أقلام وأراء

عاطف الغمري يكتب – قراءة فى بيان بايدن عن القدس

عاطف الغمري *- 24/2/2021

وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت أن إدارة الرئيس بايدن تعتبر القدس جزءاً من حل الوضع النهائي المطلوب تحقيقه عبر مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن مواقف الرؤساء الأمريكيين من هذا الموضوع بالذات، سبق أن اتسمت عند البعض منهم بالتراجع عن الوعود الخاصة بمفاوضات الوضع النهائي، أو بمواقف افتقدت استخدام الولايات المتحدة إرادتها كقوة كبرى مطلوب منها الالتزام بما تعلنه من وعود. ثم إن بيان الخارجية الأمريكية لم يتوقف عند الحديث عن موضوع القدس، بل برفض الاستيطان الإسرائيلي وضم الأراضي.

وإذا رجعنا إلى المرة التي سمعنا فيها هذا التعبير بصورة حاسمة من إدارة أمريكية، فقد كان ذلك فى فترة رئاسة بيل كلينتون، وما أعلنته وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت من أن وضع القدس سيتقرر في مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين.

لكن مواقف الإدارات الأمريكية كانت تتراوح بين موقف وآخر وعكسه تماماً. فالرئيس جورج بوش الابن الذي خلف كلينتون، تراجع بصورة كاملة عن مبدأ أولبرايت، الذي وصفته هي نفسها بأنه مسؤولية تقع على عاتق الولايات المتحدة، باعتبارها الوسيط النزيه بين إسرائيل والفلسطينيين. بل وصل أركان إدارة بوش ابتداء من نائبه ديك تشيني، وبقية وزرائه ومساعديه، إلى رفض المبدأ الأساسي لمفاوضات السلام، وهو الأرض مقابل السلام، ليخرجوا علينا بمصطلح غامض هو «السلام مقابل السلام»، والذي لا يؤدي إلا إلى طريق مسدود. وكان ذلك أسلوبهم في التهرب من الالتزام بإعادة الأرض المحتلة إلى أصحابها أو قيام الدولة الفلسطينية.

صحيح أن أوباما تحدث بعد ذلك عن تأييده لحل الدولتين، ورفض المستوطنات، لكن موقفه اقتصر على الكلام، دون أن يلحق به فعل يعكس إرادة أمريكية. بينما كان هناك رؤساء آخرون فرضوا إرادة أمريكا، التي تتفق مع ما ألزمت به نفسها كوسيط نزيه. ففي عام 1974 اتخذ الرئيس جيرالد فورد قراره الشهير بمراجعة وإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل والشرق الأوسط ككل، عندما وجد أن إسرائيل ترفض الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بالنسبة للتحرك في مسألة حل النزاع العربي الإسرائيلي.

وهو نفس ما فعله الرئيس جورج بوش الأب، بعد أن كان قد اتفق مع اسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، على وقف بناء المستوطنات. وحين عاد شامير إلى إسرائيل، استأنف التوسع في الاستيطان. وهو ما دفع بوش إلى وقف تقديم قرض لإسرائيل قيمته عشرة مليارات من الدولارات.

إن إخراج الوضع الفلسطيني من جموده لن يتحقق بمجرد إصدار بيان يتحدث عن مبادئ سبق أن قيلت من قبل، لكن جوهر ومضمون البيان يصبح واقعاً عملياً عن طريق إظهار الدولة الأمريكية أن لديها الإصرار على فرض إرادتها من أجل تسوية هذا النزاع.

لقد ظلت معظم الإدارات الأمريكية تردد عبارات تقول نحن نحمي أمن إسرائيل، لكننا لا ندافع عن توسعها في أراضى الآخرين. لكن الالتزام بهذه المقولة كان يفقد معناه في عهود بعض الرؤساء، وهو ما أقر به سفراء أمريكيون سابقون. منهم مثلاً السفير ريتشارد باركر الذي قال إن أمريكا ظلت منذ عام 1949 تتمسك بمبدأ احتلال أراضي الغير عن طريق القوة. لكن الولايات المتحدة فشلت في احترام ما رددته مراراً من أنها ضد أي عدوان في أي مكان بالشرق الأوسط. وهو نفس ما جرى في عهد ايزنهاور عام 1957، بإعلانه التزام الولايات المتحدة بعدم قبول تغيير حدود الدول بالقوة.

وحول نفس المعنى قال السفير لوشياس باتل إن الانطباع السائد في واشنطن يقوم على الفهم بأن الولايات المتحدة لن تطالب إسرائيل بالانسحاب من أراضٍ احتلتها بالقوة.

هذا التسلسل التاريخي يجعلنا حين نقرأ الموقف الأمريكي في آخر وأحدث صوره، وعبر سطور كلماته، فإننا نتوقع وضوحاً فيما يتعلق بالجملة القائلة إن القدس جزء من حل الوضع النهائي عبر مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. وهل القدس الشرقية بحدودها الطبيعية، من غير التعدي على أجزاء منها، هي التي ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية، خاصة وأن الالتزام الأمريكي الذي أعلنته أولبرايت، يتحدث عن وضع القدس بشكل عام، وأنها التي سيتقرر مصيرها في مفاوضات الوضع النهائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى