أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: حلف شرق أوسطي وليس حلفاً عربياً

عبد المجيد سويلم 2022-07-07

تحاول بعض القوى السياسية، وكذلك جهات محسوبة على هذه القوى، وبعض التابعين تصوير ما يتمّ الحديث عنه حول هذا الحلف «المرتقب» التركيز على المكوّن العربي لهذا الحلف، باعتباره (أي المكوّن) هو المقصود الحقيقي بهذا الحلف، كما تجهد في استنكار (بعد الإنكار) أن يكون أحد في العالم العربي قد وصلت عنده الأمور إلى درجة الدخول في حلف أمني، وعسكري، وما سيكون له حتماً من تبعات وامتدادات سياسية واقتصادية.

هذا الاتجاه ما زال يرى أن العالم العربي، على عكس ما كانت تسير أموره في السنوات الأخيرة، وعلى مدى زمني يمتدّ لأكثر من عقد ونصف العقد قد بات «يُدرك الأخطار» التي تهدد كامل الإقليم العربي بسبب غياب «المشروع العربي» بالذات، وهو ما زاد من أطماع القوى الدولية، ومن الأطماع المباشرة للقوى الإقليمية المحيطة، ويرى أهل هذا الرأي أن الحرب الأوكرانية قد «كرّست» هذا الواقع.

وهنا يتم الحديث بصورة صريحة عن الأطماع الإيرانية والتركية والإسرائيلية، بنفس هذا الترتيب من حيث درجة الخطورة، وطبيعة الأطماع، بصرف النظر عن وسائل «الإخراج» الإعلامي في التعبير عن هذه المنظومة من رؤية الأولويات.

هذا الاتجاه يرى أن العربية السعودية تقف خلف هذا الموقف، مدعوماً من ناحية «المبدأ» بالموقف المصري والأردني، كما أنه يمثل (أي هذا الموقف) حالة من القبول والتقبُّل من الإمارات العربية المتحدة من جهة اليمين، ومن العراق من جهة اليسار.

هذا الاتجاه لا يرغب الآن وعلناً بأن تكون إسرائيل في «قلب» هذا الحلف، لكنه لن يمانع مستقبلاً إذا تحققت له بعض «الشروط». هذه الشروط ليست عند نفس الدرجة من قبل الجميع، وهي أوسع عند بعض الأطراف، وأضيق عند أخرى.

ما يهمنا في هذا الصدد هو التأكيد على أن هذا الاتجاه لا يرى أن الظروف قد «نضجت» بالكامل لإدراج إسرائيل وفوراً في حلف كهذا، مع «التأكيد» على إمكانية أن يأخذ مسار إدراجها وجود توجه «جدّي» للبحث عن حل سياسي للقضية الفلسطينية، بشروط جديدة قد لا تصل بالضرورة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإنما خلق أسس ومرتكزات من شأنها أن «تؤسس» لذلك مستقبلاً.

باختصار، فإن هذا الاتجاه يريد أن يكون جزءاً عضوياً من حلف يبتغي احتواء إيران وأعوانها وأدواتها، وأن يوقف العبث التركي في المنطقة، وأن «يُلزم» إسرائيل بمسار للحل، إن لم يكن الحل نفسه، وذلك لأن الذهاب إلى حلف بوجود «مركزي» لإسرائيل فيه يحمل مخاطر كبيرة على أمن واستقرار المنطقة، وذلك لما للقضية الفلسطينية من أثر وتأثير في عموم منطقة الإقليم العربي.

الاتجاه الثاني لا يرى أي ضرورة لحلف كهذا بوجود إسرائيل في مركز هذا الحلف، ولا يرى هذا الاتجاه ضرورة للدخول في أي حلف من أي نوع كان، خصوصاً أن معظم الدول العربية تقيم علاقات أمنية من نوع ما مع الولايات المتحدة، بل ولها من العلاقات الملموسة على الصعيد العسكري والأمني مع إسرائيل، وهو ما من شأن قيامه أن يزيد من حدة التوتر في كامل الإقليم، وأن يزيد من فرص الحرب فيه، وأن يعرّض أمن المنطقة لأخطار هي في غنى عنها، وليست بحاجة ضرورية أو ماسة إليه، خصوصاً أن إيران ستعتبر الحلف ضدها.

تمثل قطر وعُمان وقبلهما الكويت هذا الاتجاه، وتلقى دول هذا الاتجاه «تعاطفاً» من العراق، وتفهماً من الأردن ومصر، ورفضاً باتاً ومباشراً من البحرين، وتحفظاً من الإمارات العربية المتحدة.

لا يرى هذا الاتجاه أن إيران تمثل عدواً قومياً، بل خصماً سياسياً يمكن التفاهم معه حول كل قضايا الخلاف والخصام.

كما لا يرى أصحاب هذا الاتجاه إسرائيل حليفاً ضرورياً، مع عدم رفض «التعاون» الأمني والسياسي معها في حدود معينة.

يشدد أصحاب هذا الاتجاه على عدم جواز إقحام إسرائيل في حلف دفاعي قبل حل «الخصام» مع إيران، وقبل إيجاد مسار سياسي فاعل للقضية الفلسطينية، دون أن يربطوا بين إيجاد مثل هذا المسار بصورة مباشرة وبين درجة أو أخرى من التعاون الأمني مع إسرائيل بحدود مقلّصة.

يطول شرح وتوضيح خلفيات هذين الاتجاهين وما بينهما، ويطول الشرح والتوضيح أكثر في قراءة التقاطعات فيما بينهما.

هذه التقاطعات لها أسبابها الجيوسياسية في الحالة المصرية والأردنية، ولها أسبابها الاقتصادية، أيضاً.
كما أن وراء الموقف الإماراتي الكثير من الدوافع الاقتصادية التي تتعلق بعلاقاتها مع إيران، وكذلك «بمخاوفها» الخاصة في حال اندلاع حرب في المنطقة.

الحاجة المصرية والأردنية للاستثمارات، وربما المساعدات الخليجية ليست من الأمور الثانوية، والمخاوف «القطرية» من محاولات «التحجيم» السابقة على «الصلحة» الأخيرة ما زالت في الذهن، وعُمان ما زالت تصرّ على موقفها المعهود والذي يقضي بالاستعداد لأي مساعٍ حميدة بشرط «الحياد» والنأي بالنفس عن تجاذبات الإقليم.

العراق لا يستطيع، لا رسمياً، ولا شعبياً أن يجهر بعلاقات أمنية مع إسرائيل، لكن «مخاوفه» من الهيمنة الإيرانية باتت مسنودة بتيار شعبي كبير سني وشيعي، أيضاً.

ولهذا فإن هذين الاتجاهين لا يزالان في الواقع يعيشان في حالة من «السيولة»، ولم تتموضع البلدان والقوى بصورة نهائية على الخارطة السياسية لقيام حلف شرق أوسطي معلن ورسمي.

العامل الحاسم في هذا التموضع ــ كما أرى ــ هو العامل الأميركي.

الرغبة الحقيقية للولايات المتحدة هي في قيام هذا الحلف، سواءً كان رسمياً معلناً، أو ضمنياً ومغلّفاً (في هذه المرحلة)، وكل الأحاديث عن أن زيارة بايدن تأتي أساساً لبحث مسألة الطاقة هي أحاديث غير جدّية على الإطلاق، لأن الحلول لأزمة الطاقة أعمق من أن يتم حلها بواسطة زيادة الإنتاج أو التصدير، وهي أزمة مرشحة للمزيد من التفاقم في خريف هذا العام، وتحتاج إلى سنوات وسنوات حتى يتمكن الغرب من حلها «جذرياً» وهي باهظة التكلفة ـ على كل حال ــ على الاقتصادات الغربية، وروسيا أصبحت تتكيف مع كل تبعاتها.

الموضوع الرئيسي لزيارة بايدن هو هذا الحلف، وكل ما عدا ذلك هي مجرد هوامش لهذه الزيارة ليس أكثر.
الرئيس بايدن يريد إحداث نقلة نوعية في الموقف السعودي لشعوره ومعرفته، أيضاً، أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى قيام الحلف، وهنا يضمن الرئيس الأميركي إنجازاً كبيراً من وجهة نظره يضمن له دعماً بات يحتاجه بشدة في الانتخابات النصفية، وهو يراهن على دعمٍ غير مسبوق ــ كما يعتقد ــ من يهود الولايات المتحدة.

كما أن قيام الحلف سيؤمّن له بقاء سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة على هذا الإقليم الذي لا تستطيع الولايات المتحدة أن تغامر بدخول روسي وصيني قد يؤدي إلى زعزعة الهيمنة الأميركية عليه.

«سيتفهم» بايدن «مخاوف» بعض أطراف الإقليم، و»سيتفهم» اكثر «الحرج» الذي سيسببه قيام الحلف لبعض أطرافه، وسيعطي من الوعود ــ وليس الالتزامات ــ ما يزيد وما يفيض من أجل إنجاز المهمة، و»سيغدق» على إسرائيل كل ما تطلبه شريطة أن تعطيه بعض الهوامش للمناورة بها مع العرب بمن فيهم الفلسطينيون أنفسهم.

ببساطة، سنكون أمام خدعة بصرية من العيار الثقيل. فمن ناحية، ستكون إسرائيل في قلب الحلف، دون إعلانات صاخبة وستكون الولايات المتحدة هي الحامية والمظلّة، بما فيها المظلّة النووية، وسيتم الحديث مطوّلاً حول الخطر الإيراني، وحول استقرار الإقليم والسعي الجاد لإيجاد «حل سياسي» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يوفر «العيش الكريم» للشعب الفلسطيني، بل سيتم الحديث بوضوح عن حقوق سياسية مشروعة للعيش «بكرامة» وطنية دون تحديدٍ من أيّ نوعٍ كان.

هنا، سيكون الرئيس بايدن أكثر جاهزية لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران بعد أن يكون قد ضمن تهدئة «المخاوف» الإسرائيلية، و»طمأنة» العرب، و»خلّصهم» من حرج القضية الفلسطينية، وضَمِنَ بقاء الإقليم تحت الهيمنة الأميركية الشاملة بضمانة الدور المحوري لإسرائيل فيه، ولا وجود فعلياً لحلف عربي من أيّ نوع.
ليس أمام الرئيس الأميركي سوى أن يصل إلى هذه النتيجة إذا أراد ألا يكون فشله وفشل الحزب الديمقراطي مدوّياً في الانتخابات النصفية التي تعتبر بالمقاييس الأميركية على الأبواب. إذا تعثّرت مساعي بايدن هنا فستكون الولايات المتحدة نفسها أمام مأزق خطير، وليس بايدن أو الحزب الديمقراطي فقط.

صحيح أن العوامل الاقتصادية الداخلية هي التي تحدد اتجاهات الناخب الأميركي، لكن الرئيس بايدن ليس لديه لا الوقت ولا الأدوات، ولا الإمكانية للعب في هذه الساحة.

ومن هنا بالذات، تبدو مسألة الحلف عظيمة الأهمية للرئيس وللحزب الديمقراطي، وللولايات المتحدة بِرمّتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى