أقلام وأراء

عبير بشير  تكتب –  السيسي – بينيت : غزّة أوّلاً ..!

عبير بشير *- 17/9/2021 

جاء لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ منذ أيام ليقاطع، رمزيّاً، تاريخي ذكرى مرور 28 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو و15 عاماً على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بشكل أحاديّ. في مسعى من القاهرة لترسيخ مكانتها كوسيط مركزي من أجل التوصّل إلى تسوية بعيدة الأمد بين إسرائيل و”حماس” في قطاع غزة. وربّما تريد القاهرة أيضاً أن تكون هي أوّل من يطلق مبادرة سياسية على صعيد القناة الفلسطينية-الإسرائيلية، بعد إزاحة بنيامين نتانياهو من رئاسة وزراء إسرائيل.

على الرغم من أنّ بينيت هو سيّد مشروع الاستيطان في الضفة الغربية، إلا أنّ تطوّرات كثيرة في المنطقة والعالم حتّمت إعادة الاتصالات بين مصر وإسرائيل، في منطقة تبدو مقبلة على تغيّرات كبيرة في ظلّ الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان، أقلّه من أجل استيعاب الوضع في غزة.

حركة “حماس” محبطة جداً من عدم نجاحها في تحويل حملة “حارس الأسوار” إلى إنجازات حقيقية. فحجم نقل البضائع إلى القطاع قليل، وإعادة الإعمار في غزة مجمّدة، بسبب التعنّت الإسرائيلي.

زيارة بينيت لشرم الشيخ، وهي الأولى بهذا المستوى لمسؤول إسرائيلي منذ عشر سنوات، حصلت على إيقاع فرار الأسرى الفلسطينيين الستّة من سجن جلبوع، وتنقيط الصواريخ من قطاع غزّة على إسرائيل، على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردّية في قطاع غزة بعد عملية “حارس الأسوار”، وعدم رضا حركة حماس عن التسوية التي فرضتها إسرائيل، والتي سمحت بإدخال ثلث المنحة القطرية الشهرية من دون دفع رواتب الموظفين في “حماس”.

البيان الرسمي حول لقاء بينيت والسيسي، شمل الكثير من المواضيع: التعاون بين الدولتين، والاتّفاقات التجارية، ومسائل إقليمية ودولية، ولكنّ الموضوع الأساس والأهمّ في اللقاء كان غزة. ومن الواضح للطرفين أنّ الوضع في غزة قابل للانفجار، وهو على شفا الانفجار العنيف.

حركة “حماس” محبطة جداً من عدم نجاحها في تحويل حملة “حارس الأسوار” إلى إنجازات حقيقية. فحجم نقل البضائع إلى القطاع قليل، وإعادة الإعمار في غزة مجمّدة، بسبب التعنّت الإسرائيلي في ربط ملفّ الإعمار في غزة باستعادة الجنود الإسرائيليين لدى حماس، فيما الفجوات بين الطرفين بشأن الصفقة لا تزال أكبر من أن تُحَلّ في وقت قريب. والنتيجة هي استياء متعاظم في “حماس”، يُترجَم بإطلاق البالونات الحارقة في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية، ومواجهات على طول السياج الفاصل مع إسرائيل، بالتوازي مع سعي “الجهاد الإسلامي” إلى أن يستغلّ فرار السجناء من سجن جلبوع، بإطلاقه منذ ثلاثة أيام على التوالي كلّ مساء صاروخاً نحو سديروت، تضامناً مع الفارّين. غير أنّ يحيى السنوار، زعيم حماس في غزّة، غير معنيّ بتحطيم الأواني في هذه المرحلة، ولذلك يعطي الأولويّة للوساطة المصرية من أجل الضغط على إسرائيل لكي تقدِّم تسهيلات لقطاع غزة. لكنّ إسرائيل ترفض حالياً كلّ صيغة لا تتضمّن قبل كلّ شيء حلّاً لمسألة الأسرى والمفقودين.

وخلال زيارة بينيت للقاهرة، عرض أمام الرئيس المصري خطّته للتعامل مع قطاع غزة، وهي في الأساس خطّة وزير خارجيّته يئير لابيد، القائمة على إحياء مقترح قديم جديد عنوانه “الاقتصاد مقابل الأمن”، والتي أعلنها في كلمته خلال مؤتمر نظّمه معهد هرتسيليا، والتي تعادل عمليّاً وضع قيود على نشاط المقاومة في غزة وسلاحها، والتوصّل إلى هدنة طويلة الأمد، مقابل تحسين شروط السكان في القطاع. وخطة لابيد فيها تعبير واضح عن الإقرار بفشل السياسات التي استخدمتها إسرائيل في التعامل مع غزة، وخاصة الحصار والإغلاق المفروض على القطاع الذي لم يغيّر الوضع بشكل جوهري، ولم يمنع تهريب وإنتاج الصواريخ.

الجديد في تفكير إسرائيل تجاه قطاع غزة هو أنّها وصلت إلى قناعة بأنّ كلّ سياسات الضغط والاحتواء التي نُفِّذت في السابق، وبُنِيت على مبدأ أنّ الضغط على المواطنين في غزة سيقود بدوره إلى انفجار الأوضاع.

تقوم خطة لابيد على عدّة مراحل، يُعاد في المرحلة الأولى تأهيل البنية التحتية في قطاع غزة، مقابل الهدوء، وفي إطار معايير ورقابة دوليّتين صارمتين ودور مركزي للسلطة الفلسطينية ومصر. وفي المرحلة الثانية، يتمّ تنفيذ مشاريع تطوير كبيرة، مثل الجزيرة الصناعية التي هي عبارة عن ميناء بحري بديل، وربط قطاع غزة بالضفة الغربية، بحيث تتولّى السلطة الإشراف على الشؤون المدنية والاقتصادية. ولا تتطرّق هذه الخطة إلى مسائل التسوية الدائمة. ولا يتردّد لابيد في وضع عدّة شروط لتنفيذ هذه الخطة، منها قبول حركة حماس بشروط الرباعية الدولية، ومصادقة مجلس الأمن الدولي على الخطة، الأمر الذي ترفضه حركة حماس.

لكنّ الجديد في تفكير إسرائيل تجاه قطاع غزة هو أنّها وصلت إلى قناعة بأنّ كلّ سياسات الضغط والاحتواء التي نُفِّذت في السابق، وبُنِيت على مبدأ أنّ الضغط على المواطنين في غزة سيقود بدوره إلى انفجار الأوضاع في وجه حركة حماس باعتبارها سلطة الأمر الواقع هناك، وصلت إلى طريق مسدود، ولا بدّ من اتّخاذ سياسة جديدة مختلفة تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة على قاعدة “الأمن مقابل الاقتصاد”. وهي عمليّاً لا تبتعد عن مفهوم السلام الاقتصادي، وإن كانت تتحدّث فقط عن الأوضاع في قطاع غزة، ولا تتحدّث عن قواعد للتسوية الدائمة.

هل يحلّ “الاقتصاد مقابل السلام”، بدلاً من “الأرض مقابل السلام”؟

لم يمضِ على لقاء بينيت بالرئيس السيسي يوم واحد، حتى أعلن بينيت أنّه لا يعتزم لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مجدِّداً التشديد على رفضه إقامة دولة فلسطينية. وهدّد باللجوء إلى “بدائل أخرى” إذا ما فشلت جهود الوساطة للتوصّل إلى “تسوية طويلة الأمد في غزة”. فيما ذكرت القناة التلفزيونية العبرية 12 أن “بينيت طلب من السيسي إيصال رسالة تهديد إلى حركة حماس بأنّ حكومته لن تتحمّل بعد الآن ضرب عمق الدولة العبرية بالصواريخ، ومستعدة للقيام بعملية عسكرية ضد حماس في قطاع غزة”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى