أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – هل هي نهاية الثنائية السياسية في أميركا ؟

عبد المجيد سويلم – 21/1/2021

ننشغل جميعا «بالتنصيب»، وبما سيعتبره البعض نجاحاً سياسياً وأمنياً لمرحلة ما بعد الهجوم على مبنى الكونغرس، وما ترتب عليه من أبعاد وتبعات هزت الولايات المتحدة، وكادت تُحدث فيها فوضى سياسية عارمة.

أن تتحول العاصمة الأميركية الى مناطق حمراء وأخرى صفراء، وأن يحشد اكثر من ثلاثين ألفا من عناصر الأمن والحرس الوطني والشرطة السرية في مشهد لا يضاهيه سوى المشاهد المعهودة في بغداد وكابول في أوج مراحل الهجمات والتفجيرات، وخصوصاً «التنصيبية» منها.. فهذا كله ليس سوى إيذان بما هو قادم في بلاد العم سام.

وسواءً اعتبرنا ان الولايات المتحدة قد انتصرت على نفسها، وتجاوزت المحنة الأخيرة، أو ان الدولة العميقة فيها استعادت نفسها من كل من حاول اختطافها او تقويضها، او ان الديمقراطية في هذه البلاد قد أعيد تكريسها وتعزيزها باتجاه قطع دابر كل من حاول التطاول عليها، او ما زال يتربص بها، فإن ثمة تغيرات كبيرة قادمة ستغير من الوجه السياسي لها لعقد قادم على أقل تقدير قبل الرسوّ على وجهة لها طابع مستقر، ولها معالم راسخة.

أزعم هنا ان فهم ظاهرة ترامب في سياق وكتعبير عن واقع أميركي بات يسمى الترامبية هو مدخل الإحاطة بالتغيير القادم.

وإذا افترضنا ان الترامبية ليست نبتة شيطانية في الواقع الأميركي ـ وهو افتراض منطقي كما أرى ـ وأن من بين الأربعة وسبعين مليونا الذين صوتوا لترامب في الانتخابات الأخيرة عشرات الملايين الذين يؤمنون به، ويشكلون عماد هذه الترامبية فإن حزباً سياسياً قادماً على الحياة السياسية والحزبية تحت هذا العنوان، لتكريس الظاهرة ومحاولة ترسيخها في الخارطة الأميركية.

في ضوء ذلك، فإن الحزب الجمهوري لم يعد بمقدوره ان يتعايش مع ترامب ومع الترامبية، وبات عليه إن أراد ان يكون وفياً لتقاليد الديمقراطية الأميركية وللأيديولوجية الليبرالية في نسختها اليمينية المحافظة ان ينأى بنفسه عن ترامب وعن الظاهرة الترامبية.

وبطبيعة الحال، فإن ترامب والترامبية لن يعود بمقدورها التعايش السياسي مع الحزب الجمهوري في النسخة المشار إليها، خصوصاً وأن أوساطاً متنفذة في الحزب أدانت ترامب ووصل ببعضها المطالبة العلنية الصريحة بمحاكمته.

في ضوء ذلك، فقد بات بالإمكان التكهن بأن حزب ترامب والحزب الجمهوري في طريقهما الى طلاق بائن بينونة كبرى، يدعم مثل هذا التكهن الأنباء التي تتواتر عن الأوساط المقربة من ترامب، والتي أفادت كلها، بأن الرئيس المغادر قد عقد العزم على تأسيس حزب كهذا، وأنه قد حسم خياره بهذا الاتجاه.

بل وأكثر من ذلك، فإن بعض هذه الأوساط «تؤكد» ان الموارد المطلوبة للحزب قد بوشر بحصرها ووضعت الخطط لتوفيرها، بل وقد تم الاتفاق في الدائرة الضيقة المحيطة بترامب على اسم الحزب الجديد؛ حزب «الباتريوت»، وهو كناية عن الحزب «الوطني». وربما يكون اسمه الكامل الحزب الوطني الأميركي.

وكما هو واضح ومفهوم فإن التسمية لا تخلو من الدلالات العرقية (العنصرية)، ولا من الدلالات الفكرية والأيديولوجية، سيحتاج ترامب بالتأكيد الى تشذيب وتهذيب وربما ترويض المنظمات المتطرفة المسلحة التي اشتركت في الهجوم، وتشاركت على اقتحام الكونغرس حتى تظل في دائرة الشرعية المواربة للنظام السياسي في الولايات المتحدة، وسيحتاج الى تخفيف المنسوب الديني للإنجيليين الصهاينة لكي يشرعن حزبه الجديد، ولكي يجهز نفسه لمعركة سياسية قادمة في الولايات المتحدة.

وخلاصة القول هنا، إن صراعا سياسيا سيحتدم بين حزب ترامب الجديد وبين الحزب الجمهوري على إعادة استقطاب هذا الكم الهائل من الأصوات التي حصل عليها ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

عمق الأزمة هنا ان ترامب يعتبر ان عشرات الملايين التي جلبته الى البيت الأبيض، والملايين الإضافية التي صوتت له في الانتخابات الرئاسية إنما جاءت بسببه وبسبب ما هو عليه من «مواصفات» قيادية وما يمثله في نظر الأميركيين البيض من «منقذ»، ومخلص، وباعتباره الأمل الوحيد في عظمة أميركا البيضاء، وليس «المختطفة» من الأقليات العرقية ومن أحزاب اليسار الذي يمثلها.

في حين ان الحزب الجمهوري التقليدي بات على قناعة راسخة، وخصوصاً بعد الهجوم على الكونغرس ان المزيد من الانغماس في مقولة العرق الأبيض المتفوق سيؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى الفاشية السافرة.

وفي المحصلة، فإن الثنائية الحزبية في الولايات المتحدة لم تعد قدراً محتوماً على الحالة السياسية ولا على الخارطة الحزبية في الولايات المتحدة، إذ ربما سنكون أمام انتخابات قادمة تكون محسومة سلفاً لصالح الحزب الديمقراطي، وان التنافس الوحيد الذي ستشهده الانتخابات هو التنافس بين أجنحة الحزب الديمقراطي نفسه.

هذا المتغير الذي اصبح في دائرة التوقع او في دائرة التكهن والتخمين المرجح لا ينفي ان تشهد الساحة السياسية الأميركية انزياحات وتحالفات وائتلافات جديدة، لكن مثل هذا كله لن يعود ـ كما أرى ـ بالأمور الى الثنائية المعهودة في الانتخابات الأميركية.

إذا كانت هذه المقاربة واقعية، او ان لها نصيبها من الواقع القادم في الولايات المتحدة فإن جهداً استثنائياً يصبح مطلوباً من الفلسطينيين للعمل مع المجتمع المدني الأميركي وفي أوساط الحزب الديمقراطي تحديداً.

الجناح الوسطي التقليدي الذي يمثله جو بايدن في الحزب الديمقراطي لن يذهب بعيداً عن المواقف المعهودة للحزب الديمقراطي في مسألة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو حتى وإن قام بخطوات معينة لعودة العلاقات مع المنظمة، وعاد ليقدم الدعم للسلطة و»الأونروا»، وأعلن عن ان الحل الوحيد هو حل الدولتين، وحتى لو عاد وفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، فإنه لن يتخذ من المواقف ما يغير السياسة الأميركية بصورة تخرج عن الالتزام التام والكامل بأمن إسرائيل وتفوقها، وهو لن يصل الى درجة الضغط الحقيقي عليها لإجبارها على التراجع عن سياساتها العدوانية والتوسعية، إلا إذا ضغطت قواعد الحزب الديمقراطي على قيادتها، وتمكن الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي من فرض أجندته او بعضها على الأقل على كامل سياسة الحزب إزاء ملف الشرق الأوسط، وإزاء الحقوق الوطنية الفلسطينية تحديداً.

وإذا كانت الترامبية شكلت لنا تحدياً صارخاً عندما نجحت في الولايات المتحدة فإن سقوطها المدوّي بات يشكل فرصة كبيرة للعمل في الولايات المتحدة وفي كافة الأوساط المؤثرة فيها، خصوصاً وأن إسرائيل وسياساتها قد ارتبطت في السنوات الترامبية الأربع بسياسة ترامب وتطرفه وعنصريته ومعاداته لكل ما هو إنساني في هذا العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى