أقلام وأراء

عبير بشير تكتب – عن تفخيخ مفاوضات الناقورة

بقلم عبير بشير ٥-١٢-٢٠٢٠م

تراجعت تل أبيب خطوة إلى الوراء، على أبواب الجولة الخامسة من جلسات ترسيم الحدود غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان، تحت رعاية أميركية، ثم فتحت النار على الجلسات.
فقبل أيام، أبلغت إسرائيل الجانبين الأممي والأميركي، أن الوفد الإسرائيلي لن يُشارك في الجلسة الخامسة التي ستعقد بتاريخ ٢ كانون الأول في الخيمة الزرقاء في الناقورة. وحاولت تبرير ذلك بأن «لبنان بدل في وجهة نظره حيال الحدود ٧ مرات».
في الحقيقة، أدرك الإسرائيليون أن الإستراتيجية التي رسموها حيال التعامل مع ملف ترسيم الحدود مع لبنان اصطدمت بجدار كبير.
لذا، يريدون الآن ممارسة الضغط من أجل التعديل في شروط التفاوض. في الأساس، بنوا نظريتهم على قاعدة التفاوض على أساس خط المبعوث الأميركي هوف، للحصول على كمية إضافية من الكيلومترات المنهوبة من البحر اللبناني، ليكتشفوا لاحقاً أن الجانب اللبناني رمى في وجههم خرائط تستند إلى الاتفاقات الدولية، تمنحه حقاً مكتسباً من ملكية بحرية تفوق خط هوف والخط ٢٣ بـ ١٤٣٠ كم٢. ما يساوي مجموع حقوقه ٢٢٩٠ كم٢.
كلمة السر وردت على لسان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس بعد عرض قدمه عبر «تويتر» إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، يقضي بإجراء تعديل على طبيعة المفاوضات، من غير مباشرة إلى علنية أو سرية تتكفل باستضافتها إحدى الدول الأوروبية «ليأتي الحل للحدود البحرية مرة واحدة وللأبد». فتل أبيب ما عادت ترغب بمفاوضات «تحت صفة غير مباشرة»، بل ترمي إلى تعميم منطق التطبيع بالاستناد إلى الأجواء الإقليمية.
ويبدو مع تعثر المفاوضات غير المباشرة حول الترسيم البحري، أن «التنقيب» عن اتفاق حدودي سيكون مهمة شاقة جداً، وسط الهوة المائية التي تفصل بين النظرتين اللبنانية والإسرائيلية إلى خط الحدود، والانحياز الأميركي.
«فإما تراجع لبنان عن سقفه التفاوضي، وإما عقوبات على كل من يتمسّك بهذا السقف». هذه هي خلاصة الرسالة، التي حملتها السفيرة الأميركية لدى بيروت التي طافت على المرجعيات اللبنانية.
لكن رئيس الوفد الأميركي المفاوض، السفير جون ديروشيه، الذي التقى ميشيل عون، حمل الرسالة نفسها، لكن بلهجة أقل حدة.
هو طالب بالعودة إلى خط هوف، بينما أكد عون أن لبنان يريد أن تنجح المفاوضات، لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب، ويمكّن لبنان من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط، وقال: إن الصعوبات التي برزت في الجولة الأخيرة للتفاوض يمكن تذليلها، من خلال الارتكاز على الحقوق الدولية، ومواد قانون البحار.
لقد دفع المأزق المبكر، رئيس الوفد الأميركي، إلى الاستعاضة عن جلسة المفاوضات، بمحاولة الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتليين موقف الوفد المفاوض.
صحيح أنه سيكون من المستحيل، أن تقبل تل أبيب بالمقاربة اللبنانية التي تفضي إلى الحصول على أجزاء من حقل كاريش الواقع تحت سيطرة إسرائيل، إلا أنه يبدو أن الإستراتيجية التفاوضية التي يعتمدها الوفد اللبناني هي «التفاوض الهجومي» الذي من شأنه أن يحمي البلوكات النفطية التي تقع على تماس مع إسرائيل، بدل أن يكون دفاعياً، خصوصاً مع الإصرار الأميركي على تبني المطالب الإسرائيلية، واعتماد خط هوف كأساس للتفاوض.
ولا ينفصل الموقف الأميركي عن الضغوط المستمرة على لبنان، وعن ملف العقوبات. وهذا استدعى موقفاً فرنسياً عشية عقد مؤتمر الدعم الإنساني للبنان، فقد صدر بيان عن الإليزيه رفض فيه العقوبات الأميركية، لأنها لم تسهم في المساعدة على تشكيل حكومة في لبنان.
الموقف هذا يؤكد الاختلاف بين الرؤية الأميركية والفرنسية من الأزمة المفتوحة في لبنان، والذي لم ينجح حتى الآن في تأليف حكومته.
وجاء الموقف الفرنسي الرافض للعقوبات، والمطالب ضمناً بتأجيلها إلى مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة، لمعرفة ما الذي يمكن أن تقدمه على صعيد الخطة الإصلاحية والاقتصادية. وبعد التواصل مع سعد الحريري، حيث تشير المعلومات إلى أن الحريري، يريد ضمانات فرنسية، بعدم فرض عقوبات أميركية عليه في حال الإعلان عن حكومته، ويؤكد أن تشكيلته الحكومية معقولة لجهة أسماء الوزراء الشيعة الذين يمثلون قماشة جيدة، بعيدة عن هيمنة «حزب الله».
وأتى المؤتمر الذي أراده ماكرون لدعم لبنان، مخيباً للآمال، في الشكل والمضمون، وفي السياسة، قبل الاقتصاد والمال، بفعل عدم وجود حكومة لبنانية أصيلة. ولم ينجح منظّمو المؤتمر في «حشد» التأييد الدوليّ المطلوب، فغاب معظم رؤساء الدول أو الحكومات الذين تمّت دعوتهم.
فقد كان المؤتمر أشبَهُ بطقسٍ من طقوسِ التسول. وكان ٢٤٦ مليون دولار هو مبلغُ البقشيش. ومن دونِ مواربةٍ أجمعَ صندوقُ النقدِ ومعه الدولُ المانحةُ خلالَ المؤتمرِ على أن المساعدات ستكونُ إنسانية ولن تمرَّ بالقنواتِ الحكوميةِ، وأنه لا قروضَ إلا ومشروطة بإصلاحاتٍ، وأنَّ لبنانَ لم يحقق منها شيئاً حتى الآن.
ولم يكن مفاجئاً أن يكرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال افتتاح مؤتمر الدعم، عبر تقنية الفيديو كونفرنس، أنه لا مساعدات دولية للبنان دون تشكيل الحكومة وتنفيذ خارطة طريق الإصلاحات، وأن دعم الشعب اللبناني موجود وسيبقى، ولكنه لن يحل محل عمل السلطات اللبنانية.
وقالت صحيفة «لا فيغارو» الفرنسية: إن جزرة المساعدات الدولية تبدو عديمة الفاعلية في مواجهة انهيار النظام السياسي اللبناني الذي يظهر أنه غير قابل للإصلاح، ما يخلّف مرارة كبيرة لدى الرئيس الفرنسي الذي سافر مرتين إلى بيروت لحثّ القادة اللبنانيين على الاتفاق على «حكومة مهمة.
على كل حال، كان لا يكفي الرئيس ماكرون، الاعتماد على «فرانكوفونية» الدولة اللبنانية وتعلّق اللبنانيين بـ «نوستالجيا» للأم الحنون، وعلى اجتماع فولكلوري لقادة سياسيين في لبنان، هم في الأساس، أساس مشكلة لبنان، وعلى كارثة المرفأ؛ للاعتقاد بأن الساسة في لبنان، سيتداعون لتنفيذ المبادرة الفرنسية.
فالأزمة السياسية في لبنان أزمة سياسية مركبة، حيث يتداخل السياسي بالحزبي والطائفي كما المذهبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى