أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – ماذا لو تحوّل «يمينا» إلى الحزب الأوّل؟

عبد المجيد سويلم – 19/10/2020

قد يبدو هذا السؤال اليوم مستغرباً، وقد يكون مستهجناً، أيضاً، من بعض أوساط اليمين والوسط، ومن كل أو معظم الأوساط السياسية والحزبية في إسرائيل، ناهيكم عن «اليسار» طبعاً.

لكن هذا السؤال المبكّر، والذي تتسارع الأحداث والتطورات للإجابة عنه هو سؤال في مكانه وفي زمانه، أيضاً.

خلال أقلّ من ثلاثة أشهر كان طرح هذا السؤال، لاحظوا، أرجوكم ـ ثلاثة أشهر فقط ـ يبدو أقرب إلى «الجنون»، وكان سيبدو من غرائبيّات السياسة والحالة السياسية في إسرائيل.

حزب «يمينا» بالكاد تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة، وكان بعض أقطاب «الليكود» يتندّرون على قادته، وكانت المناكفات الحزبية في مجملها بين «الليكود» من جهة وحزب «يمينا» من جهة أخرى تحسب في إطار [الحزب الكبير والأحزاب الصغيرة]، وكان شخص مثل ليبرمان نفسه لا يتورّع عن ذلك التندّر، بل وحتى الأحزاب الدينية لم تكن نظرتها بعيدة عن هذه الأجواء، إضافةً إلى أن كامل معسكر ما يسمى «الوسط» كان على نفس الخط.

اليوم لم يعد أحد من كل هؤلاء يمتلك «شجاعة» التندّر هذه، وأغلب هذه القوى بدأت تتحسّس رأسها، حتى وإن أخفت عن الجمهور هذا الشعور، أو حاولت الظهور باللامبالاة، أو تجاهل الواقع الجديد أو افتعال التعامي عنه.

اليوم شكوك أن تصل الأمور في إسرائيل إلى انهيارات يمكن أن تطال «الليكود»، وصولاً إلى تحول حزب «يمينا» إلى الحزب الأوّل بدأت تُساور الكثيرين داخل كل هذه التشكيلات السياسية والحزبية، دون إعلان، ودون ضجّة، ودون الحدّ المفترض من التحذيرات، والتنبيهات، ودون امتلاك شجاعة البحث في ما يمكن أن يترتب على هذا التحوّل من تبعات.

على صعيد حزب «الليكود» الذي لا يريد أن يصدق أقطابه أن شيئاً كهذا يمكن أن يحدث، ولا يريد هؤلاء أن يحذروا من شيء أو ينبّهوا إلى أيّ شيء، حفاظاً على «تماسك» «الليكود» في هذه المرحلة، ولا يرغبون «باستحضار الشيطان قبل الأوان».. على صعيد حزب «الليكود» الأمر مفهوم أو لنقل إن الأمر يمكن أن يكون متفهّماً، لأسباب كثيرة إضافة لما أوردناه هنا من أسباب.

وأما الأحزاب الدينية فهي لا تجد في حزب «يمينا» عدواً ولا خصماً، لا على الصعيد الأيديولوجي ولا على الصعيد السياسي، وهي ربما ضاقت ذرعاً بتحكمات حزب «الليكود» كحليف لا بدّ منه، وكشريك لا يحترم أصول الشراكة إلاّ إذا أُجبر عليها.

وهذه الأحزاب ليست لديها مشكلة ولا أزمة، وهي موجودة بحكم الواقع في صيغة الحكم سواء تحت قيادة «الليكود» أو تحت قيادة «يمينا»، مع فارق أن آلاعيب وبرغماتية، والأساليب الالتوائية والمخادعة في شخصية نتنياهو ربما ستكون أقلّ وبما لا يُقاس من شخصية نفتالي بينيت، وبما هو معروف عنه حتى الآن، وبما ظهرت عليه شخصيته كقطب يميني خاص، وليس كقائد للحزب الأكبر الذي يمكن أن يكون مرشحاً لرئاسة الوزراء.

لكن خارطة «الوسط» و»اليسار» من المفترض أنها قلقة بعض الشيء من الانزياحات الكبيرة من قبل جمهور اليمين، والذي بقي منحازاً لحزب «الليكود» وعلى مدار أكثر من عقد كامل وأكثر نحو حزب «يمينا»، وما يمثله ظاهرياً على الأقل من أخطار أيديولوجية وسياسية وأمنية، وما يمكن أن تكون عليه مواقفه من «الديمقراطية» في إسرائيل، وما يمكن أن تذهب إليه سياساته من انهيارات عميقة في النسيج السياسي والاجتماعي، وما يمكن أن تؤدي إليه من تصدعات كبيرة في المبنى المؤسّساتي العام في إسرائيل.

لا يبدو أن في أوساط اليسار» و»الوسط» في إسرائيل قلقا من هذا النوع، ولا يبدو أن المؤسسة العسكرية والأمنية، ـ والتي لها وسائلها وأساليبها ومؤسساتها في التعبير عن قلق كهذا لو وجد فعلاً ـ قلقة على أي مستوى أو صعيد، وهي أمور مقلقة لنا ـ نحن أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، أو يجب أن تكون مقلقة إلى أبعد الحدود.

لماذا وما الفرق بين حكومة بزعامة «الليكود» وحكومة بزعامة «يمينا»، وبين قيادة نتنياهو وقيادة بينيت إن تمكّن، أو تطور الوضع باتجاه أن يتسلم منصب رئيس وزراء حكومة الاحتلال؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نتمعّن في غياب القلق الإسرائيلي وما يعكسه من حالة سياسية، وما يؤشّر عليه من مدلولات.

الحقيقة أن قراءة الواقع الجديد في إسرائيل هي قراءة منقوصة، ومجزوءة، بل وربما قاصرة من دون فهم أبعاد غياب هذا القلق.

التفسير الأقرب إلى الواقع بخصوص هذا الغياب هو أن الفوارق باتت باهتة بين «اليمين» و»الوسط» في إسرائيل، وأن الفوارق قد تلاشت بين «اليسار» التقليدي و»الوسط»، القديم منه والجديد، وأن «اليسار» غير التقليدي، وهنا نتحدث عن «ميرتس» وبعض المناصرين له من الأوساط الثقافية والأكاديمية لن يتمكنوا أبداً من إيجاد مكان مناسب لهم بعد أن امّحت كل هذه الفوارق، وأن تحالفهم الوحيد الذي بات متاحاً لهم هو «القائمة المشتركة»، إذا أرادوا أن يواصلوا مسار تمثيل ما يعرف ويعرّف لدينا بـ «اليسار الصهيوني».

باختصار، فإن غياب القلق الناتج عن محو الفوارق، والمنحدر من الانزياحات الكبيرة في مواقف الجمهور الإسرائيلي على مدى عقدين كاملين وأكثر، قد وضع مجمل ما يمكن أن يطلق عليه بـ «المعارضة» في إسرائيل أمام تحديات وجودية.

فإما إعادة تنظيم هذه «المعارضة» بالقطع الجدّي مع فكر «اليمين» وسياساته على كل المستويات، وإما التماهي المتدرّج مع «الوسط»، والتماهي المتواصل من «الوسط» مع «اليمين» نحو المصير الذي انتهى إليه حزب «العمل»، وهذه مسألة تحتاج إلى مقال خاص قريباً.

بالعودة إلى سؤال الفرق بين حكومة بقيادة «يمينا» ونفتالي بينيت، وبين حكومة بقيادة «الليكود» ونتنياهو فإن الفرق هو من نفس طبيعة الفروقات التي تماهت وتواصل التماهي إلاّ في قضية مفصلية واحدة، وهي «الترانسفير».

الذي أراه أن «الترانسفير» موجود في أدراج «الليكود»، وموجود في الأدراج العلوية من طاولته، وهي أدراج مقفلة حتى الآن، أما إذا فاز نفتالي بينيت بزعامة إسرائيل لأسباب كثيرة معروفة أو غير معروفة حتى الآن، فإن «الترانسفير» سيتم وضعه على الطاولة، أو على جدول الأعمال المباشر، وسيتم وضع آليات تنفيذية للتهديد به في المراحل الأولى ولبدء تنفيذه تدريجياً في مراحله الثانية، وإلى الإقدام على خطوات كبيرة لتحقيق كل ما يمكن تحقيقه منه بعد ذلك.

وفي أغلب الظنّ أن الحلقات التي سيتم البدء منها في هذه المسألة يمكن أن تطال أهلنا في الداخل قبل الأرض الفلسطينية الخاضعة الآن للاحتلال العسكري المباشر.

باستثناء ذلك لا أرى أي فوارق جوهرية كبيرة وحقيقية بين حكومة بزعامة «الليكود» وأخرى بزعامة «يمينا».

أما القدرات على الترويج والتسويق بين بينيت ونتنياهو فهي كبيرة للغاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى