أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – عن الفوضى السياسية في إسرائيل

عبد المجيد سويلم – 7/12/2020

الحقيقة أن الفوضى السياسية في إسرائيل هي المظهر الرئيس فيها، والذي يستمر في الواقع منذ حوالى السنتين، وتتفاقم وتتأزم مظاهر هذه الحالة يوما بعد يوم دون أن يتمكن أحد من التصدي الجاد والناجع لها.

ظن البعض ـ وهنا فإن الظنّ كان إثماً كبيراً ـ أن هروب غانتس للتحالف مع نتنياهو «وخيانة» «أزرق – أبيض» نهاراً جهاراً سيكون بمثابة الحل المنتظر، وأن إسرائيل ربما تكون في طريق الخروج من هذه الفوضى العارمة.

أمّا وأن الأمور باتت تسير نحو انتخابات رابعة، فإن هذه الفوضى ستأخذ طابع الطامة السياسية التي ستعكس نفسها ليس على مجرد الدخول في طورٍ أخطر من هذه الأزمة والطامة، وإنما الذهاب إلى أزمات جديدة ليس أقلها استعصاءات «دستورية»، والبحث عن «حلول» من خارج  النطاق الدستوري، وصولا إلى الانقلاب الكامل والتام على الدستورية والديمقراطية كما أرى.

فما الذي يمكن أن تأتي به الانتخابات الرابعة؟ وما هي الحلول البديلة الترقيعية التي يمكن لها أن تتصدى لتبعاتها؟

لو بدأنا من حيث يفكر الليكود بالتفتيش عن حلول ترقيعية كالحل الترقيعي الذي انفتق الآن، وظهرت كل عوراته من بين ثنايا هذا الفتق، أي حكومة التحالف بين غانتس، ونتنياهو، فقد توضح الآن أنه الحل المستحيل. لماذا؟: ببساطة لأن الليكود بقيادة نتنياهو بات يدرك، وهو في الحقيقة كان يدرك منذ البداية، أنه بهذا الحل إنما يقدم نتنياهو إلى القضاء، وإلى محاكمات يستحيل معها الخروج بأقل من إنهاء حياته السياسية، هذا إذا لم نقل إن الأمور يمكن أن تصل وبسهولة إلى أبعد من ذلك، بما في ذلك إيصال نتنياهو مشياً على قدميه إلى بوابة السجن.

أي حلول بديلة من هذا القبيل، وعن إجراء الانتخابات الرابعة هذا هو مآلها، وهذا هو اتجاهها، ولا مجال عند الليكود لتكرارها على أحد من الطامعين بتقاسم السلطة في إسرائيل مع الليكود، ومع نتنياهو على وجه التحديد، خصوصاً بعد أن تبين للقاصي والداني في إسرائيل بأن الليكود يناور فقط لكسب الوقت، ومن أجل إنقاذ نتنياهو، وإنه لا يمتلك في الواقع أي استراتيجية غير هذه الاستراتيجية، وإنها هي، وهي وحدها ما تحدد سياساته وتكتيكاته وكل خططه ومخططاته.

إذاً هذه اللعبة لن تنطلي على أحد، ولن ينجح هذا التلاعب السياسي مرة أخرى، وأغلب الظن أن كل الطامعين من كل أنواع الطامعين في المشهد السياسي الإسرائيلي سيجدون صعوبة كبيرة في أن يلدغوا من نفس جحر نتنياهو والليكود مرة جديدة، إلا إذا أرادوا أن يلدغوا أنفسهم بأنفسهم.

على هذا الصعيد فإن نفتالي بينيت وليبرمان وقيادات ليكودية صامتة، وكل الوسط، وكل اليسار الصهيوني، وكل من ما زال يمتلك عقلا يعرف حق المعرفة أن لعبة الليكود ونتنياهو بالبحث عن «حل» ترقيعي جديد هي مكيدة سياسية جديدة يشتم منها رائحة نتنة، وتفوح منها روائح أخرى كريهة للغاية.

لهذا فإن معجزة فقطـ يمكن أن تؤدي إلى حلول ترقيعية كبديل عن الانتخابات وهذه (المعجزة) تحتاج ليس فقط إلى ساحر يدرك الجمهور لعبته وخفة يده، وإنما تحتاج إلى جمهور مخدر بالكامل، وإلى صبيان لمساعدة الساحر لإكمال طقوس شعوذته الجديدة.

«عال»، وماذا لو جرت الانتخابات، وماذا سينتج عنها؟، وهل سيتغير شيء في الميزان الاستراتيجي للصراع السياسي يمكن أن يعتدّ به ويعول عليه أو يمكن الرهان على تبعاته ومخرجاته؟

الجواب القاطع المانع: لا.

باختصار لن تحل الانتخابات شيئاً، ولن تقدم في ميزان هذا الصراع، إن لم نقل إنها (الانتخابات) ستزيد في الأزمة تفاقمات جديدة ليس إلا.

والسبب الذي بات واضحا لكل من يريد أن يفهم الواقع السياسي في إسرائيل، أن إسرائيل باتت رهينة ومنذ عدة سنين لألاعيب الليكود، واليمين الإسرائيلي ولنتنياهو على وجه التحديد، وأن لا مخرج من هذه الأزمة إلا بفك هذا الارتهان والتخلص من هذه السطوة.

لقد استطاع نتنياهو والليكود واليمين العنصري المتطرف، أن يحولوا المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة إلى مجتمع، يعتقد أن نتنياهو والليكود واليمين عموماً، إمّا أن يبقوا في سدة الحكم وإما أن كل دولة إسرائيل في خطر شديد، وأن خسارة الحكم بالنسبة لهذا اليمين تعني التفريط بمستقبل الدولة ووجودها، بل وتعريض حياة الإسرائيلي فيها لأخطر أنواع التهديدات.

لم يقتصر الأمر على اليمين وجمهوره وإنما عجز الوسط وعجز اليسار عجزا فاضحا عن تشكيل استراتيجية بديلة، بل وعجز وبصعوبة كبيرة عن التماهي السياسي التام مع جوهر هذه الأطروحات، ولم يتشكل في الواقع أي أمل من أي نوع كان أو حتى معلم حقيقي واحد من معالم التغيير الممكنة.

هنا يظهر الموقف المحنك والشجاع لما كتبه جدعون ليفي من أن اليسار لم يعد سوى هوامش ميكروسكوبية في المشهد السياسي، ولم يعد للوسط لون ولا طعم ولا رائحة!

مجتمع منفك عن الواقع وقوى سياسية مضبوعة تلهث وراء أطروحات اليمين، ويمين يخاف على خسارته للحكم، ورئيس وزراء وحزبه رهن كل الدولة ومقدراتها وإمكانياتها وسياساتها للبقاء على رأس الحكومة، وللهروب من القضاء، وإهام المجتمع كله بأن كل ذلك هو من أجل إسرائيل ومصالح إسرائيل.

كل القوى السياسية باستثناء «المشتركة» وباستثناء فئات قليلة جداً من اليسار والوسط، تسير على ذلك، خوفاً من طرح البديل الحقيقي، وهو بديل وحيد، ولا يوجد له أي بديل آخر، وهو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وتستمر هذه القوى (الليبرالية و»اليسارية»، ومن الوسط) في ممارسة لعبة «الغماية» السياسية، وتتهرب من طرح البديل الجدي الوحيد. وإلى أن تستفيق هذه القوى، وإلى أن تكون مستعدة لطرح برنامج بديل حقيقي عن برنامج اليمين ربما يفضي إلى حل سياسي عادل ومتوازن ستبقى المشكلة بلا حل، وسيبقى المأزق الإسرائيلي على حاله.

المفجع أن نجد في الداخل الفلسطيني من هو مستعد بكل صراحة وبحاجة لمساعدة نتنياهو واليمين على شق وحدة الصف الوطني في الداخل وعلى «المساهمة» الباذخة في نجاح هجوم اليمين الإسرائيلي على شعبنا وحقوقه. وهنا لنا عودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى