أقلام وأراء

عاطف الغمري: الحياد الجديد بعد عصر عدم الانحياز

عاطف الغمري 14-2-2023: الحياد الجديد بعد عصر عدم الانحياز

منذ تحدث المستشار الألماني أولاف شولتس عن توقعه بأن رد فعل دول العالم الثالث لحرب أوكرانيا، سيكون في صورة تكتلات تجمع هذه الدول، في إطار رؤية مستقلة تنبني على مصالحها، فقد أحدث ذلك الكثير من المتابعة والتحليل من خبراء ومراكز بحوث سياسية في أمريكا وأوروبا.

وشملت هذه المتابعة تساؤلات عما يمكن أن تحدثه تلك التكتلات من إنعاش لحركة عدم الانحياز، وإن كان أغلبية المحللين يرون أنه ليس بالضرورة أن يعني ذلك تنشيط حركة عدم الانحياز بنفس هويتها القديمة، ولكن ستكون هناك توجهات جديدة تأخذ في حساباتها الأحداث التي عكست الصراع المتجدد بين القوى الكبرى، الذي جلب أضراراً على دول حركة عدم الانحياز، التي بلغ عددها 120 دولة من بعد نشأتها عام 1960.

وربما كان من أبرز التوقعات للشكل الذي يمكن أن تكون عليه هذه التكتلات، هو اتخاذها موقفاً من شكل النظام الدولي القادم، رفضاً لاحتكار القوى الكبرى إدارة هذا النظام والتربع على قمته، بل أن تكون دول العالم الثالث طرفاً ثالثاً في إدارة هذا النظام. وإن ما يشير إلى هذا الاحتمال، هو الموقف الذي اتخذته أكثرية هذه الدول، بالامتناع عن التحيز لأي طرف في حرب أوكرانيا.

وهو نفس ما أشار إليه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والقائل إن الغرب سيواجه تحديات جديدة في حالة العودة من جديد للحرب الباردة، ستنتج عن مواقف دول الجنوب، بشكل يختلف عما كانت عليه تحالفاتها السابقة مع دول الغرب.

ويتامشى مع هذه الرؤية، المجلس الأمريكي للسلام الذي قال إن الاتجاه نحو الحياد تجاه أزمة أوكرانيا يزداد، لكنه سوف يسفر عن تحديث لمعنى ودور الحياد. وإن هذا التحديث سيشمل تطويراً للأفكار السابقة لعدم الانحياز، وليس العودة إلى نفس الشكل السابق.

وتضمن تقرير المجلس أيضاً التنبيه إلى أن التحليلات السياسية الجارية حالياً، تتوقع إنعاش حركة عدم الانحياز، لكن في ثوب جديد، لا يتطابق بأي حال مع الشكل التقليدي لها.

ومما يلفت النظر في هذه النقطة بالذات، أن دولاً مثل مصر، والهند، ويوغسلافيا التي كانت لها الريادة في تأسيس هذه الحركة، قد تغيرت أوضاعها داخلياً وتوجهاتها السياسية خارجياً، عما كانت عليه وقت تأسيس الحركة عام 1960.

فالهند مثلاً أوضحت أنها لن تعود إلى المفهوم السابق لعدم الانحياز، نتيجة تغيرات مرت بها، منها ما حققته من تقدم داخلي حقق لها دفعة لوزنها الإقليمي والدولي، وعلاقاتها الخارجية، بالإضافة إلى حساسيات في علاقتها بالصين.

أما يوغسلافيا، فقد انقسمت تلك الدولة الفيدرالية، بعد أن توزعت على ثماني جمهوريات مستقلة. وبقيت صربيا هي الأقرب إلى يوغسلافيا السابقة، من حيث الهوية التاريخية واللغوية لشعبها، وبقاء اسم مدينة بلغراد عاصمة لها، والتي كانت عاصمة ليوغسلافيا. كما أنه لم يعد هناك الرئيس تيتو أحد الأقطاب الثلاثة لحركة عدم الانحياز.

أما مصر فإن علاقاتها الإقليمية والدولية تتسع مع مختلف الدول وتتخذ لنفسها خط توازن تجاه الدول الأخرى، وكان هذا هو نفس موقفها المتوازن من طرفي النزاع.. أمريكا وروسيا بالنسبة لحرب أوكرانيا.

الموضوع إذن لايزال مطروحاً للبحث والنقاش، من جهات متعددة منها على سبيل المثال المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية الذي نظم جلسة نقاشية حول معنى كل من الحياد، وعدم الانحياز، من بعد حرب أوكرانيا، ونظرة كل منهما لدوره في عالم اليوم.

وقال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الغرب يواجه في الظروف الراهنة تحديات جديدة بسبب مواقف من دول الجنوب، تختلف عن مواقفها في تحالفاتها السابقة مع الغرب. وترى أن التحولات في نظرة دول الجنوب للصراع بين القوى الكبرى، سيؤثر على مستقبل الشكل الذي سيكون عليه النظام العالمي القادم.

المشهد على هذا النحو ينبئ – كما يتوقع المختصون – بالمتابعة الدؤوبة للأحداث الجارية في الوقت الحالي. ويتفق أغلبيتهم على أن العالم مقبل على ظهور تجمع من دول، أو تكتل – مثلما أسماه أولاف شولتس – حيث يتوقع هؤلاء أن تكون الكثير من دول حركة عدم الانحياز في القلب منه، لكن دون أن تتبنى نفس المفاهيم السابقة لعدم الانحياز. وستنعكس على هويتها ما أفرزته حرب أوكرانيا من تأثيرات عليها، وبصورة تعطي الأولوية لمصالح الأمن القومي لهذه الدول، وأيضاً لدورها في قيام نظام دولي يعاد بناؤه الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى