أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: حول مؤتمر حركة “فتح”

عبد المجيد سويلم 2022-09-01

بكلّ المقاييس فإن مؤتمر حركة “فتح” القادم، وهو المؤتمر الثامن، ليس كأيّ مؤتمر سابق، على أهمية كل مؤتمر، وعلى أهمية ما تمّ من خلال انعقاد المؤتمرات السابقة كلها.

وهو بكلّ أنواع المقاييس، أيضاً، ليس مجرّد استحقاق عادي، دوري، ديمقراطي أو سياسي وتنظيمي لتجديد الهيئات، وتجديد شرعيتها الحركية، أو مجرد محطة مهمّة للمراجعة السياسية المعتادة، والمتوخّاة من عقد المؤتمرات.

المؤتمر القادم لحركة “فتح” قد يؤدي إلى “تكريس” حالة التصدّع، وحالة “الصراع” على النفوذ داخل هذه الحركة التي تحمّلت القسط الأكبر من أعباء الكفاح الوطني لعقودٍ طويلة، وباتت اليوم تتحمّل الوزر الأكبر من تبعات ونتائج هذا الكفاح، أو أن المؤتمر القادم قد يعيد هذه الحركة العملاقة إلى واجهة العمل الوطني، ويعيد لها وحدتها، ويستعيد دورها ومكانتها، وربما يؤسس، أيضاً، لإعادة “انطلاقتها” في مرحلةٍ بات الاستنهاض الوطني المهمة الأكثر راهنية وإلحاحية، والمراجعة الكاملة لمسار هذه الحركة، ولمسار الحالة الوطنية، ولمستقبل القضية الوطنية كلها هي الأولوية المطلقة الأولى على جدول الأعمال الوطني.

كمراقب من خارج أطر هذه الحركة، وكمتابعٍ عن قرب لكل ما مرّت به من أزمات ومنعطفات، وكل ما حققته من إنجازات، وكمراهنٍ على دورها ومكانتها، ومؤمنٍ بجدارتها الوطنية والكفاحية فإنني أرى أن من الواجب الحديث عن واقع ومستقبل هذه الحركة بكل وضوح وصراحة، وذلك بالنظر إلى دور الحركة ومكانتها، وإلى حجم المراهنة والتعويل الجماهيري عليها، وبالنظر إلى ما تمرّ به الحالة الوطنية من مأزقٍ كبير، ليس خافياً على أحد، ولا يستطيع أحدٌ ــ كائناً من كان ــ إنكاره، أو التستّر عليه، أو التقليل من الخطر والتهديد الذي يمثله هذا المأزق على مستقبل القضية الوطنية، بكل ما تنطوي عليه من حقوق وأهداف ووجود وطني.

سأحاول فيما يلي أن أعرض ما يتم تداوله في أوساط واسعة من الكادر الفتحاوي، والقواعد الجماهيرية الممتدة لهذه الحركة، إضافةً إلى ما يتم الحديث المباشر به من نخب فلسطينية كثيرة، في الداخل وفي الخارج، حزبية ومستقلة، معارضة أو معترضة، ثقافية أو سياسية، آسفة أو متشفّية.

الرأي الأول يرى أن عقد المؤتمر ليس سوى محطة الهدف منها هو “ترسيم” تصفية كل من يعارض الخط القائم في الحركة، وكل من يطالب بإرساء قواعد انضباط حركية ديمقراطية، بل وكل من يحاول “التشويش” على المسار السياسي لهذه الحركة، بما هو عليه من ركود وتكلّس ومطواعية.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن الهيئات العليا، وخصوصاً اللجنة المركزية لم تعد هيئات فاعلة، وأنها لم تعد قادرة على إحداث أي تغيير حقيقي أو جوهري، وأنها لم تعد تمتلك الإرادة أو الرغبة لمثل هذا التغيير، إما لأسباب تتعلق بمصالحها الخاصة، وامتيازاتها التي “تكرّست” في واقع الحركة، أو بسبب “مخاوفها” على فقد الاحتفاظ بها.

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى حد اعتبار أن “السكوت” على “التهام” السلطة للمنظمة، وتهميشها ليس سوى الانعكاس المباشر “لقناعات” سياسية “بإنهاء” دور المنظمة جوهرياً، والإبقاء عليه شكلياً، وذلك لأن المراهنة الرئيسة هي في “انتظار” الحل السياسي القائم على استمرار المرحلة كما هي، والقبول الضمني بالحل الاقتصادي، وتحويل الحل “السياسي” إلى حالة مطالبة سياسية وليس إلى برنامج سياسي كفاحي مقاوم.

ويضيف أصحاب هذا الرأي إن الهيئات العليا للحركة لم تنجح في إرساء معالم نظام ديمقراطي، ولم تتمكن من “تجاوز” حالات مثيلة من حالة هذا النظام في المحيط العربي والإقليمي، وإنها أصبحت تربط مصيرها الوطني كله بدرجة أو أخرى من “مباركة” وتشجيع الواقع العربي المحيط، ومن معسكر ما يسمّى “معسكر الاعتدال” في الإقليم العربي.

وأخيراً، فإن أصحاب هذا الرأي لا يعتقدون أن الهيئات العليا في الحركة معنية بإنهاء الانقسام، وأنها باتت تحبّذ الاقتسام على إنهائه.

أما أصحاب الرأي الثاني والمقابل لهذا الرأي فإنهم يرون أن حركة “فتح” عصيّة على التشرذم، وأنها قادرة على إعادة توحيد نفسها، بدليل أنها تجاوزت أزمات كبيرة عصفت بها، واستطاعت أن تهزم كل من حاول الخروج عن نهجها، أو المساس بوحدتها، وأن الحركة تمتلك كل الإمكانيات والطاقات الكامنة لإعادة توجيه البوصلة باتجاه الحقوق الوطنية، وباتجاه الانتصار على الاحتلال، وتكريس الحل السياسي الوطني القائم على حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الوطنية المستقلة، وإجبار إسرائيل على التسليم بحلّ متفقٍ عليه لقضية اللاجئين.

ويرى هؤلاء أن “فتح” ما زالت تقود المقاومة الشعبية، وتقود كل المعارك السياسية والدبلوماسية، وهي تتصدر كل الأعمال الكفاحية في الضفة، ولديها أكبر عدد من المعتقلين بالرغم من “الاتفاقيات” وكل ما يُعرف بالتنسيق الأمني، وهي التي قادت “انتفاضة النفق”، وهي التي زجّت بكل قواها في الانتفاضة الثانية، وهي التي تتصدر المشهد السياسي والكفاحي في القدس، وهي التي رفضت المساومة على عائلات الشهداء والأسرى، وهي التي تتعرض “للحصار” بسبب هذه المواقف.

ويتابع أصحاب هذا الرأي أن حركة “فتح” تحتاج فعلاً إلى مراجعة جادة سياسية وتنظيمية، وتحتاج إلى تجديد الشرعيات الوطنية والحركية، وتحتاج إلى دمقرطة النظام السياسي، لكنها تقف وحيدة ــ تقريباً ــ في مواجهة الانقلاب “الحمساوي”، وتتصدّى وحيدة للانقسام، وتكرس أكثر من 40% من موازنة الحكومة لدعم القطاع، وهي التي على الأرض تمنع الانفصال كمشروع بات يمثل هدفاً مباشراً لـ “حماس”، وهي تخشى ــ أي الحركة ــ من أن تؤدي العملية الديمقراطية قبل التوافق الوطني إلى اختلالات خطرة ليس لصالح هذا الفصيل أو ذاك، وإنما لصالح المشروع الإسرائيلي المباشر لتقسيم الضفة وتقطيعها بعد فصلها عن القطاع وعن القدس.

ويتابع هؤلاء أن “فتح” تاريخياً اعتادت على الخلافات والاختلافات، ولم يثبت أن التعايش داخل الحركة كان هو الخطأ، بل إن الذي ثبت هو أن الخروج على هذا التعايش هو الخطأ الأكبر والأخطر، ما يعني أن شق عصا الطاعة في وجه الحركة غالباً ما كان مشروعاً “دخيلاً” على الحالة الوطنية.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن مؤتمر الحركة القادم سيحمل الكثير من المفاجآت السارّة التي تتعلق بإعادة وحدة الحركة، وبالمراجعات السياسية المطلوبة والممكنة، كما ستعيد النظر بالكثير من الممارسات التنظيمية التي ألحقت بالحركة الكثير من الأضرار، وعرّضتها للكثير من الأخطار، أيضاً.

ليس هذا فقط، وإنّما يرى أصحاب هذا الرأي أن مؤتمر الحركة القادم لن يتوانى عن حسم مسألة الخلافة كتوجّه، إن لم يكن كقرار، وأن المؤتمر سيحسم مصير القرارات التي اتخذتها الهيئات الوطنية في المجلسين الوطني والمركزي، وأن المرحلة القادمة بكل مستجداتها هي مسألة وقت، ووقت قريب، والحركة تعرف التوقيت المناسب لكل هذه المواعيد.

ليس كل ما يقوله أصحاب الرأي صحيحاً، وهناك الكثير من اليأس والتجنّي عند أصحاب هذا الرأي، ولكن هناك قضايا جوهرية في أطروحاتهم لا يمكن لحركة “فتح” أن تتهرب من الإجابة عنها.

وليس كل ما يقوله أصحاب الرأي الثاني صحيحاً أو دقيقاً لأن واقع الحركة يعاني الكثير الكثير من الأزمات التي لا يتمكن التاريخ والإرث النضالي من حلها، أو التصدي الناجح لها، مع أن كل حركة وطنية تستند في محاولة نهوضها، وفي برامج الاستنهاض التي تهدف إليها، وفي بناء وإعادة الحالة الوطنية التي تعمل في إطارها إلى مثل هذا الإرث، لكنها لن تتمكن من النهوض، ولن تقدر على الاستنهاض من دون مراجعات جادة وحاسمة، ومن دون قرارات مصيرية في الظروف المصيرية.

في معالجةٍ قادمة سنحاول أن نلقي الضوء على الآليات المعيارية المطلوبة لتقييم مدى المراهنة على المؤتمر القادم للحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى