيين ومسئولين إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين في عدة مناطق حول العالم، وهو الأمر الذي تنفيه إيران.[15]

ويلاحظ في الاتهامات الموجهة ضد خدايي الحرص على تضمين استهداف الإسرائيليين ضمن آخرين بما فيهم مواطنين للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من أجل توسيع العداء وتبرير التحركات الإسرائيلية بما يسمح بتخفيف النقد الغربي أو الحصول على تأييد تلك الدول، مع تأكيد الخطاب الإسرائيلي القائم على التعامل مع إيران بوصفها مصدر تهديد للأمن في الإقليم وخارجه، وهو  ما حرص لبيد على تكراره في تصريحاته بعد اللقاء المنفرد مع بايدن في 14 يوليو الجاري، حيث أكد أن “البرنامج النووي الإيراني “ليس تهديداً لإسرائيل فحسب، بل للعالم”.[16]

بدورها، كررت وسائل إعلام إسرائيلية الحديث عن مسئولية خدايي عن “عمليات اغتيال استهدفت إسرائيليين”، وتحدثت عن المخاوف من انتقام إيران خاصة مع تعرض ما لا يقل عن ستة علماء وأكاديميين إيرانيين للهجوم أو القتل منذ عام 2010، بما فيهم كبير علماء الذرة الإيرانيين والمسئول عن البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020، بهدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني.[17] وصاحب حديث المخاوف الإسرائيلية مطالبة الإسرائيليين في 30 مايو الماضي، وبعد أسبوع من اغتيال خدايي، بمغادرة تركيا وتجنب السفر غير الضروري إليها.[18] كما حذر بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذا الوقت، إيران بشكل مباشر في تصريحاته خلال افتتاح الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء من محاولة استهداف إسرائيليين في الخارج، مؤكداً إن “مَن يحاول فعل ذلك سوف يدفع الثمن”.[19]

 وبهذا، ساهمت التفاعلات التي تمت بشكل مباشر أو غير مباشر، على الساحة السورية والعراقية، وعبر مسيرات حزب الله والطيران الإسرائيلي في إعادة التأكيد على المخاطر الإيرانية على إسرائيل بشكل أساسي والإقليم بصفة عامة تماشياً مع الحديث الدائر حول أهداف وأجندة زيارة بايدن للمنطقة قبل وصوله إليها، وترسيخ تلك الرؤية ضمن “إعلان القدس” وغيرها من التصريحات الإسرائيلية التي أكدت على “التهديد الإيراني” خلال الزيارة.

سوريا… ساحة المواجهة في “الحرب بين الحروب”

تركز جزء أساسي من الاهتمام الإسرائيلي منذ بداية الحرب في سوريا على التأثير الذي تمارسه إيران في مناطق قريبة من الحدود الإسرائيلية، والانعكاسات المحتملة على وضع إسرائيل في الصراع وما يمكن أن يترتب على التفاعلات الدائرة في سوريا من نتائج فيما يتعلق بالسياسات تجاه إسرائيل وخاصة على صعيد الجولان المحتل. واختلف الموقف الإسرائيلي عن الاهتمام الأمريكي والأوروبي الذي ركز على نفوذ أطراف مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والمعروف باسم “داعش”، وما تحمله من فرص توسع في الإقليم واستهداف الدول الغربية.[20] وظهر الاختلاف الإسرائيلي مرة أخرى مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية حين ركزت إسرائيل على تأمين التوافق القائم مع روسيا وضمان أمن الجنود الإسرائيليين في الأجواء السورية، وهو ما جعل الموقف الإسرائيلي مختلفاً عن الموقف الأمريكي والمواقف الأوروبية التي انتصرت بشكل عام للسياسات الأوكرانية.[21] 

وتعددت الضربات الجوية التي استهدفت سوريا ونسبت إلى إسرائيل، والأهداف المعلنة للضربات عبر الإعلام وأطراف إسرائيلية مختلفة. وفي أبريل 2022 أعلن الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ أكثر من 400 غارة جوية في سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط منذ عام 2017 ضمن حملة واسعة تستهدف إيران وحلفائها في الإقليم.[22] وتمثلت الأهداف عادة، وفقاً للخطاب الإسرائيلي، في ما يطلق عليه تجمعات للقوات التابعة لإيران أو حزب الله، أو شحنات عسكرية تابعة لتلك الأطراف، بالإضافة إلى أنظمة دفاع روسية وقواعد لطائرات بدون طيار يديرها مستشارون عسكريون إيرانيون. وتطورت حملة الاستهداف مع الوقت من التركيز على شحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى مقاتلي حزب الله في لبنان، إلى استهداف المقاتلين المدعومين من إيران في سوريا، قبل أن تتحول إلى ضرب المواقع العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية بشكل مباشر.

واعتمد التحرك الإسرائيلي في سوريا تحديداً على تصور يربط ضبط التفاعلات على الجبهة السورية بالأطراف المؤثرة على التطورات الإقليمية بالنسبة للأمن الإسرائيلي في ظل مثلث يجمع بين روسيا وإيران وإسرائيل. وتحيد تلك الرؤية، إلى درجة كبيرة، تأثير النظام السوري وفقاً للأوضاع القائمة من وجهة نظر إسرائيل التي تركز على الأطراف الخارجية الفاعلة وتأثيرها على الأمن المباشر سواء في العلاقة مع إيران على ساحة الجبهة السورية، وغير المباشر في تأثير إيران على الجبهات الفلسطينية واللبنانية.

ورغم تطور الموقف الروسي من الهجمات الإسرائيلية من غض الطرف، إلى النقد المتحفظ، ساهم التفاهم الروسي- الإسرائيلي، الذي تم التوصل إليه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، في استمرار العمليات الإسرائيلية في سوريا ضمن حدود تسمح بعدم التصعيد مع روسيا، أو إسقاط الطائرات الروسية بالخطأ كما حدث في سبتمبر 2018،[23] مع تحقيق المصالح الإسرائيلية وفي القلب منها الحيلولة دون تحول الحدود مع سوريا إلى نقطة تهديد كما هو الوضع في جنوب لبنان. ومع بدء الحرب الروسية- الأوكرانية تعاملت إسرائيل مع التطورات وفقاً لمصالحها في مواجهة إيران على الساحة السورية، وبالتالي وفقاً لمصالحها مع روسيا وخاصة المرتبط منها بالوضع في سوريا، وعبرت عن مخاوفها من إعادة تموضع إيران في سوريا والانتشار في المناطق التي يتصور أن تنسحب منها روسيا، وخاصة في حالة إطالة أمد الحرب.

 وبشكل عام، مثل الوجود الروسي في سوريا عنصراً أساسياً في التأثير على مجمل التطورات وخاصة على صعيد الاستهداف الإسرائيلي للأراضي السورية، وحدود ما يتم استهدافه، والتصعيد المحتمل من قبل الأطراف المعنية. وبهذا، مثل الوجود الروسي عنصراً ضابطاً للتحرك الإسرائيلي، ومن وجهة نظر إسرائيل للتحرك الإيراني، وبشكل عام لحدود التصعيد، بما يطرح التساؤل حول انعكاسات التغير في طبيعة الوجود الروسي على تلك الأطراف والنظام السوري من أجل ضبط حدود التصعيد.

بدورها، تجد روسيا في تلك التطورات والحديث عن احتمال تراجع نفوذها مقابل النفوذ الأمريكي وحديث بايدن خلال زيارته في يوليو الجاري عن عدم ترك الشرق الأوسط أو ترك فراغ “تملؤه روسيا أو الصين أو إيران”،[24] أسباباً إضافية للتواجد والفاعلية، بما يبرر، ضمن أسباب أخرى، الحديث عن خطط زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران في 19 يوليو الجاري، وعقب مغادرة بايدن للمنطقة،[25] وهي الزيارة لتي اعتبرتها صحف إيرانية رداً على زيارة بايدن وتأكيداً على أهمية الدور الروسي في الشرق الأوسط.[26]

من جانب آخر، تساهم الهجمات الإسرائيلية باسم استهداف إيران وحزب الله، أو شحنات أسلحة ومواقع تخزين أسلحة تخص الطرفين، في تركيز الأضواء على المخاطر الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في الإقليم، وهي الرسالة التي تدعم الحديث الإسرائيلي عن المخاوف من إيران وبرنامجها النووي، وتدعم موقف إسرائيل الرافض للاتفاق النووي وكل ما يتعلق بالمفاوضات من أجل إحياء الاتفاق أو تنفيذ المطالب الإيرانية الخاصة بوضع الحرس الثوري الإيراني وأهمية إخراجه من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. بالإضافة إلى حاجة إسرائيل للتأكيد المستمر على فكرة التهديد الإيراني والتي اكتسبت أهمية إضافية في مرحلة الاستعداد لزيارة بايدن للمنطقة وخلال الزيارة، وعلى هامش المفاوضات الغير مباشرة التي كان يعد لها في هذا الوقت حول الاتفاق النووي الإيراني، والتي عقدت في الدوحة يومي 28 و29 يونيو الفائت، دون التوصل إلى اتفاق.[27]

وعلى الرغم من اعتراف الميجور جنرال أميكام نوركين، القائد الأسبق لسلاح الجو الإسرائيلي ومهندس حملة الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، بعدم تحقق أهداف العملية بنسبة 100 بالمائة، لكنه أشار إلى أنه بدون تلك الأنشطة، أو الضربات الجوية، “لكان الوضع أسوأ لنا (إسرائيل) بكثير”.  بالمقابل اعتبرت أصوات إسرائيلية أخرى، مثل كارميت فالينسي الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن الحملة “أدت إلى انسحاب القوات الإيرانية من مواقع قريبة من الحدود الإسرائيلية إلى مناطق أكثر أماناً لها (إسرائيل) في شرق سوريا”، واصفة الحملة بأنها “استراتيجية فعالة، لكنها غير كافية للتعامل مع ترسخ إيران الكامل وتهديداتها”.[28]

وفي هذا السياق، جاء استهداف مطار دمشق ليدشن ما اعتبر مرحلة جديدة من التصعيد. مرحلة تجد جزءاً أساسياً من تفسيرها في التطورات التي صاحبت الحرب الروسية- الأوكرانية، والتخوفات الإسرائيلية المعلنة من زيادة نفوذ إيران في سوريا مع انسحاب أو تراجع الوجود الروسي، ومعه زيادة التهديدات القريبة على الساحات الثلاثة المؤئرة على أمن إسرائيل بشكل مباشر، وهي لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية. وتزامن الحديث الإسرائيلي عن تلك المخاوف مع حديث متزايد عن المخاوف من حرب متعددة الجبهات، بما فيها الحرب مع حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وعلاقة تلك الأطراف بإيران وتأثير تمركزها في سوريا. وساهم الخطاب الإسرائيلي في تعظيم المخاوف من إيران والاتفاق النووي وصولاً إلى ما ارتبط بالمفاوضات من سلبيات ربطت إيران بينها وبين الجهود الإسرائيلية من أجل عرقلة الاتفاق.

ومثل استهداف مطار دمشق خطوة  تصعيدية كبيرة اعتبرت الأشد شمولاً ضد هدف مدني بالنظر إلى سجل الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت سوريا خلال سنوات الحرب والتي ركزت على عنوان كبير هو الأهداف العسكرية أو شبه العسكرية. وتم التعامل مع استهداف المطار بوصفه أشد الضربات التي وجهت إلى أهداف مدنية، كما أنه أحد الأهداف الأكثر تأثيراً، خاصة وأن المطار ظل يعمل خلال سنوات الحرب بالمخالفة لما حدث بعد الاستهداف الإسرائيلي.[29]

ولم يختلف موقف إسرائيل من الضربات الجوية التي استهدفت المطار عن المواقف السابقة والممثلة في عدم الإعلان رسمياً عن تبنيها للعملية رغم صدور تصريحات إعلامية وتسريبات وتحليلات عن أسباب العمليات عادة وما يتردد عن احتمال قيام إسرائيل بها وأسباب الاستهداف. وعلى الرغم من التعامل مع المطار بوصفه هدفاً مدنياً واضحاً، أكدت التصريحات الإسرائيلية المختلفة ارتباط المطار بتحركات عسكرية واستخدامه في نقل أسلحة إيرانية، حيث أفادت أخبار القناة 12 الإسرائيلية أن تدمير بعض مدارج الطائرات منع طائرات الشحن الكبيرة من الهبوط وبهذا “لم تتمكن طائرات الشحن الإيرانية من طراز بوينج 747 التي تستخدمها لتوصيل أنظمة مجهزة بتكنولوجيا التوجيه لتحديث الصواريخ الحالية إلى صواريخ دقيقة التوجيه، من الهبوط”.[30] وتراكم تلك التصريحات بدورها التقارير والتسريبات الإسرائيلية المختلفة عن تزايد النشاط العسكري الإيراني ونقل أسلحة عبر مناطق مختلفة في سوريا على هامش الحرب في أوكرانيا.

ويمثل استهداف مطار دمشق الدولي خطوة كاشفة عن مستوى التصعيد القائم في العلاقات الإسرائيلية- الإيرانية، وكيف تتزايد أهمية سوريا بوصفها ساحة المواجهة التي تتشابك فيها الكثير من الملفات المباشرة وغير المباشرة بين البلدين. وفي الوقت الذي تبدو فيه الحرب الفعلية بين إيران وإسرائيل مؤجلة، تدور المعارك بصور مختلفة في الساحة السورية بوصفها مرحلة “الحرب بين الحروب” أو الاستعداد للحرب. وفي حين يمكن أن تتطور الأوضاع على الساحة السورية مع تغير موازين القوى التي تحكم التفاعلات القائمة، ووفقاً للمعادلة التي تحكم العلاقة بين روسيا وإيران وإسرائيل في الساحة السورية، فإن التطورات على الساحة السورية يمكن أن تتجاوز التصعيد المقيد أو المفتوح على الصعيد السوري إلى التصعيد المقيد أو المفتوح على الساحة الفلسطينية أو اللبنانية أو تتجاوز تلك الساحات المباشرة إلى الإقليم.

 كما يربط استهداف مطار دمشق بين التطورات على صعيد الموقف الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني، والسياسات الإيرانية على صعيد المخاوف المرتبطة بتغير التوازنات بين الفاعلين في الساحة السورية لصالح الوجود الإيراني بفعل الحرب في أوكرانيا. وجاء استهداف المطار بعد سلسلة من التوترات بين إسرائيل وإيران شملت اتهام إيران لإسرائيل باغتيال خدايي، وتصاعد النزاع الإسرائيلي- اللبناني في مجال ترسيم الحدود البحرية، وتهديد حزب الله بضرب منصة الغاز التي تؤسسها إسرائيل ضمن المنطقة المتنازع عليها مع  لبنان. وعلى خلفية إعلان “محور القدس”[31] على هامش الاحتفال بيوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من رمضان، الموافق 29 أبريل الماضي، بدلاً من الحديث عن “محور المقاومة” بكل ما عكسه من تغيير في الإطار العام للمواجهة ومعها تأكيد إيران على دعم كل القوى التي تحارب إسرائيل وأن المعركة القادمة حول المسجد الأقصى يمكن أن تقود إلى حرب إقليمية.

وفي حين تتحدث التحليلات العسكرية الإسرائيلية عن قدرة الضربات الجوية التي تتم في سوريا على تحقيق هدف أساسي هو عرقلة الطموحات العسكرية الإيرانية والامتداد بشكل أوسع في سوريا، لكنها أدت إلى دفع الصراع إلى ساحات أخرى وتوفير أسباب التصعيد. ومع نهاية فترة بينيت في يونيو الفائت، انتقل التركيز الإسرائيلي من الحديث عن “المعركة بين الحروب” إلى “عقيدة الأخطبوط” بوصفها الاستراتيجية الأساسية للتعامل مع إيران خلال فترة بينيت، وبوصفها جزءاً من توسيع المعركة مع طهران. وظهر هذا التركيز ضمن الحديث عن إنجازات بينيت على هامش الإعلان عن انتخابات الكنيست المبكرة في نوفمبر 2022، ونقل منصب رئاسة الوزارة إلى لبيد شريك بينيت في الائتلاف.

المعركة ما بين “الحرب بين الحروب” و”عقيدة الأخطبوط”

تستهدف إسرائيل من الضربات في سوريا المصالح الإيرانية، والتعامل مع كل ما يتعلق بالمخاوف من الوجود الإيراني بالقرب من الحدود، والدعم المالي والعسكري للفصائل الفلسطينية وحزب الله، وتجنب تهديد الوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل.[32] وتعد عمليات الاستهداف داخل سوريا جزءاً من معركة غير مباشرة تمثل مرحلة أقرب للاستعداد لحالة حرب وهي “الحرب بين الحروب” التي تتشابك بدورها مع نقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية وفقاً لاستراتيجية “عقيدة الأخطبوط”.

وجاء حديث بينيت عن “عقيدة الأخطبوط” في 11 يونيو الفائت، عندما أشار إلى تطبيق إسرائيل لما اسماه “معادلة جديدة… لاستهداف إيران”. ووفقاً له، فإن “عقيدة الأخطبوط” تستهدف “إيران بشكل مباشر، لا أذرعها”، وتختلف عن “حرب الظل” التي تخوضها إسرائيل مع إيران منذ أربعة عقود في عدم الاقتصار على مواجهة “وكلاء إيران” واستهداف المنبع.[33]

وتختلف “عقيدة الأخطبوط”، وفقاً لهذا، عن “الحرب بين الحروب” باعتبار أن الثانية استهدفت إسرائيلياً “مخالب إيران في سوريا”، كما أسماها بينيت، أو الأطراف المتحالفة مع إيران، عبر القيام بعزل تلك “المخالب” واحدة تلو الأخرى على أمل أن تتوقف طهران في النهاية عن إعادة نموها،[34] في حين تعترف “عقيدة الأخطبوط” بأهمية استهداف إيران بشكل مباشر وداخل أراضيها بحيث تتوقف عن تربية مخالبها أو دعم الحلفاء المهددين لأمن إسرائيل.

وتقترب الرؤية الإسرائيلية بهذا من التركيز على رأس الأخطبوط بدلاً من التعامل مع الأذرع بشكل لا يؤكد فقط على خطورة “المنبع”، كما أشار بينيت، ولكن بشكل يساهم في تهميش قيمة “الأذرع” وتأثيرها مقارنة بالرأس، ومحاولة تأكيد أن أطرافاً مثل حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وهي التنظيمات التي اعتبرها بينيت “وكيلي إيران في المنطقة”، مجرد انعكاس للسياسات الإيرانية. وتسمح تلك الرؤية الإسرائيلية التي تميز بشكل ما بين ما يمكن تسميته أصلاً ثابتاً وعنصراً متغيراً في مصادر التهديدات، برؤية تتصور أن فرض قيود أكبر على إيران، وقبول نسخة “أكثر صرامة” من الاتفاق النووي، من شأنها تخفيض معدل التهديد الذي يمثله حزب الله في الجبهة اللبنانية وتمثله حماس في قطاع غزة والساحة الفلسطينية.

تعيد “عقيدة الأخطبوط” تكثيف وترسيخ فكرة المخاطر المترتبة على التهديد الإيراني، والفرص الضائعة للتهدئة في حالة توقفت إيران عن دعم حزب الله وحماس. ورغم أنها رؤية محدودة للأزمات القائمة وطبيعة الصراع على الساحة اللبنانية والفلسطينية، لكنها تساهم في تحقيق الأهداف الإسرائيلية في الجبهات المهددة للأمن الإسرائيلي. وبشكل عام، تظل “مخالب إيران” أو “أذرعها”، كما يطلق عليها إسرائيلياً، هي الهدف النهائي من مواجهة إيران عبر “الحرب بين الحروب” و”عقيدة الأخطبوط”، وتتشابه الاستراتيجيات المقدمة في استهداف تلك الأطراف المرتبطة بإيران بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن تختلف في محور التركيز وساحة الاستهداف، ودرجة المواجهة والاحتكاك المحتملة مع إيران وداخل الساحة الإيرانية.

 وتشمل استراتيجية “عقيدة الأخطبوط” تكثيف حملة إسرائيل لجهود إحباط برامج طهران النووية والصاروخية والطائرات المسيرة عبر سلسلة من العمليات التي تستهدف مجموعة أوسع من الأهداف داخل إيران. وهي التحركات التي تؤكد أيضاً، كما تهدف إسرائيل، على إمكانية اختراق إيران من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية المختلفة. ولهذا، يتم التعامل مع “عقيدة الأخطبوط” بوصفها تأكيداً على استمرار المعركة مع إيران و”الحرب بين الحروب”[35]، حيث تستمر المشاكل في الظهور وتحاول إسرائيل التعامل معها بتنويعات مختلفة من الأساليب وعبر ساحات جغرافية متنوعة. ورغم التعامل مع تلك الأفكار بوصفها جزءاً من الحرب “الصامتة” التي تعبر عنها “الحرب بين الحروب”، تحمل المواجهة على الأراضي الإيرانية فرصاً أكبر للتصعيد مع الوقت.

وظهرت استراتيجية “عقيدة الأخطبوط” في عدة تحركات نسبت لإسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنها: الهجوم على قاعدة جوية للطائرات المسيرة غرب إيران، واستهداف مسئولين إيرانيين كبار ليس في البرنامج النووى فقط ولكن في الحرس الثوري وفيلق القدس وداخل إيران كما هو الحال في عملية اغتيال خدايي الذي مثل للبعض نقطة تحول وتأكيداً على استهداف إسرائيل بشكل خاص لفيلق القدس الذي يمثل “الوجه العسكري لسياسة إيران الإقليمية”[36].

وبهذا، تتشابك السياسات الإسرائيلية التي تتعامل مع إيران ضمن مظلة كبيرة وقابلة للاتساع على صعيد الجغرافيا والأهداف المقصودة والمحتملة، وعبر الحدود من سوريا ولبنان والعراق إلى داخل إيران، ومن الجوار المباشر إلى تركيا. وتتكامل تلك الرؤى الإسرائيلية المقدمة في توسيع نطاق العمليات ما بين “الحرب بين الحروب” و”عقيدة الأخطبوط” وخطر إيران وبرنامجها النووي الذي عبر عنه “إعلان القدس” دون أن تسمح أو تبرر إسقاط استراتيجية على حساب أخرى، ومع احتمال طرح تصورات إسرائيلية أكثر شمولاً قد تختلف في التفاصيل دون أن تقيد ساحات المواجهة أو بنك الأهداف ما لم تتغير الأوضاع التي تحدد التفاعلات بين الأطراف القائمة. ويتصور أن يتم الجمع بين استهداف ما تسميه إسرائيل وكلاء إيران خارج البلاد وخاصة في سوريا، وأهداف داخل إيران لفترة من الوقت، وفقاً للتطورات على الساحة السورية بالأساس وغيرها من العوامل المؤثرة مثل الاتفاق النووي والأوضاع في الإقليم.

وإلى جانب توسيع الاستهداف جغرافياً، وعدم التركيز على الأهداف داخل سوريا فقط، يتم أيضاً توسيع بنك الأهداف. وبعد التركيز لفترة طويلة على مواجهة البرنامج النووي الإيراني يتم توسيع الحملة الإسرائيلية بما يتسق مع إدراك إسرائيل لما تحقق فعلياً على صعيد البرنامج النووي الإيراني وتقدم إيران في مجال إنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة، وفي حين يتم التركيز بشكل متزايد على منع طهران من تطوير رأس حربي نووي وصاروخ يمكنه حمله،[37] يتم التركيز على الرموز الأمنية في الحرس الثوري الإيراني من أجل توسيع التأثير السلبي وتعميق حديث “شيطنة” إيران في الإقليم والعالم وترسيخ المخاوف القادمة من طهران.

بدوره، ساهم الحديث الإسرائيلي عن استهداف المدنيين الإسرائيليين في الخارج من قبل وحدات أمنية إيرانية، والتحذيرات من السفر إلى تركيا، في تحقيق عدة أهداف لإسرائيل، أبرزها تغذية صورة الحرب الدائمة والصراع المستمر بين إسرائيل وإيران، وتنوع نطاق المواجهة من ناحية الجغرافيا والأهداف. كما تسمح تلك المخاوف المتكررة بتوسيع عمليات الاستهداف ليس فقط ضد إيران، سواء في الداخل أو سوريا، ولكن في داخل الضفة الغربية وغيرها من المناطق على أساس وجود خلايا تعمل لصالح إيران ضمن السكان المحليين، وفقاً لتصريحات رام بن باراك رئيس لجنة الخارجية والدفاع بالكنيست الإسرائيلي في 19 يونيو الفائت، ووسط الحديث عن رغبة إيران في الانتقام بعد العمليات التي استهدفت إيرانيين بارزين مرتبطين بالجهود العسكرية.[38]

بهذا، يمكن القول إن الساحة السورية تحولت إلى نقطة التقاء وتقاطع مصالح وتهديدات الأطراف الإقليمية الفاعلة، ومعها جاءت التشابكات الدولية في علاقة تأثير تبادلية يرتب تحرك طرف فيها ردود فعل وتحركات من الأطراف الأخرى من أجل الحفاظ على الأوضاع القائمة أو تغييرها وتحسين شروط لعبة التوازنات والمخاطر القائمة. من جانب آخر، تدخل بعض الأطراف على ساحة التفاعلات بحكم علاقتها بالنظام السوري، كما هو الحال مع التواجد الروسي والإيراني وما يرتبط به من تواجد حزب الله، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية. وبدوره، يمثل هذا التواجد نقطة استقطاب وإثارة مخاوف وتقديم ذرائع وتبريرات لتدخل أطراف أخرى، كما هو الحال مع إسرائيل.

وفي ظل تلك الوضعية، يصعب تحييد الساحة السورية من دفع ثمن تلك الصراعات، وتستمر أسباب الصراع والتصعيد في التزايد، ومعها الخسائر البشرية والمادية وتآكل السيادة والمزيد من التدخل الإقليمي والدولي، والعمليات الإسرائيلية التي تبرر استمرارها بحديث المخاوف والتهديدات القادمة من سوريا وخاصة في حالة تراجع التواجد الروسي وتزايد التواجد الإيراني على هامش الحرب الروسية- الأوكرانية. بالإضافة إلى تأثير فرص التصعيد على الجبهة اللبنانية وانعكاساتها على الوضع في الساحة السورية، وفي ظل اختيار إسرائيل الرد عبر استهداف الساحة السورية تستمر فرص الاستهداف الإسرائيلية للأراضي السورية بفعل تقاطع التهديد القادم من إيران وحزب الله، بالنسبة لإسرائيل، وتحولها إلى ساحة عملية لتطبيق سياسة “الحرب بين الحروب” وعقيدة “رأس الأخطبوط” التي تمثل إيران هدفها وسوريا ساحتها الأساسية.

ولا يتصور أن تغير إسرائيل سياستها نحو التهدئة في ظل الأوضاع القائمة وخاصة بعد الزخم الذي حصلت عليه تل أبيب خلال زيارة بايدن وعبر “إعلان القدس”. كما يمكن اللجوء إلى المزيد من التصعيد في سوريا ضمن التطورات على الساحة السياسية الإسرائيلية والانتخابات البرلمانية المبكرة وسهولة كسب النقاط عبر التشدد في الساحة السورية، مع تعميق الحديث عن مخاطر إيران وضرورة معاقبتها على البرنامج النووي والحيلولة دون التوصل إلى اتفاق.


[1] Anna Ahronheim, “One year of Bennett’s Israel: The Octopus doctrine, terror and a budget”, The Jerusalem Post, June 12, 2022, available at:https://www.jpost.com/israel-news/article-709207
[2] The Jerusalem U.S.- Israel Strategic Partnership Joint Declaration, The White House, July 14, 2022, available at:https://www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases/2022/07/14/the-jerusalem-u-s-israel-strategic-partnership-joint-declaration/
[3] “Lapid, Biden talk regional issues in one-on-one meeting”, i24 News, July 14, 2022, available at:https://www.i24news.tv/en/news/israel/diplomacy/1657797953-lapid-biden-talk-regional-issues-in-one-on-one-meeting
[4] Yaakov Lappin, “The war between wars: Israel vs Iran in Syria”,  Fathom Journal, October 2018, available at:
[5] Bassem Morue, “Israel strike crippling Syria’s main airport hikes tensions”, AP News, June 14, 2022, available at:https://apnews.com/article/russia-ukraine-politics-business-iran-middle-east-5f55521b3d0610fd3206b20830924922
[6]   “قناة إسرائيلية تكشف استهداف سلاح إيراني يغير قواعد اللعبة في طرطوس”، السورية نت، المنتدي السوري، 3 يوليو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.alsouria.net/قناة-إسرائيلية-تكشف-استهداف-سلاح-إيرا/
[7] “إسرائيل تسقط طائرات مسيرة أرسلها حزب الله تجاه حقل كاريش للغاز”، بي بي سي، 2 يوليو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.bbc.com/arabic/middleeast-62018988
[8] “المرصد: إسرائيل استهدفت مواقع تابعة لحزب الله في طرطوس”، العربية نت، 2 يوليو 2022.
[9] “حل الكنيست الإسرائيلي: لابيد يتسلم رئاسة الوزراء من بينيت وانتخابات مبكرة في نوفمبر”، فرانس 24، 1 يوليو 2022.
[10] “إسرائيل تسقط 3 مسيرات.. ولابيد لحزب الله وإيران: لا تختبروا قدراتنا”، العربية. نت، 2 يوليو 2022.
[11] Amos Yadlin and Assaf Orion, “The campaign between wars: Faster, higher, fiercer?”, The Institute for National Security, Tel Aviv University, Insight No. 1209, August 30, 2019, available at: https://www.inss.org.il/publication/the-campaign-between-wars-faster-higher-fiercer/
[12]  “الكاظمي يتفقد الموقع الذي تعرض للقصف الصاروخي في أربيل..”، سبوتنيك، 14مارس 2022.
[13] “إيران: حذرنا مراراً من وجود الموساد الإسرائيلي في العراق وسنقضي على أي مصدر للتهديد”، سبوتنك، 13 يونيو 2022.
[14] Farnaz Fassihi and Adam Nossiter, “A senior member of Iran’s Revolutionary Guard is killed in Tehran”, The New York Times, May 22, 2022, available at: https://www.nytimes.com/2022/05/22/world/asia/iran-revolutionary-guard-killed.html
[15] Farnaz Fassihi and Ronen Bergman, “Israel tells U.S. It killed Iranian officer, official says”, The New York Times, May 25, 2022, available at:https://www.nytimes.com/2022/05/25/world/middleeast/iran-israel-killing-khodayee.html
[16]  “Lapid, Biden talk regional issues in one-on-one meeting”, Op.cit.
[17]  “صياد خدايي: اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني بخمس رصاصات قرب منزله في طهران”، بي بي سي، 22 مايو 2022.
[18]  “بسبب تهديدات إيرانية- إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى تركيا”، موقع دويتش فيله، 30 مايو 2022.
[19]  “إسرائيل… رئيس الوزراء يحذر إيران من استهداف المواطنين في الخارج”، صوت العراق، 19 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.sotaliraq.com/2022/06/19/إسرائيل-رئيس-الوزراء-يحذر-إيران-من-است/
[20] Larry Hanauer, Israel’s Interests and Options in Syria. Santa Monica, RAND Corporation, 2016, available at:https://www.rand.org/pubs/perspectives/PE185.html.
[21]  عبير ياسين، “إسرائيل وسياسة الحبل المشدود في الحرب الأوكرانية”، موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية على الإنترنت، 6 أبريل 2022، متاح على الرابط التالي:https://acpss.ahram.org.eg/News/17459.aspx
[22]  “حرب بين الحروب.. استراتيجية إسرائيل لردع إيران: أكثر من 400 غارة جوية إسرائيلية استهدفت إيران وحلفاءها منذ 2017“، الشرق الأوسط، 11 أبريل 2022.
[23]  “إسرائيل وروسيا تتعهدان بعدم التصادم إثر حادثة إسقاط طائرة روسية قبالة سواحل سوريا”، فرانس 24، 20 سبتمبر 2018.
[24]  “بايدن: لن نترك فراغاً تملؤه روسيا أو الصين أو إيران”، الشرق الأوسط، 16 يوليو 2022، متاح على الرابط التالي:https://aawsat.com/home/article/3761361/بايدن-لن-نترك-فراغاً-تملؤه-روسيا-أو-الصين-أو-إيران
[25]  “قمة بين بوتين ورئيسي واردوغان بشأن سوريا في طهرات في 19 تموز/ يوليو”، فرانس 24، 12يوليو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.france24.com/ar/الأخبارالمستمرة/20220712-قمة-بين-بوتين-ورئيسي-وإردوغان-بشأن-سوريا-في-طهران-في-19-تموز-يوليو-الكرملين
[26]  “صحف إيران: زيارة بوتين لطهران رداً على جولة بايدن بالمنطقة ونتائج عسكية للحجاب الإجباري”، قناة إيران إنترناشيونال، 13 يوليو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.iranintl.com/ar/202207134667
[27]  د. محمد عباس ناجي، “حسابات جديدة: دلالات انعقاد المفاوضات النووية في الدوحة”، موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 30 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:https://acpss.ahram.org.eg/News/17528.aspx
[28]  “حرب بين الحروب.. استراتيجية إسرائيل لردع إيران: أكثر من 400 غارة جوية إسرائيلية استهدفت إيران وحلفاءها منذ 2017“، مرجع سبق ذكره.
[29]  محمد عكاشة، “إسرائيل تقصف مطار سوريا الرئيسي.. وتصاعد التوتر مع حزب الله وإيران”، أوان مصر، 14 يونيو 2022.
[30]  تايمز أوف إسرائيل، “غارة إسرائيلية على مطار دمشق منعت طائرات الشحن الإيرانية من الهبوط”، تايمز أوف إسرائيل، 10 يونيو 2022.
[31]  إيهاب شوقي، “القدس هي المحور: معادلة استراتيجية لا شعار”، موقع  العهد الإخباري، 27 أبريل 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=41891&cid=124
[32]  عبير ياسين، “التصعيد الإسرائيلي في سوريا .. الأهداف والانعكاسات”، جريدة الأهرام، 25 نوفمبر 2021.
[33]  “عقيدة الأخطبوط.. إسرائيل تكشف عن معادلة جديدة لاستهداف إيران مباشرة”، موقع صدى البلد، 11 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:https://www.elbalad.news/5315047
[34]  Seth J. Frantzman, “Iran and Hezbollah analyze Israel’s war between the wars”, The Jerusalem Post, November 14, 2021, available at:https://www.jpost.com/middle-east/iran-and-hezbollah-analyze-israels-war-between-the-wars-684950
[35]  Seth J. Frantzman, “Can Syria handle the new Octopus doctrine?”, The Jerusalem Post, June 13, 2022, available at: https://www.jpost.com/middle-east/article-709250
[36]  هدى رؤوف، “اغتيال خدايي.. إلى أى مدى غيرت إسرائيل سياستها تجاه إيران”، العربية نت، 28 مايو 2022.
[37]  “عقيدة الأخطبوط… خطة إسرائيل لنقل المعركة إلى إيران”، العين، 21 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:https://al-ain.com/article/israel-operations-iranian-nuclear-military-assets
[38]  المرجع السابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى