شوؤن دولية

عبد الحميد صيام يكتب – سيناريوهات خطيرة في الشهرين الأخيرين لرئاسة ترامب

عبد الحميد صيام *- 13/11/2020

في الدول النامية، أو ما كان يطلق عليها اسم دول العالم الثالث، تتكرر حوادث رفض نتائج الانتخابات، التي تطيح بالرئيس وتعلن فوز المعارضة. حصلت في ساحل العاج عام 2010، وفاز في الانتخابات الحرة والشفافة الحسن وترا، لكن الرئيس لورا غواغبو رفض التنازل واستخدم وحدات الجيش الموالية له لقمع أنصار الرئيس المنتخب. لكنه وبعد دمار هائل تمت هزيمته في إبريل 2011 وأودع السجن ونقل إلى مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاكمته كمجرم حرب، على ما اقترفه من جرائم قبل استسلامه. وأذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رحب باعتقال غواغبو، كما صرحت وزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون، قائلة : «إن اعتقال غواغبو يبعث برسالة قوية للديكتاتوريين والطغاة عندما لا ينصاعون لإرادة شعوبهم».

وقد تكرر كثير من الحوادث الشبيهة في كينيا وزيمبابوي وغامبيا والكونغو وتوغو وغابون، حتى في السنغال، أكثر الدول الافريقية استقرارا، حاول الرئيس عبد الله ويد، الذي انتهت ولايته الثانية، أن يترشح لدورة ثالثة في مخالفة للدستور، الذي أقر في عهده عام 2007 بتحديد فترة الرئاسة بدورتين، لكنه تراجع بعد انطلاق مظاهرات عارمة ضد تلك المحاولة.

أما الدول العربية فقد اختصرت الطريق واتبعت أسلوبا آخر: تغيير الدستور للترشح مرة ثالثة ورابعة، كما حدث في الجزائر واليمن وتونس أيام بورقيبة، أو عقد انتخابات هزيلة بمرشح واحد فقط «كانت تسمى «بيعة» في سوريا أيام الأسد الأب، ومبارك من خلال التجديد مرة وراء مرة في البرلمان، أو اختيار منافس ثانٍ يختاره الرئيس نفسه كما فعل زين العابدين بن علي في الانتخابات الرئاسية المتعاقبة، أو عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الأخيرة عام 2018، في اختياره لموسى مصطفى موسى، الذي لا يعرفه أحد ويقول عن نفسه إنه من أنصار السيسي، أو بشار الأسد الذي انتقى مرشحين من أنصاره، لم يسمع أحد بهما من قبل هما ماهر عبد الحفيظ حجار، وحسان عبد الله النوري، في انتخابات 2014، أو ياسرعرفات الذي انتقى بعناية السيدة سميحة خليل لتنافسه في انتخابات الرئاسة عام 1996 ليضرب بها عصفورين بحجر واحد، كونها إمرأة من جهة، ومن جهة أخرى تقوم بإعطاء المشهد بعدا تنافسيا منضبطا لإرادة الرئيس. أسلوب آخر اتبعه بعض الرؤساء الذين وصلوا للحكم على برج الدبابة، يقوم على قرار الآباء بترتيب الأوضاع سلفا لتوريث الأبناء المدللين. ونحن هناك لا نتكلم لا عن الأنظمة الملكية، ولا عن الأنظمة السلطانية، بل عن الجمهوريات التي ترفع شعارات طنانة حول الجماهير وحكم الشعب والحرية والوحدة واللجان الثورية. وقد تعرضت هذه المجموعة وما زالت لهزات عنيفة أطاحت بتلك المخططات نتيجة ثورات الربيع العربي في طبعتيه الأولى والثانية، التي أطاحت بخمسة رؤساء.

“رئيس يشعر الآن بالعزلة، وأن الرياح جرت بما لا يشتهي، لن يتورع عن عمل أي شيء ليعطل عمل الإدارة المقبلة ويورطها في مشاكل “.

إذن من المتوقع أن نشهد تمردا على نتائج الانتخابات في الدول النامية. أما أن يحدث تمرد على نتائج الانتخابات في بلد مستقر ديمقراطيا نحو 240 سنة، كالولايات المتحدة فهذا أمر غير متوقع، لكن كل شيء جائز، إذا ما تعلق الأمر بالرئيس ترامب الذي وصل البيت الأبيض في ظروف استثنائية، وفي غياب قيادات تقليدية للحزب الجمهوري، وكردة فعل لوصول رئيس أسود مثل أوباما، الذي حرك كل نوازع العنصرية لدى الأمريكيين البيض والعنصريين منهم، الذين اعتبروا أن هناك خطرا على البلاد، إذا ما تركت الأمور للأقليات والملونين والمهاجرين والمثليين والليبراليين، وجيل الإنترنت الذي لا يهمه قضايا اللون والعرق والجنس والدين والمستوى الاجتماعي. ترامب رئيس «الصدفة» آت من ميدان الأعمال والاستثمار وعقد الصفقات، والبحث عن أرباحه أولا، حتى لو اضطره أن يدوس على أصحابه والموالين له، كما فعل مرارا وتكرارا. لا يثق بأحد ومعياره الولاء الشخصي، حيث يسعى لفرض إرادته على الجميع، ومن يعترض فمصيره الطرد، حتى لو كان من أقرب الموالين له، كما فعل مع العشرات من الدوائر القريبة منه، لذلك علينا أن نتوقع أي شيء منه في ما بقي له من أيام.

سيحاول أن يستخدم أي أسلوب قانوني أو غير قانوني، للبقاء في السلطة، فهو لا يعترف بالهزيمة، وتصريح وزير الخارجية بومبيو، بترتيب الانتقال لدورة ثانية لا تشير إلى مشاركة ترامب في الحلم بعيد المنال. ففي 14 ديسمبر ستقوم المجمعات الانتخابية بالتصويت للرئيس، بناء على ما وصلها من نتائج الانتخابات المصدقة من كل ولاية، إضافة إلى مدينة واشنطن. بعد إعلان المجمعات الانتخابية عن المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية تحول النتائج لمجلسي النواب والشيوخ، للمصادقة عليها في يناير، وبعد ذلك يصبح المسرح معدا للاحتفال بتنصيب الرئيس الفائز يوم 20 يناير في احتفال رسمي يؤدي فيهه الرئيس المنتخب اليمين الدستورية أمام قاضي القضاة، الذي يشغل منصبا أقرب ما يكون إلى وزير العدلية.

تنتهي أسلحة ترامب للمشاغبة أو التمرد على نتائج الانتخابات، مع إعلان المجمعات الانتخابية نتيجة التصويت النهائية، مقفلين بذلك أي محاولة جديدة للتشكيك في نزاهتها، ولا يبقى أمام ترامب إلا الانصياع والانسحاب من المشهد بهدوء، وإلا سيتم سحبه من البيت الأبيض يوم 20 يناير مكتوف اليدين إلى السجن، بتهمة التمرد وانتهاك الدستور والتعدي على الملك العام. إذن ليس الخوف من بقاء ترامب في السلطة، فذلك حلم توارى وانتهى. الخوف من مسلكياته في الشهرين المقبلين، وبعد أن يتأكد أن العد التنازلي لبقائه رئيسا في البيت الأبيض يقترب من الرقم صفر، فقد يلجأ إلى اتخاذ قرارات رعناء تورط البلاد، خاصة الإدارة المقبلة في أزمات كبيرة وربما نزاعات مسلحة، ودعنا نجتهد في ما قد يقرره في شهريه الأخيرين:

إيران: الطريقة التي طرد فيها ترامب وزير الدفاع مارك إسبر، تشير إلى خلافات جوهرية حول إجراءات معينة، يبدو أن ترامب طلب منه أن ينفذها، ورفض تلك الأوامر، إما التصدي للمظاهرات خلال حركة «حياة السود تعنيني» أو أنه حاول أن يجس نبضه للقيام بعملية، قد تكون محدودة، ضد إيران بمشاركة سعودية – إماراتية وربما إسرائيلية، للخبطة الأوراق وإعلان حالة الطوارئ، خاصة إذا قامت إيران برد الصفعة لدولة أو أكثر من تلك الدول المعتدية. ونعتقد أن هذه الاحتمال سيظل واردا بتشجيع من الدول الثلاث، لفرض أجندة جديدة على الرئيس الجديد، بحيث لا يعود يفكر بالعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. ومن المؤكد أن دول الخليج تدعم هذا السيناريو، تخوفا من إعادة تفعيل الاتفاقية النووية، وتخفيف حدة التوتر في منطقة الخليج التي استغلت ذلك، لتبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني.

فلسطين- نتوقع أن يتخذ ترامب مجموعة من القرارات، تتعلق بالتمادي في دعم إسرائيل ليتفاخر بأنه الرئيس الذي قدم لإسرائيل ما لم يقدمه لها رئيس آخر منذ ترومان وحتى باراك أوباما. الاعتراف الرسمي بأن المستوطنات جزء من إسرائيل، أو الموافقة على ضم منطقة غور الأردن التي تعادل 30% من أرض الضفة الغربية أمور واردة تماما في الأيام الأخيرة لولايته. وقد تشمل تلك الأجراءات جرجرة دول عديدة نحو التطبيع.

الإعفاءات: نتوقع أن يصدر ترامب سلسلة من الإعفاءات في أواخر ايام ولايته. ومن الطبيعي أن يصدر كل رئيس في أيامه الأخيرة مرسوما بإعفاء أشخاص من المساءلة أو الإدانة. فمثلا أصدر الرئيس بيل كلينتون عفواً عن أخيه غير الشقيق روجر كلينتون والممول الملياردير الهارب مارك ريتش. وقد يكون مايكل فلين، هو الأول في طابور المنتظرين للإعفاءات القانونية. وفلين العسكري الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في عهد ترامب، اتهم بتقديم معلومات خاطئة لنائب الرئيس، مايكل بينس، حول التدخلات الروسية في الانتخابات، واعترف بانتهاكه للقانون. وتعرضة لعقوبة السجن محتملة، ولا ينقذه منها إلا عفو ترامب. وهناك عدد آخر من المسؤولين الذين يخضعون للتحقيق. كما أن هناك تحقيقا جاريا في منهاتن بنيويورك حول ملف ضرائب ترامب نفسه، وقد يلجأ إلى استعمال قوته التنفيذية للإطاحة بالملف.

الطرد: من المتوقع أن يتابع ترامب طرد المسؤولين الواحد بعد الآخر الذين انتصروا للديمقراطية، ولم يتحمسوا لنصرة ترامب ومن بينهم رئيسة وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) جينا هاسبيل، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كريس ريه. وقد يضيف إليهم عددا من المسؤولين مثل، المفتش العام وقاضي القضاة وغيرهم. وسبب الطرد يتعلق بما يعرفون من ممارسات ترامب التي تنتهك القانون. ومن المؤكد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لديه ملف كبير عن ترامب وانتهاكاته، وأسراره سيطلع منه أجزاء عند تقديمه للمحاكمات التي نعتقد أنها لن تنتظر طويلا بعد رحيله.

رئيس يشعر الآن بالعزلة، وأن الرياح جرت بما لا يشتهي، وأيامه معدودة في البيت الأبيض، لن يتورع عن عمل أي شيء ليعطل عمل الإدارة المقبلة ويربكها ويورطها في مشاكل، عله يعود ويرشح نفسه لانتخابات الرئاسة 2024، أو هكذا يحلم.

*محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز ولاية نيوجرسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى