أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: ثلاث قضايا للانتباه الشديد

عبد المجيد سويلم 2023-11-09ثلاث قضايا للانتباه الشديد

القضية الأولى، هي «الترانسفير».

 

ما يقوله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن «عدم» رغبة إسرائيل في تهجير الفلسطينيين هو قول كاذب ومخادع وتضليلي.

تغيّرت الخطّة الأميركية الإسرائيلية من التهجير المباشر إلى سيناء المصرية، بعد الموقف المصري، بمؤازرة أردنية، وتحوّلت الخطة من التهجير المباشر إلى «إرجاء» ذلك بعد أن «يتمّ» إقصاء حركة حماس أو إضعافها إلى أبعد الحدود، وبحيث يصبح التهجير «إجبارياً» لقطاعات واسعة من أهل القطاع بعد أن يكون قطاع غزة قد تحوّل إلى مكان لا تصلح عليه الحياة لعقود قادمة.

وبذلك فإنّ الحديث عن (أنّنا لن نرحل)، أو أنّ الفلسطيني قد تعلّم الدرس من النكبة، وهو لم يعد يقع أبداً في هذا المطبّ هو حديث قاصر وعاجز، لأنّ منع التهجير الجماعي، أو شبه الجماعي لن يكون ممكناً إذا تمّ اعتبار مصر والأردن مجرّد منطقة عبور إلى الخارج، وإذا ما كان «الغرب» قد جهّز الوجهة المطلوبة لمثل هذا التهجير.

أقصد أنّ التهجير «الداخلي» بات الآن في الخطّة الإسرائيلية مجرّد مرحلة انتقالية أولى للتهجير الخارجي، دون إعلان مدوّ، ودون أن يبدو هذا التهجير وكأنّه أحد أهداف الحرب التي تشنّها إسرائيل على القطاع بمباركة أميركية كاملة، وبإسناد «غربي» كامل، وبصمت عربي عن حقيقة الأهداف الكامنة في الخطّة الكاملة التي تمّ تعديلها.

ولهذا فإنّ حصر الأهداف الإسرائيلية الأميركية في «تدمير» البنية العسكرية لـ»حماس»، ولفصائل المقاومة في غزّة، أو حتى «تغيير» الوضع السياسي في القطاع بمعزلٍ عن الأهداف الكبرى في مسألة التهجير الجماعي والذي هو تهجير قسري من حيث الجوهر، وتهجير يبدو وكأنّه طوعي، وعفوي من حيث الشكل، وبحيث يبدو وكأنّه «عملية طبيعية» لمرحلة ما بعد الحرب، إنّما هو سذاجة سياسية. وستنفّذ هذه العملية مباشرة بعد نهاية الحرب، وإذا ما تمكّنت إسرائيل من إضعاف المقاومة، أو كسر إرادتها في القطاع، وسينقل هذا التهجير إلى الضفة الغربية، بصورةٍ تدريجية، ودون إعلانات مدوّية بعد أن تحوّل حياة سكان الضفة إلى جحيم، بمساعدة عشرات الآلاف من المستوطنين المسلّحين، إضافةً إلى عمليات التنكيل التي سيقوم بها الجيش الإسرائيلي ضدّ أيّ مظاهر من المقاومة، بما في ذلك المقاومة الشعبية السلمية، وضدّ كلّ مظاهر «التمرّد» على الاحتلال وسياساته، باعتبار أنّ مثل هذا التمرّد هو إرهاب ضدّ أمن إسرائيل، وبمثابة تهديد «قومي ووجودي» لها، وهو مخالف «للقانون الدولي» كما سيتمّ تشريعه من قبل دولة الاحتلال، وكما سيتمّ تبنّيه بالكامل من قبل الإدارة الأميركية، ومن قبل «الغرب» كلّه.

وستتكفّل الولايات المتحدة بتقديم الغطاء «السياسي» لهذا النهج من خلال «إطلاق» مسار سياسي يبحث عن/ في «حل الدولتين» بين دولة مُسيطرة على الجغرافيا الكاملة، وعلى حدود الديموغرافيا «المناسبة»، بعد أن يتمّ التحكّم بمعدّلات التهجير المطلوبة سنوياً.

وبالنسبة لـ»الداخل» الفلسطيني، أيضاً، فإنّ قانون القومية سيتحول إلى أداة «سياسية وقانونية» لمزيد من الإقصاء والتهميش، وربما إلى نقل تجمُّعات بكاملها وإعادة إسكانها حسب الأولويات الإسرائيلية على المدى الطويل، وبذلك فإنّ الخطة الأميركية ستكون البحث عن/ وفي دولة مُسيطرة هي إسرائيل ــ كما ذكرنا ــ وبين كيان فلسطيني محشور في الجغرافيا، ومحاصر في ديموغرافيا الأهداف الإسرائيلية.

القضية الثانية، هي الطرف الفلسطيني «المقبول» أميركياً، وكذلك إسرائيلياً و»غربياً»، وعربياً إقليمياً.

إذا لم يتمّ وقف هذه الخطة الآن وقبل فوات الأوان فإنّ هذا الطرف لن يكون لا منظمة التحرير الفلسطينية، ولا السلطة الوطنية الفلسطينية، ولن يكون من فصائل المقاومة، ولا حتى من «المجتمع المدني» الفلسطيني «الخامل»، وإنّما سيكون في أغلب الظنّ من كلّ من هو على استعداد لقبول معادلة الدولة المهيمنة والمسيطرة، وهي إسرائيل مقابل الكيان الفلسطيني الخاضع لهذه السيطرة، ولكنه الذي يتولّى إدارة السكان، وبعض الموارد، على الحيّز الجغرافي «المشترك» مع دولة الاحتلال، وخارج سيطرة ومجال المستوطنات.

ومن المؤكّد أنّ ما تفكّر به إسرائيل الآن، وبدعم أميركي مدروس هو أن يتمّ اعتبار الطرف الفلسطيني المطلوب مؤقّتاً ومرحلياً هو خليط من السلطة والمنظمة والفصائل و»المجتمع المدني» النشط على طريق فرز الطرف الذي سينتهي به الأمر إلى التوافق مع الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية الموافق عليها ضمنياً من النظام العربي والنظام الإقليمي الأشمل.

ولهذا كلّه فإنّ المعركة القائمة على القطاع أبعد وأخطر بكثير من مجرّد «البُنى» العسكرية، ومن مجرّد «إحداث» تغيير في الحالة السياسية في قطاع غزة.

ولهذا، أيضاً، فإنّ كلّ من يظنّ بأنّ له دورا سياسيا خارج نطاق هذه الإستراتيجية دون أن يُهزم المشروع الاحتلالي الإسرائيلي في نتائج هذه الحرب، أو دون أن يُحرم التحالف الأميركي الإسرائيلي من «الانتصار» فهو واهم وساذج.

وينطبق هذا الأمر على فصائل المقاومة وعلى السلطة الوطنية، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى «حزب الله»، وعلى «محور المقاومة» أو «الممانعة» لاحقاً.

وكلّ من ينظر إلى الحالة السياسية القائمة في فلسطين من النهر إلى البحر، على اعتبار أنّ هناك محاور للتصفية، ومحاور للبقاء والاستمرار ولكي تلعب مستقبلاً أي أدوار سياسية فهو، أيضاً، على درجة أكبر من الموضوعية والسذاجة.

المشروع الأميركي والإسرائيلي و»الغربي» الجديد في إقليم «الشرق الأوسط الجديد» حسم خياره كاملاً بأن يتمّ «إخضاع» كامل هذا الإقليم بعد أن خسر الحرب عسكرياً في أوكرانيا، وأصبح مستحيلاً أن يكسب الصراع الاقتصادي مع الصين، وبعد أن بات واضحاً له كلّ الوضوح أنّ خسارة إقليم الشرق الأوسط فعلاً هي معركة حياة أو موت كما قال بنيامين نتنياهو، وكما عبّرت الولايات المتحدة عن نفس المفهوم، وكما تفهّم «الغرب» «بالكامل» أبعاد هذه الحرب.

أمّا القضية الثالثة، فهي الشعوب العربية، والشعوب الحرّة التي تحوّلت إلى أكبر شبكة أمان للحقوق الوطنية الفلسطينية منذ النكبة وحتى يومنا هذا.

إذا لم يتمّ على جناح السرعة مأسسة هذا الدعم غير المسبوق، وإذا لم يتمّ تشبيك قضيتنا الوطنية، وإعادة ربط الكفاح الوطني مع هذه الشعوب فإنّنا نكون قد أضعنا فرصة العمر، ونكون قد خسرنا أكبر سلاح في يدنا في مواجهة الحلف المعادي.

وأهمّ ما في الأمر أنّ هذا السلاح بالذات هو الذي يُؤلم هذا التحالف أكثر من كلّ الخسارات المادية والعسكرية.

والخلاصة هنا، أنّ الحرب الدائرة الآن هي وجودية للشعب الفلسطيني كله، وهي حاسمة، وليست ما قبل، أو بعد الفاصلة و»المنازلة» الأكبر.

هذه قضايا برأيي تحظى، وجديرة أن تحظى بالانتباه، والتحذير والتفكير والتدبير.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى