أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: الواقعية السياسية الفلسطينية ليست واقعية!

الواقعية السياسية : عبد المجيد سويلم 2022-10-17

دعونا ندخل مباشرة في الموضوع.

المطلب باعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية، أسوةً بكل دول العالم المستقلة، وذات السيادة ليست واقعية، مع أن هذا المطلب هو مطلب على أعلى درجات الأحقية، ومن شروط العدالة في أدنى حدودها «الواقعية».

السبب في عدم واقعية هذا المطلب هو أن الولايات المتحدة ترفض هذا المطلب، وسبق أن هددت بأن محاولة تقديمه أو التقدم به إلى مجلس الأمن هو خروج صريح عن مسار “السلام”، وان أميركا ستفشله إما بالضغط على الأعضاء الدائمين لمنع حصوله على الأصوات الضرورية التي تسمح بمناقشته في جلسة خاصة في مجلس الأمن، أو أنها – أي الولايات المتحدة – ستفشله بواسطة استخدام «حق النقض» الذي لا تتردد إطلاقا في استخدامه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

إذا كانت الواقعية تعني في ابسط صورها وأشكالها – بعيدا عن التعريفات الفلسفية والأكاديمية – هي تلك الحالة، أو السياسة، أو ذلك النهج الذي يرى الواقع بما هو قائم عليه، ويرى الأمور من زاوية الممكن والمتاح، أو تتوفر في هذا الواقع الشروط التي يمكن أن تحققه … فإن هذا المطلب يفتقد (واقعياً) لكل تلك الشروط، وهو مطلب محق ولكنه غير قابل للتحقيق أبداً في إطار المرحلة، وفي إطار ما هو مرئي، ويستحيل أن يتطور الواقع المحيط والذي هو واقع مرير بكل أبعاده الإقليمية والدولية – ناهيكم عن الواقع الوطني نفسه – في غضون سنوات وسنوات قادمة دون أن تحدث متغيرات كبيرة وانقلابية في هذا الواقع.

والمطلب بحل الدولتين لم يعد واقعياً في ظل «الواقع الإسرائيلي» وسياساته وممارساته، بل وحتى في ظل واقع المجتمع الإسرائيلي نفسه.

الإبقاء على هذا المطلب من الزاوية الشكلية في أطروحات المجتمع الدولي!!، وفي أطروحات «الحالة العربية»، وحتى في أطروحات أميركا وإسرائيل نفسها لا يزكي هذا المطلب، ولا يضيف لواقعيته شيئاً، إن لم يكن العكس هو الصحيح.

أما إذا نظرنا للموضوع، من زاوية حقوق الشعب الفلسطيني كما تقرها «الشرعية الدولية» فإن الأمر هنا أيضاً ليس واقعياً من عدة زوايا.

الشرعية الدولية ليست «معطى ثابتا»، لأن الشرعية الدولية (واقعيا أيضاً) هي شرعية توازنات الحالة الملموسة، وليست شرعية المثل والمبادئ والقرارات.

العالم كله اعترف على سبيل المثال بدولة جنوب السودان في غضون أيام من الاستفتاء على الاستقلال، ولم يكن في تلك الدولة لا مؤسسات ولا ما يحزنون، وليس في كامل الدولة حتى الآن أي مؤسسات حقيقية، وعندما تم الاعتراف بها لم يكن في تلك الدولة شوارع معبدة أكثر من شوارع معبدة في أي بلدة فلسطينية، وليس مدينة فلسطينية.

وعندما انهار الاتحاد السوفياتي توالت الاعترافات بالدول «الجديدة» كالسيل الجارف وتم تدمير وتفكيك الدول من اجل “الدول الوافدة” على الشرعية الدولية دون عقبات ودون عوائق بل وبترحيب شديد، وتحفيز أكبر.

فهل «الشرعية الدولية» التي نتحدث بها حول حل الدولتين هي نفسها الشرعية الدولية التي رعت وحمت ودافعت عن الدول الجديدة؟

وأما من زاوية «واقعية» الحل فإن الدولة الفلسطينية بالمعطيات القائمة لا تساوي ولا توازي ولا تعادل حق تقرير المصير، ولا تحل قضية اللاجئين، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تتحدثان مطلقاً عن حل كهذا، وإنما عن سلام جوهره اقتصادي ومعيشي بأقصى شكل سياسي له هو حكم ذاتي منقوص ومشروط بالبقاء تحت الهيمنة الإسرائيلية، دون حدود سيادية مهما كانت مبتورة، وإنما «حدود» سائلة مرهونة باعتبارات الأمن الإسرائيلية.

ولهذا فإن حل الدولتين هو حل مختلف عن حقوق الشعب الفلسطيني كما هو في الشرعية الدولية، والشرعية الدولية من الناحية «الواقعية» ليست هي الشرعية الدولية كما تنص عليها هذه الشرعية في مواثيقها.

ولهذا أيضاً، فإن حل الدولتين ليس حلاً واقعياً، وبالتالي فإن السياسة التي لا تفرق بين حل الدولتين وبين قرارات ومواثيق الشرعية الدولية من ناحية أخرى، ولا ترى الفرق بين الشرعية الدولية «الواقعية» والشرعية الدولية (النظرية) ستؤدي حتما، ومن الناحية الواقعية إلى الوقوع في شرك الحل الأميركي والإسرائيلي، ولا مجال لأن يكون «حل الدولتين» سوى الحكم الذاتي المقلص، ومنزوع الحدود، والسائل وفق الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، والرازح تحت الهيمنة الكاملة الإسرائيلية، والمعتمد في لقمة عيشه، (الشروط الاقتصادية) على بقاء قضيته الوطنية محصورة في إدارة السكان مقابل الحصول على حدود تعينه من الموارد للبقاء في هذه الساحة ولإبقاء القضية داخل هذه الدائرة.

فهل هذا الحل له أي نوع من العلاقة «بالواقعية»؟

باختصار فإن ما يسمى حل الدولتين، الذي «يتجمل» به علينا الرئيس بايدن، وصديقه الجديد رئيس وزراء دولة الاحتلال هو «واقعيا» الاسم الحركي لإجهاض المشروع الوطني، الذي قام وتأسس على حق تقرير المصير لكل شعبنا ولحقنا في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، والقدس الشرقية كاملة هي عاصمة هذه الدولة، وحق العودة حسب القرار ١٩٤، في إطار الشرعية الدولية كما تنص عليها مواثيقها وقراراتها وليس على «الشرعية الدولية» التي هي رهينة للولايات المتحدة ومؤسسة تحت السطوة الأميركية عندما يتعلق الأمر بإلزامية القرارات والتي تصدر عن مجلس الأمن قبل أي مؤسسة أخرى من مؤسسات هذه الشرعية الدولية.

وحتى عندما يتعلق الأمر بقرارات مجلس الأمن فإن الولايات المتحدة تعطل مفعولها إذا تعلق الأمر بإسرائيل، وتحمي إسرائيل عندما تدير إسرائيل ظهرها بالكامل لهذه القرارات.

لم تكن السياسة الفلسطينية الواقعية بقبول أن يكون الحل على أساس الشرعية الدولية – كما هي مثبتة ومستقرة – في مواثيق الأمم المتحدة وبقية مكونات الشرعية الدولية وهيئاتها، سياسة خاطئة، أو لم تكن غير واقعية، وعلى العكس فقد كانت هذه السياسة صحيحة وواقعية فعلاً بقدر ما تتمكن من فرضها في الواقع من خلال مراكمة الكفاح الوطني الذي يؤدي إلى تغيير في موازين القوى يسمح بفرضها أو يتمكن من فرضها، وبهذا المعنى فإن هذه السياسة كانت تسمى الواقعية الثورية لأنها واقعية التغيير وليست واقعية القبول بالأمر الواقع.

ليست الواقعية الثورية هي الحل العادل أو التاريخي، وإنما الحل الممكن والضروري، والاسم الحقيقي لها هو المساومة، ولكنها المشروعة.

أما عندما تكون الواقعية هي الحل الذي يفرضه الأمر الواقع، الذي يستمر بالتغير نحو واقع «جديد» في كل يوم جديد، وبما يفرض الوقائع على الأرض، ويكاد يتحول إلى «حقائق» في نظر القوى التي تهيمن واقعيا على الشرعية الدولية فإن البقاء في دائرة الواقع والمراوحة فيه لا يعني سوى الاستسلام لهذا الواقع.

وكل سياسة فلسطينية لا تعيد الاعتبار لهذا المفهوم في الواقعية هي سياسة ستؤدي حتما إلى التماهي مع المشروع الإسرائيلي بوعي أو بغير وعي، برغبة أو حتى دونها.

وكل قراءة جديدة للمشروع الوطني أو محاولة إعادة تعريفه دون مراجعة هذا كله لن تؤدي إلا إلى البقاء والمراوحة في نفس المكان، والواقعية الحقيقية الوحيدة هي وقف «التآكل» الذي نسير فيه منذ أكثر من ثلاثة عقود، وإعادة تعريف المشروع الوطني وإعادة النظر كاملا بعلاقة الشعب الفلسطيني بدولة الاحتلال ومشروعها وبكل من يدعم الاحتلال فالمشروع الصهيوني تحت غطاء الشرعية الدولية كما هي اليوم، وتحت غطاء الواقعية كما يتم التهرب من نتائجها.

لماذا أكتب هذا المقال، وما هي مناسبته؟

المناسبة هي اللغط الذي دار حول «عدم» الاتفاق على الشرعية الدولية، في بند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في بيان أو وثيقة الجزائر.

كأساس في تشكل الحكومة كان النص كافياً، وليس مطلوبا اكثر من ذلك، وليس مطلوبا تفسير هذه الشرعية الدولية، أما في حالة مراجعة الحالة الوطنية، وإعادة تعريف المشروع الوطني فهذا ليس كافيا، والمطلوب تحديد محتوى هذه الشرعية حول حقوقنا الوطنية، مع أن عدم الاتفاق على إنهاء الانقسام له قصة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى