أقلام وأراء

عاطف أبو سيف يكتب – في استعادة الدور العربي

عاطف أبو سيف – 28/6/2021

أيضاً يبدو أن العنوان يقترح درباً من المستحيل؛ إذ إن مقدرة العرب على استعادة دورهم التاريخي في صناعة الحضارة باتت شيئاً من الماضي، كما أن مقدرة الحالة العربية على الرجوع إلى سابق عهدها باتت في طي النسيان بالنسبة للكثيرين. لم يعد ثمة إيمان بأن العرب يمكن أن يفعلوا هذا ولا أن يفكروا به حتى. وحقيقة، إن كل من يعيش في القرن الحادي والعشرين بات لديه يقين راسخ بأن مكانة العرب في التاريخ لم تعد موجودة، وأن مساهمتهم في صناعة وتقرير مستقبل الكوكب الذي يعيشون فيه باتت معدومة. هذا شعور محزن ومحزن أكثر أنه ينعكس على سلوكنا العام وإحساسنا القومي.

في النقاش السابق هنا، أشرنا إلى كيف وصل الوضع العربي إلى ما وصل إليه وعلامات المستوى المتدني من الحالة العربية التي لم تعد موجودة أصلاً، ويتعذر الإشارة لها خاصة مع وجود تضخيم للمصالح القطرية على المصلحة القومية الواحدة. المصلحة القومية التي اختفت حتى مفرداتها من اللغة السياسية العربية المتداولة. صحيح أن الماضي شهد عثرات في تحقيق الوحدة العربية وأن المطالب بالأمن القومي العربي الموحد والمصالح المشتركة، وحتى الخطاب القومي العريض، لم يتحقق منه الكثير، إلا أن السياسة العربية كانت تشهد استحضاراً دائماً لهذا الخطاب الذي شكل لسنوات القاموس الصغير للسياسة العربية، الذي لا بد أن يسطو عليه كل من يريد المجد. ولكن حتى توظيف هذا القاموس اللغوي القومي لغايات شخصية وفردية وسلطوية لم يعد قائماً. حتى الإشارة الخاطفة لبعض الكلمات منه صارت تشير إلى حالة غير مرغوبة. في الماضي كان يتم الكذب ولبس الأقنعة من أجل حصد التأييد الجماهيري، وكان جنرالات الانقلاب العربي أو الملوك والأمراء يتمسحون بهذا الخطاب من أجل التأكيد على أن مصلحة الأم العربية أهم من مصالحهم، وأنهم ليسوا سوى جنود في معركة استعادة الحق العربي. اليوم لم تعد هناك حاجة للتمثيل، بل إن النقيض بات هو الحالة الطبيعية؛ إذ إن الأساس أن يتم التأكيد على عدم الحاجة لمثل هذا الخطاب الذي بات يضر بمصالح الحكام بشكل سري وعلني.

نفس الشيء حين يتعلق الأمر بالدفاع عن القضية الفلسطينية. الشكل السائد اليوم هو التحلل من الالتزام تجاه النضال الفلسطيني. وفي أحس الحالات فهو مشكلة الفلسطينيين وحدهم ومواقف بعض الدول لم تعد «صليب أحمر»، بل صارت أقرب إلى تأييد مواقف الاحتلال، وبعض الدول أرسلت شركاتها لتستثمر في المستوطنات. ثمة شيء غريب لا يمكن لقاموس الانحطاط أن يجد له تفسيراً. ولكنه في الجوهر يعكس التحول في المواقف وكيف غابت القضية الموحدة الجامعة للعرب التي كانت تجعل منهم أمة واحدة ذات قضية واحدة. مع غياب وتبدل مفهوم الأولويات تبدل كل شيء وصار الحديث عن استعادة الدور العربي مجرد حلم بائس في ليلة صيف قائظ.

المؤكد أن التقدم يحدث في كل المجالات كما أن التراجع يحدث في كل المجالات. الدولة القوية قوية في كل شيء. قد تبدأ قوتها بالاقتصاد، ثم تتحول القوة الاقتصادية إلى قوة عسكرية، وبعد ذلك تزحف بقوتها الناعمة لتغزو قطاعات الفنون والآداب وكل شيء. أميركا ليست قوية عسكرية فقط، بل أيضاً في العلوم والاقتصاد والسينما والمسرح والغناء. كذلك كان العرب زمن كانوا يحكمون قرابة نصف الكوكب، كان من يريد الشهرة يكتب أدباً باللغة العربية، ومن كان يريد أن يصبح عالماً يأتي إلى مختبرات العرب. الحضارة رزمة واحدة لا يمكن تفكيكها. والتراجع العربي اليوم تراجع في كل شيء. كأنه لا يوجد تقدم في شيء. حتى ثراء البعض المعتمد على الاقتصاد الريعي لا يعني شيئاً.

أليس غريباً مثلاً أن كل الأجناس لديها سلاح نوعي بطريقة أو بأخرى إلا العرق العربي. اثنان وعشرون دولة لا سلاح نووياً لديها. حتى لا يوجد مشروع طموح للحصول على السلاح النووي. انتهي حلم جمال عبد الناصر، وتبخرت تطلعات صدام حسين أمام التسرع والعداء المباشر للمحيط وثم الاحتلال الأميركي. لا يوجد من يحلم بسلاح نووي عربي. الأفارقة لديهم (جنوب أفريقيا) وإن كان خامداً ولكنه قابل للتفعيل، أميركا اللاتينية، الآسيويون بكل تنوعاتهم ناهيك عن الغرب. أما العرب فكأن وجودهم لا يهم. يكفي أن تحرسنا أيزنهاور ويكفي أن نشعر بالأمن لمجرد وجود الـ أف 35 في تل أبيب.

اقتصادياً، فإن الثروة العربية المهولة التي يمتلكها بعض الدول لم تجعل منها دولاً متقدمة ولا في أي مجال: لا في الزراعة ولا في الصناعة ولا في التسلح. فقط مال مكدس في مصاريف الغير ولا يصلح لشيء عند الحاجة إلا لبناء الناطحات والتباهي بالعجائب. بعض الدول العربية كانت مع مطالع القرن الماضي تعد في مصاف الدول المتقدمة صناعياً، وبعضها كانت تصدر للغرب منتجات صناعية وبعضها كانت دولاً مقرضة لبعض الدول المتقدمة الآن. ويمكن أن تصيبنا أي عملية مقارنة بين الماضي والحاضرة بالسكتة القلبية، لذا من الأفضل الاكتفاء بالتعميم. كل هذا يشير إلى صعوبة استعادة الدور العربي.

الصعوبة ليست مستحيلاً لأن المستحيل هو الشيء غير الموجود. ولكن مثل هذه الاستعادة بحاجة لفكرة. هل نحن بحاجة لبعض الفكرة القومية؟ ولكن القومية بعيداً عن شوائب الأيديولوجية والصراع الحزبي؟ . أم أن علينا أن نطور إستراتيجيات تكامل عربي تعتمد على الشراكة بين الراغبين لأن التمايز بين الأغنياء والفقراء في الحالة العربية سيجعل البحث عن مشروع واحد بضربة واحدة صعباً. أيضاً علينا أن نفكر جدياً في السؤال نفسه: هل نحن بحاجة لاستعادة حالة عربية واحدة تمثل الدول العربية؟ لأن مثل هذا السؤال لا بد أن يقدم لنا مرافعة حول الحاجة لوجود الجامعة العربية أم نفي هذا الوجود. سؤال بقدر حجم القلق على المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى