أقلام وأراء

عاطف الغمري: المفاوضات هي الحل

عاطف الغمري 4-10-2023: المفاوضات هي الحل

هل هناك خلاف بين الأداء السياسى لحكومة بايدن لحرب أوكرانيا، وبين القيادات العسكرية ممثلة في وزارة الدفاع؟ السؤال قد يبدو أنه لا يتسق مع مجريات السياسة الأمريكية، إلا أن ما بدا للمتابعين أن هناك خلافاً، حتى ولو كان طيّ الكتمان وهو ما اعتبر نوعاً من التصرفات المحاطة بالألغاز.

الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية، الذي تقاعد مؤخراً، سئل في سبتمبر 2023، إذا لم تستطيعوا تحقيق أهدافكم في الحرب الأوكرانية، ألا يعني ذلك أننا ماضون في حرب للأبد؟

وكانت إجابته: إن أياً من الجانبين الأوكراني والروسي، لم يحقق حتى الآن أهدافه السياسية عن طريق العمل العسكري. وهذا يعني أن الحرب سوف تستمر إلى أن يتيقن أي من الطرفين أن الوقت قد حان للذهاب إلى مائدة التفاوض.

هذا الرأي كان ميلي قد أعلنه في خطاب أمام النادي الاقتصادي في نيويورك، وشبّه فيه الموقف في أوكرانيا بالحرب العالمية الأولى. وقال: كانت هناك في عام 1914 حرب لا يستطيع أي طرف فيها تحقيق الانتصار عسكرياً، عندئذ قرر قادة أوروبا، أنه لا خيار أمامهم سوى الاندفاع نحو تحقيق انتصار كامل بأي شكل، ثم عاد ميلي بعد هذا التشبيه ليشير إلى ما يجري الآن في حرب أوكرانيا، بقوله إن الأمور قد تتجه إلا ما هو أسوأ من ذلك. وعليك حين تجد أمامك فرصة للتفاوض، أن تسرع بانتهازها.. انتهز الفرصة.

في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، التقى ديفيد مارتن، المختص بشؤون الأمن القومي فى شبكة تلفزيون «سي بي سي» الأمريكية، مع الجنرال ميلي ليطرح عليه عدداً من الأسئلة التي وصفت بعملية نبش بحثاً عما يكون قد خفي عن الأنظار في حرب أوكرانيا.

كان سؤال مارتن هو: في إطار وضع هو فعلاً حرب بالوكالة، حتى ولو لم يكن لديكم جنود على الأرض، فماذا سيحدث إذا لم تحققوا أهدافكم؟ وأجابه ميلي: إن أياً من الجانبين لم يحقق أهدافه السياسية عن طريق العمل العسكري، أي أن الحرب سوف تستمر إلى أن يقرر أي من الطرفين أن الوقت قد حان للذهاب إلى مائدة المفاوضات، لأنهما لم يتمكنا من تحقيق أهدافهما بالوسائل العسكرية.

وبدا للمتابعين أن إجابة ميلي مطابقة لما سبق أن أعلنه قبلها بشهور في خطابه بنيويورك. ومن متابعة إدارة حكومة الرئيس بايدن ولسياستها بشأن الحرب في أوكرانيا، لوحظ أن تلك الحكومة سارعت إلى الابتعاد بنفسها عن أقوال ميلي. وأكدت ذلك شبكة «س.إن.إن» في تقرير بعنوان «الحرب مع روسيا ستكون طويلة الأجل»، وإن إدارة بايدن تعمل على نفض يديها من تصريحات الجنرال ميلي، كما أن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى بالبيت الأبيض، قال صراحة إن كلام الجنرال ميلي لا يعني أي تغيير في سياسة أمريكا.

وفى اللقاء الذي عقده الخبير ديفيد مارتن قال عن لقائه مع ميلي إن أحداً من الأمريكيين لم يتح له الغوص في عمق حرب أوكرانيا أكثر من الجنرال ميلي، فهو الذي يبدأ يومه في الساعة 6.45 دقيقة صباحاً بالاتصال تليفونياً بالجنرال فاليري زالوسبي، قائد القوات الأوكرانية، وهو يتحدث إليه من مرة إلى ثلاث مرات أسبوعياً. وأحياناً يعقد اجتماعاً في مركز القيادة المحاط بالسرية في البنتاغون، وبحضور جميع القيادات لمراجعة ما لديهم من معلومات مخابراتية من ميادين المعارك في أوكرانيا. وفي اللقاء بينهما سأله مارتن: إلى متى ستتحمل الإدارة السياسية لشعب أوكرانيا هذا الحجم من الخسائر البشرية؟ وهو سؤال موجّه لروسيا أيضاً. وإجابة ميلي: هذا سؤال لا نعرف للآن الإجابة عليه.

وسأله مارتن: هل تساعدون أوكرانيا بتحديد وانتقاء الأهداف التي تقوم بمهاجمتها؟ وأجابه ميلي بأن ما نفعله هو تزويدهم بالمعلومات عن الأوضاع الميدانية، وإن قنوات مخابراتنا مفتوحة على أوكرانيا.

تبقى رؤية ميلي تشغل المحللين عن أية توقعات بإمكان بحث طرفي النزاع عن حل دبلوماسي. وهو ما نقلته شبكة «س. إن. إن» تحت عنوان «توقعات الجنرال ميلي عن بدء جهد لحل دبلوماسي عاجل لحرب أوكرانيا في الشتاء القادم». لكن يظل يصطدم بهذه التوقعات ما أبدته إدارة بايدن من عدم حدوث أي تغيير في سياستها الحالية تجاه ما يجري في أوكرانيا.

وفي النهاية أصبح هذا المشهد مغلفاً بالغموض، مع خروج الجنرال ميلي من وزارة الدفاع.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى