شؤون إسرائيلية

عبد القادر بدوي يكتب -“لافاميليا”: المنظمة الساعية لأن تكون الأكثر عنصرية وتطرفاً في العالم !

عبد القادر بدوي *- 31/5/2021

يمكن القول إن انتشار ظاهرة المنظمات والجمعيات العنصرية والمتطرفة- والعنصرية والتطرّف هنا موجّهان ضد كل ما هو عربي بشكل رئيس- هي سمة ملازمة للمشروع الصهيوني منذ بدايته، ولاحقاً، دولة إسرائيل، كاستمرار، وكأداة تنفيذ للمشروع. وهذه الظواهر يُمكن تفسيرها بسهولة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البنية الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية لهذه الدولة وجوهرها الذي يُسهم في إطلاق العنان لهذه المنظّمات، بل وشرعنتها في أغلب الأحيان، كونها لا تختلف معها من حيث الجوهر، وإن وِجدت بعض الاختلافات على صعيد الممارسات والسلوكيات. وفي سياق الحديث عن منظمة “لافاميليا”- كمنظّمة يمينية عنصرية متطرّفة- لا يجوز لنا إغفال حقيقة أن انتشار المنظمات والجمعيات اليمينية والاستيطانية، وكذلك المنظمات التي تعمل في مجالات الحياة المختلفة، هي سمة غالبة للسنوات الأخيرة، خصوصاً بعد هيمنة اليمين الصهيوني بكل ما يتضمّنه من قيم وممارسات وأدوات خطابية، على نظام الحكم، والذي يسعى بشكل مسعور للهيمنة على كل قطاعات المجتمع الإسرائيلي الأخرى، في إطار سعيه لإعادة كتابة تاريخ دولة إسرائيل بعد عقود طويلة من “الإقصاء” والغياب، وهو الأمر الذي نجد ترجمته العملية في العداء الشديد لكل ما هو عربي، أو لكل ما هو “آخر” بالمفهوم الصهيوني.

بدايةً، تُحيل لفظة “لافاميليا” إلى كلمة (La Familia) في اللغتين الإسبانية والإيطالية، وتعني لغوي العائلة. أما الإحالات التي تحملها تسمية المنظمة بهذا الاسم فهي ليست بعيدة عن الأصل اللغوي للكلمة، وقد تم اختياره تيمّناً بأفلام المافيا الإيطالية. كما أن اختيار تسمية العائلة يأتي بناءً على رؤية المنظمة لنفسها على أنها المحافظ على قيم “العائلة اليهودية”. والعائلة هنا، نقية؛ متفوقة؛ مُغلقة وعنصرية؛ أي تلك العائلة اليهودية- كما عرّفتها الصهيونية في مقابل “الآخر” العربي الفلسطيني منذ أن تحولت أنظار قادتها لفلسطين؛ كوطن قومي مُستقبلي، باعتباره المكان الأنسب لتحقيق مشروعهم الاستعماري ذي البُعدين الديني الخلاصي، والاستشراقي الأوروبي.

تأسّست منظمة “لافاميليا” في العام 2005 على يد نشطاء وأعضاء يهود كانوا قد نشطوا سابقاً في المنظمة المعروفة باللغة العبرية باسم “غوف هأريوت” والتي تعني بالعربية “عرين الأسود”.[1] وفي إطار السعي لإعادة تنظيم رابطة مشجّعين جديدة لفريق “بيتار القدس” لكرة القدم، بهدف تنظيم حضور المشجعين للمباريات وتأمين المواصلات والأعلام والألعاب النارية والهتافات… وغيرها من الأمور اللازمة للتشجيع، وقد تم فعلاً الاعتراف بها كجسم رسمي تابع للفريق (رابطة المشجّعين) في بداية العام 2006 من قبل إدارة نادي “بيتار القدس”.

وعلى الرغم من الخطاب والسلوك العنصري والمتطرّف الذي يصبغ خطاب وسلوك أعضاء هذه المنظمة- فإن الوظيفة تنطوي على دلالات مضلّلة رغم دقّتها؛ إذ تروّج المنظمة نفسها على أنها “رابطة مشجّعين” لفريق كرة القدم الإسرائيلي المعروف “بيتار القدس” فقط. لكن، يشتهر أعضاء هذه المنظمة عملياً بعنصريتهم ضدّ كل ما هو غير “يهودي”، وبهتافاتهم وشعاراتهم المسيئة للعرب؛ إذا أصبحت شعارات: “الموت للعرب”؛ “إسرائيل هي دولة اليهود فقط”؛ “بيتار سيبقى نقياً للأبد” بمثابة هوية لهم؛ يردّدونها أثناء المباريات وخلال المسيرات التي تنظّمها المنظمة بعد انتهاء المباريات والتي تتخلّلها عمليات تخريب وإرهاب واعتداءات على العرب وممتلكاتهم.

يرفض أعضاء هذه المنظمة وجود أي لاعب عربي ضمن فريقهم “بيتار القدس”، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ؛ بل يهاجمون بعنف شديد الفرق اليهودية الأخرى التي يتواجد ضمن تشكيلتها لاعبون عرب، وغالباً ما تشهد المباريات التي تجمعهم بالفرق العربية أو تلك اليهودية التي يلعب فيها لاعبون عرب اعتداءات لفظية وجسدية إلى جانب الهتافات العنصرية واليافطات التي تتضمّن الشتائم والعبارات المسيئة للعرب. وقد وصلت ذروتها في أحيانٍ عديدة لمحاولات القتل- على سبيل المثال لا الحصر كما حدث في العام 2007 عندما تعرّض مواطن عربي لاعتداء وحشي من قِبل مجموعة كبيرة من أعضاء هذه المنظمة؛ وكذلك في العام 2012 حينما قام أعضاء هذه المنظمة بمهاجمة الممتلكات العربية وتحطيمها؛ وفي العام 2013 عندما أحرق أعضاء المنظمة مجمّع تدريب فريقهم “بيتار القدس” بسبب موافقة النادي على ضم لاعبَين مسلمَين للفريق.[2]

وعلى الرغم من هذا الخطاب العنصري والسلوك الهمجي العلني وعمليات الإرهاب والتخريب التي تطال كل ما هو عربي، إلا أن الفريق وإدارته لا يسعون لإدانته، وهذا ما ينطبق أيضاً على المستوى السياسي الذي يرى في المنظمة تعبيراً حقيقياً عن اليمين الصهيوني بكل ما يحمله من قيم وتوجّهات ومضامين خطابية، وهذا ما يُفسّر وجود بعض الساسة ضمن عضوية هذه المنظمة، على سبيل المثال لا الحصر؛ أفيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، وعضو الكنيست والوزيرة عن حزب الليكود ميري ريغف التي عبّرت مراراً عن إعجابها الكبير بهذه المنظمة.

بالإضافة لذلك، تتضمّن القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة إسرائيليين من كافة القطاعات، بما في ذلك ضبّاط وجنود في الجيش، وهو الأمر الذي كشفت عنه صحيفة “هآرتس” بعد أن أقدم أحد الجنود (برتبة ضابط) – وهو أحد أعضاء هذه المنظمة- على محاولة قتل أحد مشجّعي فريق “هبوعيل تل أبيب” على خلفية “قومية”. وعلى الرغم من الترويج الإعلامي والسياسي، الذي يتصاعد في أعقاب كل حادثة من هذا القبيل، وبوجود مساع حقيقية للشرطة والأجهزة القضائية الإسرائيلية لمحاربة مظاهر العنصرية والتطرّف في هذه المنظمة، يكتسب هذا الترويج قوة حين تلجأ أجهزة الشرطة لزيادة قواتها عشية إقامة مباريات هذا الفريق، إلا أن غالبية الاعتقالات التي تتم لأعضاء هذه المنظمة حتى على خلفية أحداث كبرى، كمحاولات القتل، لا يتم فيها تقديم لائحة اتهام ويتم الإفراج عنهم لاحقاً، وهو الأمر الذي يُفسّره البعض نتيجة لغياب الرادع السياسي والأمني، بل ويراه البعض على أنه نتيجة طبيعية لأجواء العنصرية التي يبثّها ويُشجّع عليها التحريض الذي يُمارسه السياسيون عبر المؤسسات الرسمية،[3] ما يجعل أعضاء هذه المنظمة يشعرون بالأمان والحماية، بل ويُقدّمون أنفسهم على أنهم المنظمة الوحيدة التي تسعى للقضاء على مظاهر “العنصرية والتطرّف” بين مثيلاتها من “روابط المشجّعين”.

ورغم المحاولات العديدة التي يسعى أعضاؤها ومؤسّسوها لحصر دور منظّمتهم في الجانب الرياضي، خصوصاً إعلامياً في إطار دفاعهم عن “نقاء” المنظّمة واعتدالها؛ إلا أنه من السهولة بمكان اعتبارها منظّمة عنصرية إرهابية متطرّفة تعمل برعاية القانون الإسرائيلي وبدعم مُضمَر من القيادات الصهيونية اليمينية التي تُبدي على الدوام إعجابها وفخرها الشديد بهذه المنظمة وبأعضائها وترى في مظاهر العنف والإرهاب والعنصرية الصادرة عن أعضائها مجرّد “أخطاء بشرية” ناجمة عن توجّهات فردية ولا تُمثّل المنظمة ككّل. كما أن امتناع الأجهزة القضائية والشرطية الإسرائيلية عن مُحاربة مثل هذه الظاهرة بشكل جدّي- كما تمتنع عن محاربة غيرها من مظاهر العنصرية والتطرّف الموجّهة ضدّ العرب بشكل رئيس- ليس مُستغرباً؛ إذ أن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها أُقيمت لخدمة مشروع استيطاني استعماري إحلالي يسعى، ولا يزال، لنفي وإبادة “الآخر” العربي الفلسطيني ماديا ومعنويا بشتّى الطرق والوسائل.

إجمالا؛ إن مثل هذه الظواهر لا يتم النظر لها إسرائيليا على أنها نتيجة طبيعية وجوهرية للبنية الاستعمارية الاستيطانية وامتداد لها، بحكم امتثالها لنفس المنطق (منطق الإبادة والنفي) الذي يحكم خطاب وسلوك إسرائيل كدولة استعمار استيطاني إحلالي. وإن وجود بعض الجهات الإسرائيلية المطالبة بمحاربة هذه الظاهرة، وغيرها من ظواهر العنصرية، دون الالتفات للبنية يُفقدها مصداقيتها ونواياها طالما بقيت تنظر إليها كتفاصيل ثانوية، وتصرف النظر عن الجوهر والبنية التي أسّست لمثل هذه الظواهر، وشرّعت وجود هذه المنظمات، بخطابها، وفعلها المستمرّ من عقودٍ طويلة.

* عن مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي “مدار”.

هوامش

1.  أول رابطة مشجّعين لفريق “بيتار القدس”، وهي أول جسم منظم للفريق منذ إقامته، وكان يدمج بين وظيفته كرابطة جماهيرية للتشجيع، وجسم مُتماه مع التوجه السياسي لليمين “القومي” الصهيوني ويحمل قيمه وخطابه، وبعد خلافات عديدة بين الفريق الذي يُديرها، تقرّر حلّها نهائي في نهاية الموسم الرياضي 2003-2004

2.  اختبار لا فاميليا”، صحيفة هآرتس، 07.10.2015، 

3.  المصدر السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى