أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم يكتب – سيناريوهات الحلول الأميركية القادمة

عبد المجيد سويلم – 26/7/2021

قلنا في المقال السابق إن الولايات المتحدة ـ طالما أنها عادت للاهتمام بملف الصراع في الشرق الأوسط، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه الخصوص والتحديد ـ فإنها لن تعود إلى سياسة (إدارة الصراع)، ولن تقبل «الفشل»، وهي لن تتمكن من الإمساك بناصية هذا الملف دون أن توليه الاهتمام اللازم حتى وإن كان لديها الكثير من الملفات الكبرى، ومهما كانت درجة أولوية هذه الملفات.

هناك من المعطيات الراهنة ما يكفي بأن هذا الاستنتاج (توجه الولايات المتحدة لطرح «حل» ما) هو استنتاج واقعي، وهناك مؤشرات كافية على هذا التوجه.

هل يمكن أن تقدم الولايات المتحدة على طرح مثل هذا الحل دون أن تكون قد ذلّلت العقبات المعروفة للجميع؟، وهل تذليل هذه العقبات ممكن في ضوء المعطيات الحسّية في الواقع؟

دعونا نبدأ من العقبة الإسرائيلية، ثم العقبة الفلسطينية، على اعتبار أن باقي العقبات ـ إن وجدت ـ هي من النوع القابل للتذليل بسهولة على دولة كالولايات المتحدة، وفي ظل ما تملك ـ أو ما زالت تملك ـ من نفوذ دولي، ومن سطوة كبيرة في كامل منطقة الإقليم.

قبل الدخول في مسألة العقبات علينا أن نطرح سيناريوهات الحل أو الحلول التي يمكن أن تقدم وأن تقدمها الولايات المتحدة عند درجة معينة، وفي زمن معين من تطور الأحداث والوقائع.

السيناريو الأول: الحل التدريجي المتتابع.

في أغلب الظن فإن هذا السيناريو، إذا ما تم اعتماده من قبل الإدارة الأميركية يقوم على مجموعة من القواعد الناظمة، وعلى مجموعة من الإجراءات التنفيذية الملزمة.

قواعد هذا الحل ربما تكون الآتية:

1. اعتبار كل الأرض الفلسطينية وحدة واحدة بصرف النظر عن العوائق السياسية والجغرافية القائمة الآن، وعلى أن يتم تجسيد هذه الوحدة السياسية والجغرافية في الظرف الممكن والمناسب، وذلك لأن الولايات المتحدة تدرك استحالة قبول الشعب الفلسطيني بأي حل أو حلول تمنع هذه الوحدة أو تكرس بقاء الحال القائم.

كما أن الولايات المتحدة تدرك أن السياسة الإسرائيلية بالتشجيع على بقاء حالة الانقسام لم تجد نفعاً، وهي لن تحقق الهدف الإسرائيلي منها، إضافة إلى أن استعداد حكام غزة لقبول مثل هذا الانقسام وتكريسه ليس مقنعاً للإدارة الأميركية، ولا حتى لقطاعات واسعة في إسرائيل نفسها، طالما يدور الحديث عن حل وليس عن إدارة الحل أو إدارة الصراع.

2. الحل هو حل متفاوض عليه، وبموافقة الطرفين، وبمباركة الإقليم، وبدعم دولي كبير، وليس بمعزل عن كل هذه الجهات والأطراف.

3. تقسيم الحل إلى إجراءات فورية وعاجلة، وأخرى متوسطة المدى، وإبقاء بعضها ـ ذات الحساسية الخاصة! ـ إلى مرحلة الحل النهائي وإنهاء الصراع وعقد اتفاقية سلام دائمة.

أما الإجراءات فأغلب الظن أنها ستتضمن الآتي:

1. توسيع منطقة (أ) بحيث تشمل الجزء الأكبر من منطقة (ب)، وتحويل جزء كبير من المنطقة (ج) إلى (ب) بحيث يسمح للسلطة الفلسطينية بالعمل السياسي الحر والعمل الاستثماري الحر فيها.

2. إبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الجزء المتبقي من المنطقة (ج) إلى حين البت النهائي بمسألة الحدود والأمن.

وهنا، أيضاً، سيكون للسلطة الفلسطينية بعض الإمكانيات من حرية التطوير والاستثمار فيها بموافقة إسرائيلية مسبقة (تم طرح أفكار مشابهة سابقاً).

3. رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة ربط اقتصادها بالضفة تدريجياً، بصرف النظر عن إنجاز الممر الآمن في المراحل الأولى، والعمل على توفير هذا الممر في المرحلة الثانية، وقبل مرحلة الحل النهائي.

هذا هو السيناريو الأول أو سيناريو الحل المتدرّج، والذي يوجب من وجهة النظر الأميركية وربما الإقليمية والدولية، أيضاً، خططاً لإعادة «بناء الثقة»، وارتباط سيران كل الإجراءات بهذه الخطط تحديداً.

أما السيناريو الثاني

فهو اعتراف الولايات المتحدة بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران (كقاعدة للحل)، واعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى الإقليم العربي والإسلامي، واعتبار هذا الحق، وهذه الدولة التجسيد الفعلي لحق تقرير المصير، على أن يبقى هذا الاعتراف بمثابة إقرار دولي، وتترك تفاصيل قضايا الأمن والحدود والموارد إلى المفاوضات بالرعاية الدولية الكاملة للولايات المتحدة، وبدعم من المجتمع الدولي وبمشاركة فاعلة في هذه الترتيبات من قبل دول المنطقة، وخصوصاً من قبل كل من مصر والأردن، وعلى أن تتحول قضية اللاجئين إلى قضية دولية لا يرتبط حلها بحل إقامة الدولة الفلسطينية بالضرورة.

في مثل سيناريو كهذا تتحول قضية الأمن وسلاح غزة، والصلاحيات على «الحدود» إلى قضية إقليمية ودولية، ولا تعود إسرائيل هي التي تتحكم بها وإنما مشاركة فاعلة فيها، وبالتعاون الكامل من كل الأطراف بما فيها الطرف الفلسطيني نفسه.

لا مناص وفق مثل هذا السيناريو من إيجاد حل خاص للقدس، وهو ملف شائك، وقد لا يكون الحل الخاص ممكناً في المرحلة الأولى والثانية، ما يعني «إمكانية» تأجيله إلى المرحلة الثالثة، أو مرحلة الحل النهائي.

وهناك عشرات الاقتراحات التي يمكن أن يتضمنها مثل هذا الحل الخاص.

لا يبدو في الواقع أن الفوارق بين كلا السيناريوهين كبيرة، ولهذا فليس من المستبعد أن يتم دمجهما في آلية واحدة.

وحتى لو أن الولايات المتحدة اعتمدت الأول أو الثاني فهناك تقاطعات كبيرة بينهما، وقد يكون «الدمج» حالة إجبارية في بعض الأوجه الإجرائية والتنفيذية.

وإذا نحن أمعنا النظر، ودققنا في جوهر ما يمكن أن يطرح من حلول تقارب السيناريو الأول وحتى الثاني، فإننا في الواقع أمام أوسلو جديد، وأمام «خارطة طريق محسّنة»، وأمام اتفاق اقتصادي أوسع من بروتوكول باريس (قليلاً أو كثيراً).

الفرق الجوهري من الناحية النظرية فقط هو في قضية الاعتراف المسبق بالدولة، مع أن تجسيد هذا الاعتراف على الأرض يخضع لنفس الآلية في الحالتين، وأما الفرق الثاني فهو أن قاعدة الحل في السيناريو الثاني هي الشرعية الدولية أو بعض هذه الشرعية، في حين أن السيناريو الأول ليس له بشكل واضح ومحدد مثل هذه القاعدة.

والأمر المهم هنا هو أن هذا «الحل» بصرف النظر عن السيناريو الذي سيتم اعتماده هو سقف للحل ولا يوجد أي سقوف أخرى.

وواضح للغاية هنا أن الإعلان عن الحل أو رزمة الحل الأميركي ستعني في اليوم التالي لهذا الحل إعادة إدماج إسرائيل في الإقليم، ومن البوابات المشرعة والكبيرة بدلا من أن تكون حالة التطبيع، إما مجمدة أو باردة أو حالة «طلائعية» على هيئة نزوات سياسية لبعض العرب، أو حالة اعتبارات خاصة وحسابات خاصة كما هي عند بعضهم الآخر.

نعود الآن إلى العقبات وتذليلها.

على الجانب الإسرائيلي يستحيل على الجزء الأكبر من اليمين الإسرائيلي القبول بأسس وقواعد ومكونات هذا الحل، وأقصى ما يمكن أن يقبل به بعض هذا اليمين هو الحلول «الاقتصادية» وتحويل «الانسحابات» المتدرّجة إلى عقبات غير قابلة لأي تذليل، ما سيؤدي إلى إعادة تجميع هذا اليمين من جديد لرفض الحل ومنعه من التقدم.

وهذا يعني أن الإدارة الأميركية إذا أرادت أن تدخل في صلب «الحل» ستكون مضطرة إلى اعادة ترتيب الخارطة السياسية في إسرائيل بما في ذلك «تحويل» «الوسط واليسار» إلى مركز سياسي حاسم في هذه الخارطة.

لهذا فإن «الحل» الأميركي مؤجل في الواقع إلى ما بعد نهاية فترة ولاية بينيت ومجيء لابيد، أو إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة (وهي الخامسة) في هذه الحالة، وهناك على ما يبدو مراهنة أميركية كبيرة على غانتس ولابيد، وهناك تقديرات «لديهم» بأن الوسط سيكون الحزب الأكبر في إسرائيل، وأن جزءاً من هذا اليمين يمكن أن ينضم إلى الوسط على قاعدة القبول بهذا الحل.

ستكون الولايات المتحدة ـ كما أرى ـ إذا أرادت أن لا تفشل، حتى لا نقول إذا أرادت أن تنجح، مضطرة إلى «الضغط» على إسرائيل بسلاح العصا والجزرة، وهو سلاح فعّال ومجرب في التأثير على الرأي العام في إسرائيل.

الولايات المتحدة في مرحلة التمهيد الاستراتيجي لحلول كهذه، وهي ستبدأ بالإفصاح عن هذا الحل شيئاً فشيئاً.

أما تذليل العقبة الفلسطينية، فهو يبدو أسهل على الجانب الأميركي لكنه ليس سهلاً كما يتصور البعض.

وأغلب الظن أن الإدارة الأميركية ستحتاج إلى رؤية متغيرات جدية في الواقع الفلسطيني بدءاً من غزة ومروراً بالأوضاع الاقتصادية وانتهاءً بإعادة بناء الحالة السياسية والنظام السياسي في فلسطين.

ليس سهلاً على الأطراف الفلسطينية كلها قبول هذه الحلول، ولكنه صعب وصعب للغاية رفضها، أما في الجانب الإسرائيلي فهي مرفوضة ومستحيل قبولها، ولكن سيصعب على إسرائيل منعها أو التصدي لها والمغامرة بالصدام مع الولايات المتحدة بشأنها.

وبين الصعوبة الفلسطينية بقبولها و»استحالة» رفضها، وبين استحالة قبولها من إسرائيل وصعوبة مواجهتها تبدو مهمة الولايات المتحدة شائكة ومركّبة.

فقط في حالة واحدة ستنتقل الولايات المتحدة من دائرة «الإقناع» إلى دائرة «فرض» الحل، إذا كان بقاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يهدد سيطرة الولايات المتحدة على الإقليم، أو دخلت كل من روسيا والصين في شقوق جدار هذا الصراع، وتسللت إلى القاعة الرئيسة وجلست على طاولة القرار.

باختصار المعادلة الدولية للولايات المتحدة هي التي ستقرر مدى إرادتها وعزيمتها للبحث الجاد عن حلول جدية.

ولأن تسلل الصين وروسيا لم يعد مستحيلاً، بل ومرجّحاً من زوايا معينة فإن الولايات المتحدة على عجلة من أمرها هذه المرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى