أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – ماذا تعني وحدة الشعب الفلسطيني برنامجياً ؟

عبد المجيد سويلم – 20/5/2021

قلنا في المقال الأخير، «كيف دخلت إسرائيل في الحائط»، إن إحدى علائم ونتائج هبّة القدس، وأحد أهم إخفاقات إسرائيل إنما هي وحدة الشعب الفلسطيني، من الناقورة إلى رفح، وفي الداخل والشتات، والتي فرضت نفسها في الواقع السياسي، وتكرّست كحقيقة من حقائق الصراع مع المشروع الصهيوني، وكجزء عضوي في معادلة هذا الصراع.

أعادت تحديات وأخطار الوجود والمصير كامل هذه المسألة إلى أصل الصراع، وإلى بداياته الأصلية، بل وإلى جذر الصراع كله.

لأسباب لا بد من العودة إليها في إطار المراجعات التي باتت تفرضها، بل وفرضتها هبّة القدس يجدر الاعتراف أن أحد مكامن الضعف، إن لم نقل الخطر في اتفاقيات «أوسلو» كان هو «الفصل» ما بين تجمعات الشعب الفلسطيني حتى ولو أن تلك الاتفاقيات كانت مؤقتة وانتقالية، وحتى لو أن هذا الفصل لم يكن مقصوداً.

فقد سلّمنا آنذاك بأن أهلنا في الداخل بذريعة تبعيتهم «القانونية» لإسرائيل، ليسوا جزءاً من الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، ولم «ندرك» بعمق أن هذا الجزء الطبيعي والريادي من شعبنا يتعرض «لمستقبل» حتمي من تفاقم التمييز والوصول المؤكد إلى الفصل العنصري.

هذه المراجعة التي أصبحت على جدول الأعمال الفلسطيني موضوعياً، ولم تعد تتعلق بالملامة أو العتب، وتجاوزت وجهات النظر والاجتهادات، تتحول، اليوم، الى ركن أساسي من أركان الرؤية الفلسطينية للمستقبل الوطني، وركيزة من ركائز البرنامج الوطني الشامل.

لا أتحدث عن أي تطيّر سياسي، أو تصورات وإجراءات قانونية تتعلق بواقع كون هذا الجزء من شعبنا من زاوية التبعية القانونية والمؤسسية للدولة الإسرائيلية التي تتحكم بها الرؤى الصهيونية بكل ما هي عليه من منظومة استعمارية، وبكل ما هي قائمة عليه من فكر عنصري بغيض.. وإنما أتحدث عن واقع التبعية السياسية والوطنية لهذا الجزء من أهلنا مع بقية أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في الجزء الواقع تحت الاحتلال المباشر لهذا الشعب، ومع بقية شعبنا في الشتات.

التبعية «القانونية» لأهلنا في الداخل للمؤسسة الإسرائيلية في نطاق الدولة الإسرائيلية تحديداً وحصرياً لم تكن خياراً ولا اختياراً، وإنما كانت الثمن الذي دفعه شعبنا هناك لقاء بقائه وصموده على أرض وطنه.

باختصار وتكثيف، فقد سقط، اليوم، وربما الى غير رجعة مفهوم «التناقض» ما بين التبعية «القانونية» لأهلنا للدولة الإسرائيلية والتي هي صهيونية مكتملة الأركان، وما بين حقوقهم السياسية والوطنية والتي هي جزء من حقوق شعب بأكمله، له نفس القضية وله نفس الحقوق موحدا في إطار هذه القضية بالذات وتحديداً.

التناقض يوجد فقط عند من يعتقدون بأن التبعية «القانونية» تنفي الحقوق الوطنية الواحدة للشعب الواحد، أو ان وحدة الشعب في إطار قضيته الوطنية تتحدد بالسقف الخاص بهذه التبعية القانونية.

دعونا ننظر إلى المسألة من زاوية المنطق والحق السياسي! هل الأهل في الداخل هم موضوعياً وواقعياً جزء من حق تقرير المصير أم لا؟

وهل هم جزء من حق العودة تحديداً أم لا؟

وهل هم جزء من مشروع الاستقلال الوطني أم لا؟

دعونا نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة بوضوح تام حتى نتبين ذلك الحق السياسي وذلك المنطق الموضوعي.

لا تعترف إسرائيل بحق أهلنا في تقرير المصير مطلقاً، وهي تحصر مثل هذا الحق في الإسرائيليين من اليهود وتحديداً وبالنص، بعد إقرار قانون «القومية»، وقانون القومية لم يكن في الواقع سوى التتويج «الدستوري» ـ طالما ان القانون هو قانون أساس ـ لما كان عليه الواقع، ولما كانت عليه السياسة الإسرائيلية، ولما انطوت عليه هذه السياسة من ممارسات وإجراءات، ولما كانت لها من تبعات لبرامج ومخططات «قانونية» أو عملية مباشرة.

وبما أن حق تقرير المصير هو بالمطلق احد حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف حسب القانون الدولي، وبما أن قانون «القومية»، يجردهم، ويجردنا، أيضاً، من هذا الحق، فإن هذا الحق لا يعود مقتصراً على تجمع فلسطيني دون غيره، ولا يرتبط هذا الحق بأي واقع سياسي مفروض، ولا يترتب على أي واقع سياسي قائم واقعياً، نفي أو مصادرة أو إلغاء هذا الحق، بل إن العكس تماماً هو الصحيح.

بمعنى أن الواقع السياسي القائم (ونتحدث هنا عن واقع إسرائيل كدولة)، هو نفسه مشكوك في قانونيته طالما يرفض إعطاء هذا الحق لجزء قومي خاص من مواطنيه، وطالما ان هذا الواقع (الدولة الإسرائيلية)، لا يرفض فقط، وإنما ـ وهذا هو الأخطر ـ يحصر هذا الحق لجماعة دينية أو إثنية أو قومية أخرى، وهو ينفي عن هذه الدولة وينزع عنها سمة «الديمقراطية» وإذا ما تحدثنا عن حق العودة، وهو احد حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، فإن هذا الحق بالذات ينطبق على أهلنا قبل غيرهم، لأن ممارسة هذا الحق «أسهل» كثيراً من ممارسة هذا الحق من لاجئي الجزء الخاضع للاحتلال، ومن لاجئي الشتات.

ولهذا فإن هذا الحق هو جزء أصيل من مفهوم حق العودة، وبالتالي فهو جزء عضوي من الحقوق الوطنية الفلسطينية.

حق العودة ليس للتوافق، بل شكل ممارسة هذا الحق هو الذي يمكن ان يخضع للتوافق، وهذا الشكل بالذات واضح ومحدد بالنسبة لأهلنا في الداخل الفلسطيني، وهو محدد بالعودة الى مدنهم وقراهم وارضهم إضافة إلى تعويضهم.

البرنامج الوطني في مسألة حق تقرير المصير وفي مسألة حق العودة للأهل في الداخل بات حتمياً إذا ما آمنا بأن شعبنا هو شعب واحد وموحّد، وله قضية وارض ووطن واحد.

أما قضية الحرية والاستقلال في شكل الدولة الوطنية المستقلة على حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، فإن حقهم هنا يبقى بالانخراط الفعال في تمكين الجزء الذي يخضع للاحتلال العسكري المباشر في الضفة والقطاع من ممارسة السيادة على هذه الحدود، واعتبار الانخراط في النضال السياسي لهذا الحق جزءاً من حقهم في ممارسة حقوقهم السياسية، وعلى ألا يلغي ذلك حقهم بالبقاء في ارضهم، وحقهم المطلق برفض كل أشكال التهجير أو الاقتلاع أو الإلحاق أو تبادل للسكان أو غيره من المقولات الصهيونية.

يجب أن يشعر أهلنا في الداخل، من اليوم، فصاعداً، أنهم ليسوا لقمة سائغة للمشروع الصهيوني، وان شعباً كاملاً عداده اكثر من ثلاثة عشر مليون فلسطيني يقف خلفهم، وهو مستعد للدفاع عنهم تماما كما يدافع عن المقدسيين وعن كل أبناء وبنات شعبنا في كل أماكن تواجده.

وعندما تتحول وحدة شعبنا الى وحدة كفاحية وبرنامجية، وعندما تتحول هذه الوحدة إلى حقوق وطنية موحدة وواحدة سيبدأ مسار البحث عن الإطار القانوني والمؤسسي الذي يجسد هذه الوحدة وهذه الحقوق، وهو مسار حتمي إن لم يكن، اليوم فغداً، على كل حال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى