أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: أهداف خطيرة وكبيرة من وراء هذه الحرب!

عبد المجيد سويلم 2023-12-21: أهداف خطيرة وكبيرة من وراء هذه الحرب!

هذه الحرب كانت ستقع على كلّ حال.
من يعتقد أنّ هذه الحرب قد وقعت كردّة فعلٍ إسرائيلية على الهجوم الذي قامت به حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، وأنّه لولا «حماس» قد بادرت إليها لما وقعت على الإطلاق فهو ساذج، ولا يعي ماذا يعني «حسم الصراع»، ولا يدرك أنّ «بقاء» المقاومة في قطاع غزة كان مستحيلاً في ظل معادلة حسم هذا الصراع.
بل يمكن القول، إنّ كلّ سياسات «اليمين» في إسرائيل الرامية إلى «تكريس» الانقسام باستمالة وتشجيع «حماس» للإبقاء على هذا الانقسام كانت سياسة تهدف إلى «تخدير» الوضع، والمراهنة على رغبة «حماس» بالحفاظ على «إمارتها» في القطاع لكي «تنضج» ظروف الحسم بأحد الاتجاهين الآتيين:
الأوّل، أنّ تكريس هذه «الإمارة»، بما تلحقه من ضررٍ بالغ بالأهداف الوطنية، والحقوق الوطنية، أيضاً، وهو ما كان يحتاج إلى توقيع اتفاق تهدئة طويل الأمد، مشروط بتسهيلات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك إنهاء الحصار من الزاوية العملية، وإعطاء القطاع فرصاً «عالية» من النموّ الاقتصادي عن طريق زيادات كبيرة في حجم العاملين الغزيّين في سوق العمل الإسرائيلية، وعن طريق فرص أكبر للصيد البحري، وفرص كبيرة للتصدير عن طريق ميناء بحري عائم، وتسهيلات أخرى كبيرة وكثيرة.
وفي هذه الحالة يتمّ «التفاهم» على «ضبط» مسألة التسلُّح في القطاع، والتفاهم على شروط «الضبط» المطلوبة من «حماس» لنفسها، ولبقية «الفصائل» تحت طائلة التهديد، ومن خلال سلّة متكاملة من الإغراءات، خصوصاً أنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع كانت قد وصلت إلى حافّة الانفجار في وجه الجميع.
وأمّا الثاني، وفي ضوء تعذّر الأوّل فهو الانتظار حتى تأتي «الفرصة المناسبة» لضرب الفصائل المسلّحة في القطاع، تحت أيّ ذريعةٍ تفتعلها إسرائيل، أو توظّف من يقوم بافتعالها، أو أن يقوم بعض الفصائل الصغيرة بتوفيرها.
هذا هو الواقع الذي كان قائماً قبل نشوب هذه الحرب.
وهنا، وعلى ما أظنّ أخذت «حماس» قرارها بالمبادرة إلى هذه الحرب عن وعيٍ ودراية بأنّ الحرب قادمة لا محالة إذا هي ــ أي «حماس» ــ قد حسمت أمرها بعدم عقد اتفاقيات التهدئة التي أشرنا إليها.
من المؤكّد أنّ القرار ببدء الهجوم في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل لم يكن، لا متسرّعاً ولا ارتجالياً، وأنّه قد تمّت دراسته بصورةٍ دقيقة، ومن المؤكّد أنّ مسألة الأسرى الفلسطينيين قد دخلت في ثنايا هذا القرار، وأنّ حسابات ردّة الفعل الإسرائيلية عليه قد أُخذت بعين الاعتبار، إلّا أنّ افتراض عدم دقّة هذه الحسابات في هذه المسألة الأخيرة تبقى واردة، وربّما مرجّحة، أيضاً.
ويعود السبب في ذلك إلى اعتبارات كثيرة، لعلّ من أهمّها على الإطلاق هو أنّ «حماس» ربّما تكون قد تفاجأت بالانهيار السريع للقوات الإسرائيلية، وربّما تفاجأت، أيضاً، بدخول «المدنيين» إلى «الغلاف»، وتفاجأت أكثر بحجم الصدمة التي تعرّضت لها إسرائيل.
ومع ذلك كلّه فإنّ ردّة الفعل الإسرائيلية التي وصلت إلى ذروة الجنون والإجرام ليست انفعالية كما تحاول أن توحي لنفسها، وكما حاولت أن توحي لمجتمعها، ولـ»الغرب» على وجه الخصوص.
لأن طرح التهجير منذ اللحظات الأولى للحرب هو وضع أبعد ما يكون، وأبعد ما يمكن أن يكون عن الحالة الانفعالية، والاستماتة من أجل الوصول إلى هدف كهذا إنّما تؤكد أكثر بأنّ المسألة تعود إلى عهود ما قبل الحرب، وإلى مخطّطات سابقة على اندلاعها.
كما أنّ الاستماتة الأكبر في إعدام فرص الحياة في القطاع، وتدمير كلّ شيء يمتُّ لها بصلة إنّما يُخفي ما كان يدور في رؤوس القيادة الإسرائيلية.
ولذلك فإنّ «النصر» الذي تبحث عنه دولة الاحتلال هو بالضبط في أن يتحوّل قطاع غزة كلّه إلى حملٍ ثقيل، لا يمكن لأحدٍ أن يحمله، وإلى عبءٍ اقتصادي واجتماعي ليس له حل سوى بالهجرة، أو «الهروب» من القطاع بعد انتهاء الحرب، وخصوصاً إذا ما توافق «الغرب» مع إسرائيل على «الهجرة المنظّمة» لقطاعاتٍ واسعة من الشباب الفلسطيني، ولن أستغرب، ولا يجوز لأحدٍ أن يستبعد مثل هذا التوافق لكي تحقّق إسرائيل عن طريق هذا الدمار الشامل ما عجزت عن تحقيقه بالوسائل العسكرية المباشرة.
لكن مفكّري «اليمين العنصري» الأكثر تطرفاً أرادوا من خلال استراتيجية الإبادة والتدمير التام أن يخلقوا «حقائق» أو «وقائع» جديدة، وهي التي تتمثّل بإشاعة أعلى درجة ممكنة من أجواء الكراهية، ومن مشاعر الحقد والانتقام، ومن نفسية الذي ينتظر كلّ فرصة للانقضاض على الآخر، وتدميره إذا أمكنه ذلك، وهنا لا بدّ من الانتباه الشديد لما يمكن أن يلجأ إليه «اليمين الفاشي» من أساليب، وذلك بالنظر إلى ما يتحصّل عليه من إمكانيات، وما لديه من دعمٍ وإسنادٍ كاملين من مؤسّساتٍ دينيّة، وعسكريّة وأمنيّة، ومن بيئةٍ جاهزة لتقبّل كلّ أفكاره ومعتقداته، بما في ذلك أحطّ الأساليب والممارسات التي شهدنا أمثلة صارخة لها.
ومن مصادفات هذه العقلية أنّ أحد «المحللين» الإسرائيليين على «قناة 13» قال دون أن يرفّ له جفن، إنّ إسرائيل قد أخطأت خطأً كبيراً عندما لم تقم بقتل 100 ألف فلسطيني من الضربة الأولى، لكي تتابع «فيما بعد» حربها ضدّ قطاع غزة، وسط استحسان الجالسين في استوديو الأخبار والتحليل.
وهناك عشرات الأمثلة الأخرى التي تندرج في هذا السياق والمسار، وتمرّ هذه الأطروحات في وسائل الإعلام الإسرائيلية وكأنّها من طبيعة الأشياء، ومن «مقتضيات» الحال القائم.
إنّ «اليمين العنصري» لا يقوم بهذا كلّه كردّة فعلٍ على هجوم «حماس»، وإنّما هو «يستثمر» في الأجواء التي ترتّبت على ذلك الهجوم لكي «يضمن» لنفسه مساحةً كافية مسبقة لقطع الطريق كلّياً على أيّ إمكانية لأيّ هدنة، أو هدوء، ناهيكم عن التعايش فيما لو «جنح» المجتمع الإسرائيلي في ظروفٍ «منظورة» لأيّ سلم، من أيّ نوعٍ كان، ولكي يُبقي «جذوة» الحقد والكراهية والانتقام مشتعلةً في كلّ الفضاء.
يعرف «اليمين العنصري» أنه ذاهب إلى مرحلة صعبة من «التراجع» السياسي المباشر، لكنّه يعرف جيدّاً، أيضاً، أنّ «القاعدة» الفكرية، والأفكار السياسية التي تُبقيه حيّاً هي من النوع المتأصِّل والمتجذِّر في المشروع الصهيوني، وفي الأطروحات السياسية الراهنة في المجتمع الإسرائيلي، وفي الفضاء الديني العام.
وسيكون من أكبر أنواع الخطر ألا تأخذ الحركة الوطنية الفلسطينية هذه الأهداف الصهيونية اليمينية المتطرّفة، وألا ننتبه إلى أهمّية الكيفيات التي من خلالها يمكن إحباط هذه الأهداف الخبيثة إلى أبعد حدود الخُبث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى