أقلام وأراء

عبد الغني سلامة: خيارات صعبة

عبد الغني سلامة 26-6-2024: خيارات صعبة

في مفاوضات الهدنة والصفقة تضع «حماس» شرطاً أساسياً لا تحيد عنه: إنهاء الحرب، وشروطاً أخرى تكتيكية لها علاقة بالانسحابات الإسرائيلية من مناطق في القطاع، وحول عدد الأسرى الفلسطينيين وأسمائهم الذين ستبادلهم بالرهائن ضمن صفقة التبادل.. ولا شك أن مطالب «حماس» واشتراطاتها عادلة ومشروعة، بل هي أقل بكثير مما يتوجب تحقيقه، ولكن المسألة لا علاقة لها بالعدالة والحق.. فمن يشترط ويتحكم في سير المفاوضات هو من يسيطر على جبهات القتال، ومن يمتلك أوراق ضغط أكثر.. ومن الواضح أن إسرائيل في وضع مريح نسبياً لدرجة أنها تماطل وتكسب الوقت، وتتلاعب بالكلمات، وتعطي مواقف غير حاسمة، وستظل كذلك حتى تقرر من تلقاء نفسها إنهاء الحرب.

 

لن تستمر هذه الحرب إلى الأبد، ولا بد أن تنتهي عاجلاً أم آجلاً.. ولكن ليس شرطاً أن تنتهي بالصورة التي نتخيلها، ونصل إلىما يُعرف بـ»اليوم التالي» للحرب. وإزاء ذلك نحن أمام احتمالين:

 

 

قد تقرر إسرائيل أن تنهي الحرب من طرف واحد، وتعيد انتشار جيشها بالطريقة التي تبقي سيطرتها وتحكمها في القطاع، بمعنى أنها قد تكرر سيناريو الانسحاب أحادي الجانب الذي نفذته العام 2005، دون اتفاق، دون تنسيق مع أحد، دون التزامات، دون ضمانات، وتترك غزة لمصيرها، حتى أنها لن تمانع في عودة «حماس» إلى الحكم، بل قد تشجع ذلك، وتضع «حماس» أمام شعبها وجهاً لوجه، وأمام أزمة إنسانية تتعدى حدود الكارثة.

 

سيكون على «حماس» تقديم حلول عملية لحاجات السكان: إزالة ملايين الأطنان من الأنقاض، وأكوام النفايات، وإعادة بناء المنازل المهدمة، أو توزيع خيام وبيوت مؤقتة، وتلقي وتوزيع المساعدات، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات والجامعات، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتوفير الطعام والمياه والدواء والمسكن لمليونَي نازح، وتقديم العلاج لنحو مائة ألف مصاب وجريح، وأضعاف هذا الرقم ممن يعانون من أمراض مزمنة وصدمات نفسية، وتوفير فرص عمل لمئات آلاف ممن فقدوا مصدر رزقهم.

 

هذه المهام عاجلة وملحّة ولا تقبل التأجيل والمساومات والوعود، وتحتاج لعشرات مليارات الدولارات، ولعشر سنوات على الأقل.. وبما أن الحرب انتهت دون اتفاق سياسي، فإن السلطة الوطنية ستكون في وضعها الحالي، أو أسوأ، ستكون خاضعة لحصار سياسي ومالي خانق، وبالكاد قادرة على توفير نصف راتب لموظفيها، وبالتالي ستكون عاجزة عن تقديم أي مساعدة أو حلول لغزة، والأمر ذاته ينطبق على وكالة الغوث، التي ستضيّق عليها إسرائيل أكثر فأكثر، وقد تنهي دورها كلياً. 

 

وبما أن «حماس» هي المسيطرة على القطاع، ودون اتفاق سياسي مع أحد، فإن الدول المانحة (بما فيها أقرب حلفاء «حماس») لن تدفع دولاراً واحداً، ولن تساهم في الإعمار، وستظل المعابر بيد إسرائيل، وسيعود القطاع إلى حصاره السابق، ولكن بعد أن تم تدميره وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة.

 

 

ماذا ستفعل «حماس» حينها؟ ماذا ستفيد احتفالات النصر، والخطابات؟ لا شيء.. هل سيواصل الناس موتهم البطيء، أم سيقلبون الطاولة على الجميع بحركة يائسة؟ أسئلة مطروحة وجميع الإجابات مرعبة.

 

الاحتمال الثاني: أن تتمكن «حماس» من التوصل إلى اتفاق سياسي مع إسرائيل وأميركا لإنهاء الحرب، وانسحاب الجيش، وإعادة النازحين، وإعادة الإعمار..إلخ، أي العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر (وهذه مطالب وشروط «حماس»). وهذا لن يحدث إلا إذا قدّمت «حماس» ضمانات حقيقية بأنها لن تعاود هجمات 7 أكتوبر، ولن تستهدف إسرائيل حتى بطلقة، ولن تشكل أي تهديد أمني، وهذا يتطلب تخليها علانية عن سلاحها، وبرنامجها المقاوم.. وستكون موافقة إسرائيل في هذه الحالة فقط لإدامة وترسيخ الانقسام، وللحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967.

 

في الحالتين، سنكون أمام أسئلة أصعب: ماذا حققنا من أهداف «طوفان الأقصى»؟ وماذا تبقى من مبررات وجود «حماس» كحركة مقاومة؛ حين تكون غير راغبة وغير قادرة على إطلاق رصاصة واحدة باتجاه الاحتلال! بعد أن استنزفت قواها وقدراتها، واستنزفت طاقات أهل غزة بالكامل، وتكون منكبّة ومتفرغة كلياً لحل القضايا الإغاثية واليومية لحاجات السكان، وتوزيع المساعدات؟ وهذا دور تستطيع وكالة الغوث، أو أو هيئة مدنية القيام به على أكمل وجه، إذا كان هناك توافق دولي ووطني على حل سياسي لإنهاء الحرب.

 

والأهم، هل نكون بذلك قد خدمنا شعبنا، وقضيتنا الفلسطينية، وتقدمنا خطوة نحو الحرية والاستقلال، أم سنكون في وضعية أضعف، وأكثر تشرذماً، وقد خسرنا من شعبنا نحو 150 ألف إنسان بين قتيل وجريح! وصنعنا نكبة جديدة، أشد وأفظع من كل النكبات السابقة؟! 

 

هذا مأزق كبير وخطير، ويضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا الوطنية، ولا حل ولا مخرج إلا أن نبدأ بالتفكير الجمعي (خاصة «حماس») في إيجاد مخرج سياسي لإنهاء الحرب، بدل التفكير في إطالتها، وأن يضع كل فصيل مصلحة الوطن والقضية ومصلحة غزة في المقام الأول، وهذا يتطلب اندماج «حماس» في منظمة التحرير، بعد تسليمها ملف غزة للمنظمة، بما في ذلك ملف الأسرى ومفاوضات إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية.. بمعنى علينا وضع حد للخسائر والتضحيات العبثية؛ لأن كل تضحية يمكن تفاديها هي تضحية عبثية.  

 

وقد طالت معاناة أهلنا في غزة، وصارت فوق طاقة البشر، وصارت القضية في وضع حرج ومخيف.. وآن الأوان لأن نفكر مرة بعقولنا، دون شعارات ودون خطابات. تفكير واقعي وعقلاني يضعنا على أول سكة الخلاص.

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى